الفصل الأول

839 34 57
                                    

في ليلة من ليالي الخريف ارتدت بها السماء قناعًا من الغيوم، لتخفى عن أعين الناظرين جمال نجومها واكتمال قمرها لتبدو قاسية أمام الجميع، وفى ظل سكون الليل حيث لا يسمع إلا الصمت، انطلقت رصاصة تشق السكون بصوت يدخل الرعب بالقلوب، لتعلن عن وقوع جريمة بهذا الحي الذي تميز بالهدوء لقلة ساكنيه، وطبيعتهم الباحثة عن الهدوء، ومع انطلاق تلك الرصاصة انقلب الحال وسادت الفوضى في كل مكان، الكل يبحث عن مصدر الصوت والعديد من القصص ترسم في مخيلة الجميع عن السبب وراء تلك الرصاصة.

-وبعد دقائق قليلة أنتشر رجال الشرطة في كل مكان بالحي، وبالتحديد أمام العقار رقم خمسة عشر والذى كان عبارة عن فيلا من طابقين، استقبل حارس العقار رجال الشرطة ليقودهم إلى الداخل: اتفضل يا باشا الوضع زي ما شرحته لسيادتك في التليفون.

الضابط حازم: انسى خالص كلامك في التليفون وعايز أسمع من الأول.

- من حوالى نص ساعة كده وأنا قاعد على البوابة بحرس الفيلا، سمعت صوت ضرب نار، كانت رصاصة واحدة بس صوتها كان عالي قوي، وده عشان الهدوء اللي في المكان، جريت على جوا لقيت مختار باشا مرمي على الارض سايح في دمه، والدكتورة قاعدة على الكرسي ماسكة المسدس في إيديها، لما شوفتها بصتلي وابتسمت، خرجت أجرى واتصلت عليكم وفضلت أراقبها من برا الفيلا، هي متحركتش من مكانها، فضلت بس باصه للمرحوم وبتضحك!

أحد الضباط المساعدين بعد تأدية التحية العسكرية:

- تمام يا فندم فريق الطب الشرعي وصلوا وبيفحصوا المكان قبل رفع الجثة.

حازم:

- والمتهمة؟

- يا فندم متحركتش من مكانها، دي كأنها في صدمة أو مش حاسة بأي حد!

- نعم، ازاي يعنى!

- يا فندم مبتردش على أي حد يوجهلها أي سؤال، ومبتتحركش من مكانها، بتبص بس للجثة ومبتسمة!

نظر له حازم نظرة متفكرة ثم أشار على الحارس هو يقول:

- خد الباشا ده من هنا عشان هنحتاجه بعد شوية، قبل ما يتاخد على القسم لأخد أقواله في محضر رسمي.

دخل حازم لمدخل الفيلا لينظر لها بانبهار، فهي تشبه القصور من الداخل، أعمدته المذهبة وأساسه الملكي، وكأنه قصر لأحد الملوك في أوائل القرن العشرين، عكس ما تظهره من الخارج بأنها أحد الفيلات المتواضعة جدًا، مقارنة بما حولها من مباني، وبكل خطوة يتقدمها يشعر بسحر غريب بها، وكأن كل ركن بها يحوي العديد من الأسرار، ووراء كل صورة على الجدار حكاية وكثير من الأخبار، لم يعرف سر الرهبة التي تملكته في تلك اللحظات وراوده إحساس غريب لا يعرف ماهيته أو السبب من وراءه، لم تكن تلك هي الجريمة الأولى التي حقق بها حازم، فقد سبقتها الكثير والكثير من الجرائم والتي اشتهر بين زملاءه بسرعته في اكتشاف ألغاز تلك الجرائم، والقبض على الجناة، أما هنا فالقضية سهلة وبسيطة، فالجاني لم يفارق مسرح الجريمة ممسكًا بأداة الجريمة، فلم يبقَ أمامه سوى أن يعرف الدافع وراء تلك الجريمة، وللحظة تخيل أنها من البساطة بأن تنتهي في الساعات المتبقية من تلك الليلة قبل أن تشرق شمس النهار.

جريمة الانتقامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن