•••
هذا أكثر نهار قد استهلكت طاقتي بهِ، كنت على علمٍ أن كل هذا الضغط سيصيبني بإرهاقٍ شديد جدًا، لكنني لم آبه بالأصل لما يحصل لي، دخلت لأحد حمامات المقاهي القذرة، نظرت لنفسي وأنا أتنفسُ بصوتٍ عالٍ، لم أرد أن أثيرَّ جلبةً، لم يكن جيدًا أن أظهر ضعفي أصلًا.
وجهي يبدو أكثر نحالةً، تحت عينيَّ يوجد الكثير من الهالات السوداء من السهر غير المبرر لي في العمل في الفترة الماضية، وفوق ذلك إحتسائي المبالغ للقهوة والشاي، كل شيء هذه الفترة يضغط علي، يمزقني داخليًا و يذكرني كم أن حياتي فارغة نوعًا ما.
حياتي ليست فارغة وحسب، بل كانت تشبه من يعيش في العزلة، لكن عزلتي كانت إجتماعية، فأحادث الناس، أضحك، استمع لدروس دينية لوقتٍ قليل، أفعل كل مايفعله المرء الطبيعي بإستثناء واحدٍ.. أني بعزلةٍ داخلية حقيقية يسجنني بها كل شيء، وأنني أعيش مع الكل مسرحيةً سخيفةً تصنعها شخصيتي، كنت أعلمُ أن هنالك فراغ لا يمتلئ عندي، لكنني صرت معتادً عليه.
غسلتُ وجهي بماءٍ باردٍ، أخذتُ نفسًا عميقًا، و بدأت أحاول ألا انتبه لرائحة الحمامات التي لم تنظف منذ آلاف السنين، رائحة نتانةٍ وعفونة، آثار أوساخٍ على بعض الجدران، كان أكثر مايتحمله المرء في هذا المكان هو ثوانٍ معدودة قبل أن يشعر برغبة في التقيء.
خرجت منه وبدأت أحاول نسيان الرائحة المقززة في الداخل، أخذت شهيقًا لأنسي نفسي المنظر في الداخل، رائحة الأراجيل-الشيشة- والقهوة أفضل من الداخل، خرجت وأكملت المشيَّ في هدوء الليل هذا، الشوارع خاوية نوعًا ما إلا من القلة الذين يسهرون على الباب، أحببت مدينتي وحارتي عمومًا، لم أكن أبغضها مطلقًا.
وصلت لمنزلي بعد أن تمشيت في الحديقة، كانت هادئة لدرجة قد يعتقد المرء أنه قد يقتل بها ولن يعلم عنه أحد، دخلت وسلمتُ على والدتي، قبلتُ يدها ويد والدي، رأيت إخوتي وصعدت لغرفتي، نزعت ثيابي وفتحتُ النافذة لأشعر بقشعريرة خفيفة، كان الهواء باردًا بعض الشيء، لكن بشكل لطيف، جلست وأنا أتأمل نفسي في المرآة.
كنت أهرب من نفسي، لم أعلم للآن لم، كنت لا أحب النظرَّ لنفسي مطولًا، ليس ثقة، كنت أهرب من شيء ما، لكنني أعلم أن على شيء ما أن يتغير، فقط لا أدري.
أخذت حمامًا دافئًا، غيرت ثيابي ونظرت للساعة التي تشير للواحدة ليلًا، فصعدت للسطح، أتأمل النجوم، فتذكرت آية (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُوم)، كيف النجوم جميلة؟ كيف تبدو عن قربٍ النجوم؟ لم أدر، وودت لو أرى النجوم عن قرب، وودت لو أرى كيف تظل تلمع، وتظل تتراقص لأبدية جميلة، كيف أقسم الله بها، وكيف هي دليل على أنها هداية، الهداية التي نحتاجها جميعًا.
جلست وجعلت قداميَّ للأسفل، أنظر للشارع الهادئ من كل شيء، ونظرت للبناء الذي بجانبي، البناء الذي يبدو أنه سُكِنَّ وجدد، كان مهترئًا، لكن قد طلوه باللون الأبيض، نظرت للنافذة التي تبعد عني بطابق للأعلى،وكنت قد.. رأيتها.
لقد كانت تركت ستائر الحمام مفتوحةً، هل تحب الفضيحة؟ أم نسيت أن لها جيرانًا؟ لم تكن عينايَّ لتنظر، لكنني أضطررت لأفهم من قد لا يستر نفسه هكذا!
رفعت عينايّ، لأجد أن لها بشرة برونزية ربما، وشعر غامقُ اللون مبللٌ بالماء ينسدل على طرفٍ واحد على كتفها الأيمن، وظهرها يملك بعضًا من الحبوب والجروح الخفيفة، لم أقدر أن أميز ملامحها، تغسل جسمها بيديها ببطء، تبدأ من الأعلى من عند كتفيها الأنثويان، لفت وجهها، وهي تتحسس جسدها بيديها، أراها تبعد الصابون المتبقي على جسدها.
ماهو الذي جعلني أطيل النظر؟ لم يكن أمرًا عادلًا يا أيتها الجارة الجديدة! ما الذي يجعلك تفعلين أمرًا كهكذا؟ هل هي جرأتكِ الزائدة؟ أم عدم مبالاتك؟ أم ماذا؟
أردت معرفتك يا أيتها الجارة الغريبة المثيرة.. لكنني لم أرد أن أفكر بكِ بتلك الطريقة، مطلقًا، وليس مع مشكلةٍ في عضوي الجنسي، لم أحب فكرة إيذاء إحداهن هكذا، لم أملك فكرةً، ولم أرد أن يعمل الشيطان عمله، مشيت بسرعةٍ وأنا استغفر ربي، وأفكر ماذا لو رآني أبي هكذا؟ ماذا قد يقول عني؟ ربما علي أن أهدئ من روعي.. سأصلي ركعتان قيام الليلِ، ولأهدئ من روعي، الأمور لا تحتاج الهلع.
أنت تقرأ
وهمّي
Romanceكانت ليلةً صيفية حارةً، سماؤها صافية تتراقص نجومها معًا، جلست مجددًا، على ذات السطح، وأتطلع لذات السماء، لذات النجوم، وكانت والدتي تهمس: لا أدري مابه، كان غير ذلك، قد يكون همًا أرهقه، قد يكون وهمًا يعيشه، وقد يكون همٌّ وهمي ألفه، وعاش معه. لم تكذب ح...