#وصمة_وجع
#الفصل_الخامس
#سهام_العدل◾ ينام يستلقي جالساً على سريره القديم في غرفته في منزل والديه الذي تركه منذ حوالي عشرون عاماً ليتزوج بفاتنته التي أسرت قلبه منذ النظرة الأولى لها،، مازال يتذكر هيئتها أول مرة التقاها وهي تدخل مكتب المحاماة الذي كان يعمل فيه تحت التمرين بكل اختيال رغم ضآلة جسدها ونحافته الذي ظهر في ذلك السروال الأبيض الضيق والكنزة الحمراء القصيرة وطولها الذي لا يتجاوز المئة وستين سنتيمتراً ولكنه يبدو أطول من ذلك فضلاً عن الحذاء الأحمر الذي ترتديه ذو الكعب العالي ولكن رأسها مرفوعة بخيلاء تلك الرأس التي تحمل شعراً مموجاً بلون القهوة وعينين بنفس اللون تأسران من ينظران لها وبشرة بيضاء صافية خالية من الزينة،، لم يستطع حينها أن يمنع عينيه من تأملها بعناية رغم ملاحظة جميع من حوله بذلك ولكنه لم يبالي كل ماكان يريده أن يخفيها عن عيون الآخرين حتى لا يمتلكونها بأعينهم كما ينظر إليها هو ،، كانت قد جاءت تشتكي صاحب المنزل الذي تستأجر منه محلاً صغيراً تعرض فيه بعض الأزياء النسائية التي تصممها وتعرضها للبيع وهو يريد طردها من المحل لهدم البيت.
-حينها تودد لها وتقرب منها بغرض مساعدتها وعلم منها أن اسمها "ياسمين" طالبة جامعية تنتمي لأسرة ميسورة الحال ولكنها ليست ثرية ورغم دراستها تهوى الأزياء والتصميم والتفصيل لذا قررت أن تفعل ماتحب وتبدأ حياتها العملية بجانب دراستها،، أعجب بها وبشخصيتها تلك الشخصية التي تملك كل المزايا شخصية قوية، حكيمة، مسئولة، حنونة ومعطاءة… لم يستغرق الكثير من الوقت حتى وقع في غرامها متيماً وسعادته بها غمرت العالم عندما تأكد منها أنها تبادله نفس الحب والمشاعر.
-تقدم لخطبتها ومر عامان حتى تم الزواج بعد التجهيزات،، مرت الأيام والشهور والسنين بينهم بكل حب وتفاهم وبدون أية مشاكل سوي مشكلة العمل الذي كان يشعر أنه يشاركه فيها ويجعلها تضطر للتعامل مع الجميع من الجنسين وجميع الأعمار مما كان يأجج النار بداخله ولكن ما جعل الأمور تتفاقم بينهما شعوره بأنه يكمل حياتها وليس هو حياتها نفسها… لا ينكر أنها كانت له نعم الزوجة ونعم الأم لأبنائه ولكنها لا تشركه معها في أي أمور تخصها أو تخص المنزل عامة أو تخص حياة الأولاد… كم تمنى أن تحكي له عن مشاكلها اليومية أو مشاكل أبنائه أو أنها فشلت في حل شىء وتريد مساعدته فيها،، بالعكس كانت تستبعده عن كل ذلك حتى وإن كان عن غير عمد،، حينما كان يعرض عليها ذلك كان ردها الدائم " متشغلش بالك… أنا هحل كل حاجة… كفاية عليك شغلك أنت" حتى وإن كان غرضها ألا تثقل عليه الهموم ولكنه كان يريدها أضعف من ذلك معه،، مهما كانت قوتها هو يريدها إمرأة تراه سندها في الحياة، قوتها، تستند عليه، تلجأ إليه ولكنها كانت عكس ذلك وهذا ماجعله يرى عن قناعة أن عملها هو السبب في إكتسابها تلك الشخصية،،، وهو نفسه الذي جعل قلبها الحنون المعطاء يقسو عليه ويألف البعد عنه،،، كل هذا الحب الذي بُني في سنوات طويلة بدأ في التلاشي مابين أمور يحمل ذنب كل منهما الآخر.
-التقط هاتفه من حواره وبدأ في تصفحه لعله يجد شيئاً يوقف تفكيره الذي لايتوقف وإذا به يُصدم من هول ماقرأ،،، صديق ينعي زوجة صهره ياسر ويقدم له واجب العزاء،، لم يصدق ما قرأ فحاول الإتصال على زوجته مراراً وتكراراً ولكن لا إجابة،، فاتصل على ابنته جني التي أكدت له صحة الخبر وأن أمها ترافق خالها في منزله،، نهض مسرعاً يبدل ثيابه وهو يهرتل بعصبية غاضباً من زوجته التي لم تبلغه بذلك،، يلومها كيف لها أن تستثنيه من حياتها بهذا الشكل؟؟،، هو لم يرغمها على ترك عملها إلا رغبة منه أن يأخذ جزء أكبر من إهتماماتها ويكون له الأولوية في حياتها وتلجأ له عندما تتعثر،، كيف لها انت تفعل به ذلك وهي تعلم جيداً أنه يحب أسرتها ويعتبر نفسه جزءًا،، منها كيف لها ألا تخبره بموت زوجة أخيها،، فكان من الواجب عليه أن يكون بجوار ياسر في ذلك الوقت ولا يتركه،،، ولكن ياسمين بعنادها حرمته من ذلك.
- وصل بسرعة البرق الى منزل ياسر بعد قيادته بسرعة جنونية،، وفي ذات الوقت لم يتوقف عن الرنين علي ياسمين التي أخيراً أجابته بصوت هادىء غير مبالي " أيوة يامراد"
- قال وهو يتمالك نفسه من شدة الغيظ " أنا أدام البيت تحت عند ياسر ممكن تفتحي لأن الوقت اتأخر ومش عاوز أرن واعمل قلق"
- أجابته بتنهيدة " حاضر.. هفتح لك"
-بعد دقائق قليلة كان يجلس أمامها في غرفة مكتب ياسر في الدور السفلى ينظر إليها بحزن على هيئتها الذابلة وعينيها المتورمتين من أثر البكاء ولكنها تتمثل الصمود كعادتها.. كم تمنى احتضانها والتخفيف عنها ولكنه عاتب عليها، لذا سيطر على ذلك الشعور الذي يأمره بضمها بين أحضانه وتقبيل تلك العينين حتى تعود تبرق كما كانت.
-جلست تنظر له بحنين موجع،، تمنت لو كان جوارها في تلك اللحظات الصعبة التي مرت عليها خلال ذلك اليوم وضمها وخفف عنها،،، كم تمنت الارتماء بين ذراعيه متشبثة به تبكي حزنها ووجعها على أخيها وزوجته وولديه،، ولكن منذ متى وهو يبالي بها!!،، منذ متى وهو يهتم لما يحزنها،، فقد اعتاد عليها زوجته المسئولة الخارقة التي تحل كل شئ ولا تشتكي هماً ولا وجعاً،، ولم يكفيه ذلك بل يخيرها مابين عملها أو الإنفصال عنها ولكنها اليوم بعد تلك الساعات التي مرت عليها بدونه وهي في أمس الحاجة اتخذت قرارها الصحيح.
- قطع ذلك الصمت وتلك النظرات عتابه الهادئ لها " إزاي حاجة زي دي تحصل وأنتي متعرفنيش… أنتي نسيتي إني جوزك؟"
-نظرت له بعتاب قاسٍ وردت " الظاهر إن أنت اللي نسيت يامراد.. هو أنت فين عشان أعرفك.. أنت بقيت تظهر وتختفي بمزاجك"
-رد عليها ببعض الغضب المكتوم " ما تلونيش الكلام يا ياسمين… أنتي لو كنتي عايزة تعرفيني كنت عرفتيني… وف ظرف زي ده كنت حطينا مشاكلنا على جمب وعرفتيني… كنت لازم أكون موجود مع ياسر في وقت زي دا"
-أجابته ببعض الانفعال" أظن لا ده مكان ولا وقت لعتاب… أخويا تعبان وماصدقت أنه نام هو وأولاده ،، وماما ربنا اللي عالم بحالها عشان ياسر…واعتبر عزاك وصل وسعيكم مشكور "
-احمرت عيناه من شدة الغضب ونهض ممسكاً ذراعها بعنف وقال بصوت هادىء ولكن كله غضب" أنتي اتجننتي.. عزا إيه يامخبولة… ياسر ده أخويا وأنتي عارفة اني بعتبر عيلتك عيلتي واني واحد منهم… بس شكلك انتي اللي كل ماتكبري عقلك بخيب "
-نفضت ذراعها من يديه ونهضت أمامه قائلة بإنفعال " هما عيلتك واخواتك عشان هما اعتبروك أخ أكبر لهم… وأنت كنت لهم كده بسببي أنا… أنا اللي خليت مكانتك عندهم فوق الكل… كنت رسماك في عيونهم ملاك بجناحين… الرجل اللي مبيغلطش… عمري ماحكيت لهم عيب فيك ولا مشكلة بينا خليتك في عيون الكل قدوة وان كل اخ عندي يتمنى يكون زوج زيك.. بس للأسف أنت مقدرتش ده "
- نظر لها بتعجب وصدمة من حديثها وقال بإستنكار" أنت بتعايريني بحب عيلتك ياياسمين.. تمام… وكمان إيه اللي أنا مقدرتوش… قولي اللي عندك "
- أجابته بحزن " ملكش حاجة عندي أقدر أذكرها يامراد… وكمان زعلان إني مبلغتش سيادتك بموت صبا… ليه؟؟.. أنت كنت جمبي إمتى؟؟.. عمري وأنا لوحدي… كل خطوة في حياتي كنت فيها لوحدي… كل مرة وقعت فيها قمت لوحدي… حتى أصعب لحظات حياتي كانت من غيرك،، يوم ماولدت جنا كنت أنت في جلسة في المحكمة ويوم ماولدت فادي كنت مسافر ولحظات كتير متتعدش كنت فيها من غيرك،، لما بصراحة اتعودت أكون لوحدي ومبقاش فارق وجودك من عدمه "
- جلس وهو يبتسم ابتسامة استنكار موجعة على ماسمعه ورفع بصره إليها ورد عليها" أنتي عمرك وأنتي اللي مبعداني عن حياتك يا ياسمين… عمري ماحسيت انك محتاجاني… كنتي كل يوم بتثبتيلي عن اللي قابله إني وجودي ماهو إلا سد خانة… والظروف اللي بتحكيها دي كانت خارجة عن إرادتي وأنتي عارفة كده.. جاية دلوقتـي وترمي الغلط عليا"
- جلست أمامه تنظر في عينيه بغضب وقالت" أنت وجود كان سد خانة!!!.. دا أنا طول الوقت كان همي أرضيك وأسعدك وأسعد ولادنا ومقصرش في حاجة… كنت بحارب الدنيا والوقت عشان أوازن بين البيت والشغل وأظهر في الحالة الأمثل اللي أكون راضية عنها قبل ماأنت ترضى عنها… أنت اللي عمرك ماحسيت أنا عانيت أد إيه… عمرك ماحسيت أن كان يومي بيبقى إزاي مابين شغلي واحتياجات بيتي ومتطلبات عيالي ولازم يجي الليل على رجعتك أكون في أبهى صورة عشان أفضل حلوة في عينك زي أول مرة شوفتني… عمري مااشتكيت عشان ماتزهقأش وتمل وأبقى الزوجة الشكاية… عمري ما حملتك أكتر من طاقتك وأقول كفاية عليه هموم شغله اللي مبتخلصش… وكان نجاحك يوم عن يوم واسمك اللي بيلمع في البلد والجرايد والبرامج اللي بتتكلم عن نجاحاتك كان نجاح ليا أنا…عارف ليه؟؟… لأني بحبك بإخلاص… كل همي سعادتك…ورغم كل اللي عانيته وضحيت بيه وعملته جيت بكل برود تخيرني مابينك ومابين شغلي اللي بنيته في أكثر من عشرين سنة "
-طأطأ رأسه ووضع وجه بين يديه متخللا بأصابعه مقدمة شعره وتنهد بوجع فهي تعاني وهو يعاني وكل منهما يلقى اللوم على الآخر… ورغم كل ذلك هو يعلم أن قربهم هو الحل… وجودهم سوياً هو ما سيصلح كل شيء… رفع رأسه ينظر لها وجد وجهها الأبيض تكسوه الحمرة من الحزن والدموع الذي لم يراه سوى مرة أو اثنتين منذ أن عرفها تقف على أعتاب عينيها، فنهض مقترباً منها يضمها قائلاً " تعالي ننسى ونبدأ من جديد… وجودنا سوا هيحل كل حاجة" ثم وضع قبلة على رأسها.
- نزعت نفسها منه ونظرت له بحدة وقالت " مبقاش ينفع يا مراد… كل شئ انتهى… وأرجوك طلقني"
أنت تقرأ
وصمة وجع
General Fictionثلاث أخوات لكل منهن وصمة مختلفة لازمتها جعلتها تواجه الحياة وهي تستر من عيون الناس... كل منهن ضحت وواجهت الحياة التي سلبت منهن كل منح السعادة ولكن بطريقة مختلفة...كما أن هناك أقدار خفية مؤلمة في ظاهرها ولكنها باطنها صنع المعجزات...هل ستستطيع كل منهن...