خمس دقائق.. نعم، كل ما أريده منكم خمس دقائق، لذا سأطلب بأدب أن يقوم جميع من بالقاعة بضبط مؤقته على خمس دقائق و بمجرد إنقضائهم يمكنكم المغادرة.
ها قد بدأ العد التنازلي..
"مرحبا بكم جميعا، أتمنى ألا تكون محاضرتي مضيعة للوقت و مملة بالنسبة لكم، و أمل بأن يستفيد منها الجميع." إستهلت الحديث قائلة و من ثم سحبت كرسي و جلست عليه أحدق بالموجودين بصمت تام.
نظرت لمؤقتي و كانت قد إنقضت الدقيقة الأولى و لاحظت مغادرة البعض بتأفف.
"حسنٌ، أتشعرون بالملل لأنني لم أتحدث؟ أم بالإهانة؟ أظن بأن أغلبكم تأكد من كوني سأضيع وقتكم دون فائدة تذكر بل و يفكر بالإنضمام لمن تركوا القاعة بالفعل.. ألست محقة؟" قلت عندما وقفت لأجذب إنتباه الجميع حيث أومئ أغلبهم، بينما خرجت مجموعة أخرى.
عمت القاعة أصوات الضحك و الهمسات الساخرة عندما تعثرث لأفترش الأرض.
إستقمت بسرعة لأشاركهم الضحك في حين بدأت بنفض الغبار من على ملابسي.
" ها قد إنقضت الدقيقة الثانية و الجميع يتهامس بمدى غبائي، بل هناك من رأني مضحكة و عفوية أيضا، أليس كذلك؟". قلت و عدت لأقف بإستقامة في حين تابعت ردود أفعالهم و التي كانت بعضها تتفق معي و البعض الأخر غادر القاعة.
"الدقيقة الثالثة إنتهت!" صاح أحد الجالسين بالأركان يرمقني بنظرات متململة.
" أتعلمون سأخبركم بأمر ليس بمهم و لكن سأقوله على أي حال، أنا أكره الأكل الصحي للغاية، و أحب قضاء وقتي بالمطالعة و أيضا أحب الألوان الغامقة، أشعر بأنها أكثر غموضاً" قلت بإسترسال في حين خرج البعض أثناء حديثي و البعض الأخر ظل يترقب بفضول منتظراً إنقضاء هذه الدقائق بفارغ الصبر.
" و الأن أظن بأن بعضكم يصفني بالثرثارة، و البعض الأخر بالمتباهية، و أخرين يرونني مشتتة و لا أعرف عن ماذا أتحدث؟.. مذهل!" قلت مصفقة بيداي لأوقظ البعض من شروده.
نظرت لهاتفي و كانت الدقيقة الثالثة قد إنتهت بالفعل، رفعت رأسي و وجدت البعض مستمر بالضحك منذ لحظة وقوعي و هنا صرخت أنهرهم بغضب.
" أنتم! أترونني أضحوكة أمامكم أم ماذا؟" سكت لبرهة أتابع ردود أفعالهم و التي كان يترأسها 'الصدمة'.
"توقفوا عن هذه التصرفات الوقحة، أنا أيضا بإمكاني السخرية منكم أتسمعون؟؟" قلت بنبرة تهديدية أثارت غضبهم و كردة فعل متوقعة خرج بعضهم بملامح مغتاظة و بعضهم صمت بإحراج، و لن أنكر أيضا بأن فئة منهم لم تكثرث بحديثي و إستمروا بالتهكم على كلماتي.
"أخر دقيقة!" قالت إحداهن تطالعني بتساؤل فمن الناحية العملية لم أقل أي شيء مفيد.
"أراهن بأن أغلبكم غير رأيه عن إنطباعي و بدأ يصفني بالوقحة، الغاضبة، أو ربما قليلة حياء بسبب إهانتي لمجموعة منكم ..ألست على حق؟" قلت و عدت لأجلس بالكرسي بملامح هادئة و كأن شيء لم يحدث.
"حسنٌ، أنا أسفة لم أقصد أي مما قلته، في الواقع إن كنت سأقف هنا يجب أن أتحكم بنفسي و أتقبل جميع أفعالكم و أرائكم حولي، أرجوا منكم عند الخروج الإعتذار من الغاضبين نيابة عني!" قلت بهدوء مغاير لحنقي المزيف قبل ثواني و رأيت البعض يتعاطف معي و هناك من تفهمني و أخرين أرمقوني بنظرة ' يالك من منافقة'.
"إنتهى الوقت!" صاح شاب بإبتسامة سعيدة جعلتني أتسائل إن كان فرح بإنتهاء الوقت لهذه الدرجة لماذا لم يخرج؟
رأيت الجميع يقف إستعداداً للمغادرة في حين حمحمت قائلة بجدية.
" فقط خمس دقائق كل ما تطلبه منكم لتحكمون علي بشكل نهائي!" لاحظت أغلبهم توقف عن الحركة بل هناك من عاد ليجلس.
" ألا ترون بأنه من المثير لسخرية أنكم أصدرتم أحكامكم على هويتي دون معرفة إسمي حتى!".
"لا أقول بأنني أفضل منكم، أنا أيضا لو كنت بمكانكم لفعلت المثل، و لكن السيء بالأمر أننا نفعل هذا في غالب الأحيان، نرى أحدهم غاضب فنقول بأنه شخصية صعبة المراس دون النظر لظروفه، أحدهم يضحك، أوه ياله من شخصية مرحة و هكذا.."
" ماذا لو فقط نترك الحكم للزمن، للمواقف و ليس للمظاهر و أول كلمات نسمعها أو فعل نراه!"
فقط ماذا لو لم نكن بهذا التسرع و البال الضيق؟
لما لا نكف عن إطلاق الأحكام الغير منصفة عن بعضنا البعض؟ أتعلمون من نحن لنحكم على أحدهم أساسا؟.
لا أحد يعلم الظروف الحقيقية خلف أحدهم، لا أحد يعرف ما وراء الستار، و لا يوجد شخص بإستطاعته رؤية كواليس مشاعرنا!
المواقف وحدها الجديرة بحياكة هويتنا و ليس إنطباع البشر عنا!
"و أخيراً أشكركم على هذه الخمس دقائق من وقتكم الثمين!".
#ألاء_سالم
*************
هذا البارت إهداء للطيفة Noora_20_03
رأيكم بالموضوع
أنت تقرأ
00:00
Randomلن تجد كلمات تصف سطوري .. فها هي ساعة الصفر تدق . #منوعات . كتاب يحتوي على مجموعة خواطر و قصص قصيرة من تأليفي الشخصي لذا أرجوا عدم السرقة ! من يود الإقتباس فليضع إسمي، للمحافظة على حقوقي الفكرية و بالتأكيد سأكون له شاكرة :) -دمتم سعداء- . يعتبر الج...