الحياة شريط
والذكرى محتواه
الماضي صفحة
والحاضر طواه
الفراق ألم
واللقاء داواه.
( مقتبس )
إذا أنهك الجسد الألم
فيوجد في حنايا القلب المُتعب والمثقل بالكروب نبضة حب ونظرة أمل..
تتناثر على أنحاء جسدك المتلاطم بأمواج الماضي
لكن الشيء الثابت أن لكل شيء نهاية
والحياة إن قست فإنها لك ولغيرك
فلا حزن دائم ولا فرح دائم.
عادت سارية إلى منزلها غاضبة، تثرثر وتزبد مع نفسها وخلفها مارية تكتم ضحكاتها بصعوبة بعدما تلقت منها نظرات شرسة ووعيد جعلتها تبتلعها في جوفها وتصمت.
قابلها بدر الدين بدهشة من مظهرها المشعث وثيابها المشوبة بالتراب، ومارية لا تقل عنها في المظهر بل أكثر منها.. اقترب منهن بقلق مندهش :
-"ماذا حدث لكنّ يا فتيات؟"
لم تجبه سارية ودلفت إلى المنزل تبدل ثيابها تاركة صديقتها تسرد له ما حدث، متأكدة أنها ستقوم بالتفسير والشرح ببراعة.
انتهت وخرجت برداء نظيف من اللونين السماوي والأبيض تمسك بقطعة قماش تجفف خصلاتها لكن عيناها اتسعت وهي ترى والدها يقترب منها بدهشة يسألها بنبرة غير مصدقة لما سمعه من مارية قبل قليل يقبض على مسبحته :
-"قمتِ بتثبيت الرجل في جذع الشجرة؟!
هل أنجبت فتاة من المفترض أن تتمتع بالرقة أم قاطع طريق؟"
شهقت باستنكار تنظر له بغيظ وأعين متسعة، وضحكات مارية بصخب من خلفها على رد فعل عمها تضع كفيها على ثغرها دامعة العينين كفيلة باشتعال غيظها أكثر وأكملت حديثها :
-"الفضل يعود لقدوم هذين الشابين في الوقت المناسب، فهما من أنقذاه من يدها"
عقد حاجبيه بتعجب وتساءل بتعجب :
-"من هما؟"
أرخت سارية ذراعيها أمامها تنظر أمامها بلامبالاة وقالت :
-"أنه جاد.. وشخص آخر لا أعرفه"
-"جاد!"
همس بدهشة من وجوده في الغابة في هذا الوقت!
مر كثير من الوقت لم يره فيه، ليلمع في عقله خاطر عن وجوده في الأنحاء.
قاطع وقفتهم وحديثهم هتاف فتاة بالتحية، فالتفت ثلاثتهم إليها يجدوها مقبلة عليهم تسير بغنج ودلال، حسنة المظهر بشعر غجري أسود..
ترتدي ثوب يرسم جسدها الذي يأخذ شكل الساعة الرملية ببراعة.
اقتربت تقف أمامهم تتلاعب بخصلات شعرها :
-"مرحبًا بالجميع"
زفرت الفتاتان بضيق وأشاحت كل منهما بوجهها في الاتجاه الآخر ليرد عليها بدر الدين بترحاب :
-"مرحبًا فتون.. كيف حالك؟!"
-"بأفضل حال عماه"
التفتت إلى مارية تتأمل مظهرها وشعرها المشعث بعدما جف من فعل الهواء بخبث فهي قد سمعت حديثها له عما حدث في الغابة :
-"ما الذي حدث لمظهرك مارية؟"
قلبت نظراتها بتهكم قبل أن تناظرها ببسمة باردة مكتفة ذراعيها تجيبها بسخرية :
-"تصادمت مع أحد الفيلة في الغابة لكنني بحمد الله أرديته صريعًا"
ضحكت فتون بمجون بعض الشيء ترمقها بنظرات ماكرة وحاجب مرتفع :
-"مظهرك يعبر عما لاقيته عزيزتي"
هتاف باسمهن مصاحبة لزجرة من الأعين تلقياها من بدر الدين جعلت مارية تتراجع بخجل معتذرة.
لكن فتون لم تتراجع وزجرتها بنظرات ساخرة لاحظتها سارية التي لم تستطع السيطرة على اندفاعها.
فقالت واضعة يدها اليمنى في خصرها وتميل برأسها للجانب قليلًا :
-"ماذا هناك يا فتون؟
أرى أنكِ متفرغة!
أليس لديكِ عمل في الحانة الليلة؟"
امتعض وجه الأخرى بشدة ترمقها بغضب وغل، بينما سارية تبادلها بتشفي رافعة حاجبها بانتصار.
رمقت الجميع بحنق وذهبت تتوعد لها بشدة سرًا.
لتضحك مارية مليء شدقيها تصفق لها لكن بدر الدين رمقها بعتاب هاتفًا بحزم :
-"منذ متى وهذه أخلاقنا سارية؟!"
اضطربت في وقفتها تبتلع ريقها بتوتر من لومه، فوضعت كفيها أمامها ونظرت له باعتذار هامسة بخفوت:
-"آسفة أبي"
رفع كفه تتدلى منه المسبحة السمراء يجعلها تصمت يرمقها بقوة هاتفًا بِهنّ بلوم وعتاب :
-"أخلاقها وعملها لنفسها لا دخل لنا به، لكني لم أربي فتياتي على إهانة أحد أو الشماتة منه..
ما حدث الآن لن يتكرر مرة أخرى، أفهمتن؟"
حاولن التحدث والاعتذار منه فهتفن في وقت واحد :
-"أبي / عمي"
لم يختفِ العتاب من نظراته ولم يجبهن بل تركهن وذهب يكمل عمله.
فتنهدت سارية بحنق من نفسها واستدارت إلى مارية تلقي المنشفة في وجهها بغيظ وشراسة..
فلو تركتها تقول ما تريد ولم تجبها لما تلقوا هذا الغضب والعتاب من أبيها.
★★★★★★★
لا يوجد مكان مليء بالأخيار فقط أو الأشرار وحدهم!
لابد من اجتماع الخير والشر معًا
في اجتماع أذلي
ومعركة أبدية بينهما على مر الزمان.
النصر فيها دائمًا ما يكون للأقوى!
بعد ذهابها تحولت ملامح إلياس من الجمود إلى شيء أعلى من الغضب والثورة ظهر بتجلي في عينيه حيث كانت تطلق شزرًا..
وجاد يراقب انفعالاته علم منها أنه يحاول ضبط نفسه بشدة حتى لا يفتك بالجندي، فمصيره بات معروفًا، لكن ما يظهر عليه الآن يجعله يشفق رغمًا عنه عليه.
لاحظ ارتعاد ملامح الرجل عندما التفت إليه بغضبه، راقب التصاقه بجزع الشجرة بشدة كمن يحاول الاحتماء بها منه.
اقترب منه ببطء مثبتًا نظراته في عينيه، بدأ في فك وثاقه ولم يحد عينيه عنه، ثم قام بلف السياج حول يده ببطء بث الرهبة في قلبه، ووقف أمامه بطوله المهيب يسأله بخفوت :
-"الآن وبهدوء أخبرني ما الذي دفعك لفعل هذا؟!"
حاول الجندي التظاهر بالشجاعة برغم الرعب الذي يدب في جوانبه وقال بتبجح مصطنع :
-"وما دخلك يا هذا؟
أنت لا تعلم من أنا؟
أنا من جنود الملك إلياس، فلا تتدخل فيما لا يعنيك وإلا سجنتك"
كاد جاد أن يفتك بذلك المتبجح لكنه توقف عندما رأى اقتراب إلياس منه ليقف على بعد خطوة منه ناظرًا إليه بغموض، ثم باغته أنه أعاد رأسه للخلف ثم هبط بها لاكمًا جبهته بضربة قوية جعلته يرتطم بالأرض.
ابتسم بتشفي لكنه أسرع يمسك مرفقه عندما وجده يقترب منه ليكمل ضربه وهمس له :
-"ترفق، سيأخذ عقابه ولكن ليس بتلك الطريقة"
أجابه من بين أسنانه يرمق الرجل الذي فقد وعيه ولم يكن قد استفاق بالكامل من ضربة مارية من قبل بغضب:
-"أتركني جاد، لم أتصور وجود حثالة كهذه بين جنودي"
تمسك به بقوة أكبر يقول بصوت يشوبه بعض المرح:
-"إذا تركتك سيكون في عداد الموتى"
- "يستحق"
صرخ بها بشراسة وعينيه مازالت ترمق الملقى بغضب، لكن استطاع الآخر السيطرة عليه وتهدئته قائلًا بحزم :
-"أعلم لكن ليس هنا، فأنا لن أخبرك بما يتوجب عليك فعله إلياس"
دفعه بنوع من القوة مسيطرًا على غضبه، ثم أخذه من هذا المكان لتبدأ رحلة عودتهما إلى القصر مرة أخرى وبداخله الكثير من الوعود والقرارات التي ستفتك بمن يتجرأ على فعل هذا ثانيةً.
★★★★
أشياء كثيرة ترغمنا على فعلها من غير إرادتنا
كالأمواج المتلاطمة، إن لم تعرف أصول السباحة ستغرق ولن تجد قارب النجاة!
لكننا نقنع أنفسنا بوجود أمل في تغييرها في المستقبل..
وحبذا لو كان هذا التغيير بأيدينا
تتمنى أن يسير كل شيء كما ترغب وتريد
وصلت إلى مملكة الشمال بعد رحلة مرهقة جسديًا وفكريًا، فهي أبدًا لم تعتد السفر لأماكن بعيدة عن مملكتها.
رغم ضيقها منه وقلقها من القادم لم تكن يومًا من الذين يفكرون في المستقبل أو الذين يعيشون في الماضي أكثر مما يستحق.
تعلمت أن تعيش اليوم والمستقبل للتخطيط، والماضي تبني عليه الحاضر والقادم.
تعلمت أن الحياة رحلة تتزود منها بما تحب، وأي متعة زائلة فلا توليها اهتمام أكبر من حجمها.
نظرت للقصر الذهبي من داخل قبتها بأعين منبهرة فقد حاز على إعجابها.
نعم.. لا يعتبر قصرًا فحسب!
بل عبارة عن عالم آخر، فنيار يشبه إلى حد ما والده تقي الدين..
المكان الذين ينتمون إليه يحولونه إلى مكان للراحة، واحة من الجنان بتلك النافورات المضيئة والمزينة بالورود وتلك النقوش.
سحرتها التفاصيل وغرقت فيها.
انتشلها من شرودها صوت أروى أنها يجب أن تهبط والتي يبدو أنها تنادي عليها منذ فترة لظهور الدهشة على ملامحها من شرودها :
-"أميرتي.. أعتذر منكِ لقطع شرودك ولكن الملكة رقية هنا ونحن وصلنا منذ فترة"
ردت عليها وقد استفاقت من تفكيرها أخيرًا بتعجب :
-"الملكة رقية!"
-"نعم مولاتي.. فهي قادمة لاستقبالك"
خرجت بأقدام متثاقلة، فالملكة أتت لاستقبالها!
صوت سخرية هزأ بداخلها وارتجاف بارد مر بداخلها :
-"فهي بالتأكيد هنا لتكمل المحادثة القاتلة ذلك اليوم في جناحي، أو تحذير ما يؤرق مضجعها مني"
وكانت شكوكها على حق فهي لم تستقبلها لطف منها أو حب من ذلك القلب البارد بين جنباتها..
النظرة الجامدة التي تحتل عينها خير دليل!
لكنها تمنت أو توقعت الأفضل.. لا تعلم هي لا تريد استباق الأحداث.
تمنت حقًا أن ما حدث يوم خطبتها هو غيرة أُم على ابنها في يوم كهذا.. ولكن يبدو أن الأسوأ قادم وأن كل ما يُقال عنها حقيقة مُرة يجب عليها التعايش معها ومواجهتها.
أغمضت عينيها لثواني تبث الهدوء في نفسها ، فمهما كانت من أمامها هي تعلمت الاحترام أولًا وأخيرًا، عدا أنها الملكة الأم ولها مكانتها واحترامها، حتى لو اكتسبت تلك المكانة بالقوة تارة وبالخداع تارة أخرى.
يبدو حقًا أن أيامها هنا معاكسة لأيامها الهادئة، تشعر بالريح التي تسبق العواصف.
تسلحت بنظرات باردة أمام نظراتها المتفحصة ورفعت رأسها بشموخ في مواجهتها ولم تتحرك قيد أنملة عدا أنها انحنت لتحيتها ورفعت رأسها بابتسامة باردة تماثل ابتسامتها لا حياة فيها.
لتنطق رقية بنبرة جليدية :
-"أهلا بك أميرة ليان"
أومأت بهزة لا تُرى تجيبها :
-"مرحبًا بكِ أيتها الملكة، سعيدة بقدومي إلى هنا"
ناظرتها رقية طويلًا ثم تركت حاشيتها وتقدمت منها تهمس في أذنها بفحيح خبيث :
-"أتمنى أن تستمتعي بأيامك هنا.. ولا ترفعي أحلامك للسماء لأن الأرض مصيرها"
ابتعدت عدة إنشات ونظرت في عينيها بنظرة قاتلة :
-"أعلم أن رياح التغيير التي أشعر بها ليست من فراغ.. وتحليلاتي تقودني إليكِ .
فاحذري أنا لا أحب التغيير"
ثم رسمت على شفتيها تلك الابتسامة المقززة تنادي على حاشيتها :
-"اخبروا الملك نيار بقدوم خطيبته ، وارشدوها لجناحها الذي ستقيم فيه لبضعة أيام"
شددت على مخارج حروفها ثم وجهت لها نظراتها ثانية بنفس الابتسامة :
-"كنت أتمنى لو أظل معكِ ليان ولكن تعلمين أمور المملكة لا تنتهي أنا متأكدة أن الملك نيار ينتظرك"
ثم تركتها وغادرت .
مرجل يغلي بداخلها هو أقل وصف لحالتها..
هل حقا قالت أن مشاعرها كره للملكة من قبل؟!
إذا ما هذه المشاعر؟
في حياتها لم تقابل امرأة مثلها بذلك الغرور والأنفة الغليظة!
تريد اقتلاع تلك البسمة التي تستفزها ولكن يبدو أنها حرب النفس الطويل.
نفضت الأفكار القاتلة وتبعت الجواري حولها إلى الجناح الذي ستقيم فيه أيام الاحتفالية.
كانت مأخوذة بكل ما يقابلها مما صرف أفكارها عن رقية.. ولكن صوت أوقفها من الحاشية على مفترق من الممرات والسلالم الرخامية الناصعة البراقة :
-"مولاتي.."
ناداها مأمون منحنيًا لها وعندما أولته انتباهها أكمل:
-"المملكة زادها شرفًا بقدومك..
هل تودين أن أُعلم الملك بوجودك أم تفضلين أخذ راحة من عناء السفر في جناحك؟!"
تنفست ببطء لتخرجه برقة فهي حقًا تريد إنهاء الأمر سريعًا.. فتلك الرحلة والاحتفال تحيطها بالضغوطات التي تأمل التخلص منها بأقرب وقت.
شعرت أنها استغرقت وقت قبل أن تجيبه :
-"لا أنا أود مقابلة الملك أولًا وبعدها سأستريح"
قالتها وكأنها أزاحت جبلًا عن كاهلها :
- "حسنًا مولاتي.. من هنا"
أشار إلى ممر وبنهايته غرفة استقبال الضيوف بينما الجواري صعدوا لإعداد ما تبقى في جناحها.
مأخوذة بتفاصيل الغرفة حال جميع تفاصيل القصر، ذات سقف عالٍ مطعم بنقوش وزخارف رائعة جذابة يتوسطه ثريا كبيرة يهبط منها عدة ستائر منحنية ليعلق طرفها الأخر في الحائط أعطاها مظهر رائع، وأرائك كثيرة مرصوصة بجانب بعضها بمحيط الغرفة مطعمة بالوسائد الصغيرة، ومليئة بالنوافذ الواسعة.
قطع مأمون تأملاتها :
-"مولاتي يمكنك الانتظار هنا لحين إعلام الملك بوجودك"
-"حسنًا"
أجابته بخفوت تحاول إعداد نفسها داخليًا لمقابلته، فهي لم تستكشف شخصيته كاملة بعد ولا تحبذ التعامل مع المجهول، بل يعتبر مصدر القلق لديها.
في ذلك الوقت كان نيار يدور بغرفته بغضب يفكر بتلك الفتاة، صوت بداخله يستنكر ثورته المفرطة وكأنها غير مبررة لكنه أخمده.
فهو وإن لم يكن هناك مبرر يكفي أن وجودها حية ترزق إلى الآن يؤرق منامه.
لا يهم ما يشده لها ولرؤيتها ولكن هي عارضت أوامره.
هاربة بنظره من مصير الجواري لكل جميلة خلقت على أرضه.
سيكسر كل قوانينه كي يحصل عليها ولكن يبدو أنها ليست من هنا كما يقول حراس القصر.
ماذا بالفعل لو كانت من مملكة أخرى!!
وماذا في ذلك؟
سيأتي بها مهما كلفه الأمر، فقط لإراحة عقله وطرد السهاد.
التفت إلى مكتبه بعد أن كان أولاه ظهره وأنفق كل أفكاره أمام النافذة ولكن يبدو أن الهواء يعانده.
نادى حارسه بصوت عالٍ فهو يريد مأمون الآن أيًا كان مكانه، ولكن غاب عن عقله أنه بعثه لاستقبال الأميرة تحت تلك الضغوطات المحيطة به.
-"مولاي.."
-"أريد الوزير مأمون الآن.."
ولكن قبل أن يجيب الحارس كان من يريده يستأذن للدخول، حينها خرج بعد أن أمره الملك.
-"مأمون .."
قالها نيار بحزم يشوبه الغضب، فحاول مأمون التحدث :
-"مولاي.. أنا"
ولكن قبل أن يكمل قاطعه الآخر بقوة وشراسة :
-"أريد تلك الفتاة مأمون حتى لو بأقصى الأرض..
لم تخلق بعد من تتحداني، ولكن لن نذهب بعيدًا قبل أن نبحث حولنا والأقرب هو مملكة الجنوب فمنهم من يرتحلون إلى مملكتنا للتسوق"
-"ولكن.."
حاول مقاطعته فهو يريد إخباره بأمر ليان ولكن على ما يبدو قد نسي أمرها تمامًا :
-"لا تقاطعني مأمون.. أريدك أن تبعث بأمهر وأقوي جنودنا وحراس القصر للبحث عنها، إن عاد بدونها مصيره القتل، كنت سأخبر إلياس بنفسي ولكن يبدو أنه سيحضر الاحتفال متأخرًا فأحضر لي الكاتب سأبعث له برسالة"
-"أمرك مولاي"
انحنى بطاعة وداخله يتنهد بصبر، فعلى الأميرة أن تنتظر ومن الأفضل لها ألا تقابله الآن فشياطين الإنس والجان تتراقص أمامه.
أتدرون عندما يمتزج الغضب مع الشراسة؟!
يكون الناتج ثأرًا شرسًا يطيح بالأخضر واليابس.
هكذا تشعر الآن!
مهمل.. لا مبالي.. لا يعلم شيئًا عن الذوق والاحترام!!
صفات نعتته بها بداخلها وهي جالسة بانتظاره!
تنهدت بغيظ لا تعرف للمرة التي لا تعرف عددها؟
فقد توقفت عن العد منذ فترة طويلة .. طويلة جدًا.
هي هنا منذ زمن ألا يحترمها لهذا الحد!!
يجعلها تنتظر كل تلك الفترة دون أن يرسل حتى أي حارس كي تذهب لجناحها!!
تمنت لو أنها أخبرت الوزير أنها ستصعد لجناحها لما كانت الآن في هذا الوضع السخيف.
داعب خيالها التمرد، ونهضت تخرج من الجناح نحو مضجعها ولم تلتفت إلى رد فعله عندما يأتي، ستجعله يعرف من تكون بل ويقف لها احترامًا فيما بعد.. ستجعل لها الأولوية هنا قبل أي شيئًا كان!
أوصلها مأمون لجناحها بعد محاولات إقناعها بالانتظار قليلًا وخلق الأعذار الواهية له والتي لم تلق صدى لديها.
دلفت تتأمل المكان..
جناح واسع جدًا يتوسطه فراش دائري كبير محاط بالستائر الزرقاء تهبط من الثريا الكريستالية المعلقة بالسقف ترسم شكل الزهرة..
يلتحق به شرفة كبيرة تفصلها عن الداخل ستائر بيضاء.. وكثير من الوسائد بمحيط الجناح وطاولة تزيينها بمرآة كبيرة في جانب الجناح.
كانت أروى قد انتهت من ترتيب أمتعتها، فاتجهت نحو المرآة تنزع وشاحها وتاجها محررة خصلاتها على طول ظهرها تنظر لانعكاسها ساخطة، مشتعلة!!
مجيئها هنا بالإجبار..
رفضها لكل ما يحدث وما ستراه..
مقابلتها مع الملكة رقية في بداية اليوم..
والآن إهماله لها!!
همست لنفسها من بين أسنانها :
-"يجعلني أنتظره كل هذا الوقت وكأنني لا شيء؟
إن كان نسي موعد قدومي ستكون مشكلة، أما لو كان يتذكر فهذه كارثة"
أغلقت عينيها تتنفس بعمق تبث الهدوء في نفسها وأكملت بوعيد شرس :
-"حسنًا أيها الملك، سأجعلك تدفع ثمن هذا"
قاطع سخطها وتبرمها صوت تعرفه من خلفها.. هاتفًا بنبرة تميل للسخرية :
-"ماذا؟
أتتحدثين مع نفسك؟"
التفتت ليرى الشرارات الغاضبة تنطلق من عينيها علم أنها ساخطة عليه لدرجة أنها لا تستطيع إخفاء غضبها فـ رقّ صوته لين :
-"آسف.. جعلتك تنتظرين لفترة طويلة، ولكنني نسيت حقًا في خضم أمور المملكة.. أرجو أن تسامحيني"
ابتسمت بتهكم وتقدمت خطوتين منه تضع كفيها فوق بعضهما أمامها تميل برأسها للجانب قليلًا :
-"ألا تظن أيها الملك أنك في خضم أمور مملكتك هذه تنسى أهم أمر وهو قدوم زوجتك المستقبلية وملكة المملكة عيبًا؟"
هزت رأسها استنكارًا ساخرًا وأولته ظهرها هاتفة بنبرة جادة لا تحمل جدالًا علم منها أنه غير مرحب به الآن ولا تريد رؤيته :
-"أنا متعبة من السفر.. فمعذرة منك أريد أن أرتاح"
خطت خطوة واحدة والثانية لم تكتمل بسبب جذبه لها يديرها إليه قابضًا على خصرها فاصطدمت بصدره شاهقة بدهشة!
تلاقت الأعين وامتزجت النظرات لكن انقلبت الأدوار!
الغضب سلاحها والرفق درعه!
سهام وعيدها تلاقها بحائط هدوئه!
وجهه على بعد إنش منها هامسًا بأنفاسه الحارة على صفحة وجهها كأنه يرضيها لكن يشوبها المكر الخفي :
-"لا تغضبي، وجهك يحتقن بالدماء فيمتزج بياضه بالاحمرار وتشتعل غصون الزيتون في مقلتيك، تجعلك وجبة شهية لصائم مثلي مشتاق للآذان"
-"نيــار"
هتفت اسمه بزمجرة شرسة لم تتأثر بعبثه ومحاولته استمالتها فلم يهتم وضغط على خصرها يقربها منه أكثر رافعًا كفه يعيد خصلاتها خلف أذنها ثم هبط على وجنتها بظاهره يلتمس نعومته هامسًا :
-"لم يجرؤ أحد من قبل على مناداة اسمي مجردًا، حتى أبي وأمي يسبقونه بالملك"
هذه المرة هي من ألصقت نفسها به تغوص بنظراتها في عينيه، فاصطدمت قوتهما واندلعت شرارة التحدي :
-"لكنني لست أي أحدًا نيار"
رسم ابتسامة عبثية على جانب ثغره أظهرت إعجابه الشديد بها وبقوتها، منجذب لهالتها رغمًا عنه وأومأ مؤكدًا :
-"نعم أنتِ لستِ أي أحدًا ليان"
أنهى حديثه برفع كفها إلى شفتيه يقبلها برقة فهدأ الاشتعال بداخلها قليلًا :
-"هل تقبل جميلتي بقبول عذري، حقًا هذه الأيام شاقة"
تنفست بعمق وأومأت عدة مرات تجيبه بصوت هاديء رزين :
-"لا بأس.. أرجو أن يكون كل شيء بخير!"
-"نعم كل شيء على ما يرام"
رحب بها وجلسا يتناولان شرابًا باردًا يزيح من الشحنات السلبية حولهما وإرهاق سفرها، أرادت أن تقطع الصمت بينهما، أرادت اكتشاف شخصيته، فالمرء مخبأه أسفل لسانه :
-"نيار"
- "نعم ليان"
رد عليها يحول ببصره إليها.. عاشق جمالها الهادئ المريح للنظر.
-"هل يجب أن يقام هذا الاحتفال والجواري وما إلى ذلك!"
وقبل أن تكمل شرح وجهة نظرها قاطعها بصوت لا يحمل مجالًا للجدل :
-"نعم.. يجب أن يقام فهو تقليد من تقاليد المملكة"
حاولت أن تلينه من هذا الاتجاه، ولكنه قطع عليها محاولتها علمت أن النقاش بهذا الموضوع منتهي.
زفرت بحنق فهي لن تنال غايتها.
صمتت قليلًا حتى جاء بعقلها أخوه إلياس، فهي لم تره إلى الآن بالقصر ولا بخطبتها.
لكن قبل أن تسأله استأذن الحارس ينحني احترامًا وأخبره أن ما أمر به للاحتفال قد تم ليأتي ويشرف عليه بنفسه..
فاستأذن منها ليذهب وتركها في فجوة أفكارها غارقة.
★★★★
لا يوجد العمران حيث لا يعدل السلطان
فيوم العدل على الظالم
أشد من يوم الجور على المظلوم
وبين الظلم الظاهر والعدل الخفي
خيط رفيع لا يراه إلا أهل القلوب.
شعاره الدائم
"الحق قبل كل شيء حتى لو خسر ملكه"
فكان أول شيء فعله بعد عودته هو الإتيان بذلك الجندي.
جثى أمامه على ركبتيه في الساحة الواسعة بحضور عدد كبير من الرعية، كان الرجل مندهشًا من مثوله بهذا الشكل فلم يأتِ بذهنه أن يصل ما فعله للملك!
رآه يقف بهيبته يضع يده اليسرى خلف ظهره والأخرى بجانبه، يرتدي زي ملكي باللون السكري، أسفله بنطال ضيق، وعمامة كتانية يزينها حجر ياقوتي عسلي.
صدح صوته الجوهري الأجش يدور بنظره على وجوه شعبه :
-"لأكثر من خمسة أعوام وأنا أحاول أن أحكم بالعدل..
أحافظ على أعراض النساء والفتيات
فمن لا يتق الله في رعيته فلا خير له في دينه ودنياه"
ثم حول نظره إلى جنديه واقترب منه يكمل بشراسة وسواد عينيه ازداد قتامة :
-"لكن من يحلل لنفسه حرمات الله ويعتدي على فتاة من مملكتي، مفتخرًا بأنه أحد جنودي فأنا منه بريء"
توسعت عيني الرجل بصدمة من معرفته، وتراجع بجسده للخلف يتلجلج بصوت متقطع :
-"كيف.. كيف علمت مولاي؟!"
ابتسم إلياس ابتسامة جانبية بمكر لكن نظراته امتلأت بالعنفوان :
-"لحظك العسير أن من قابلته في الغابة كان أنا"
راقب صدمته وذهوله
أنفاسه اللاهثة وجسده الذي انتفض رعبًا وقلقًا من مصيره الذي تيقنه..
قرأ في عينيه أنه سيقوم بالاعتذار والتوسل، فالتفت بجسده يقر بصوت أعلى يصل لمسامع الكل بأنه سحب منه رتبته من الجيش، وفي أقرب وقت يخرج من المملكة بأكملها.
اندهش جاد من قراره، ظنه سيقوم بسجنه على الأقل، لكن إقالته من وظيفته وطرده يعتبر عقوبة بسيطة عما فعله بالنسبة لشخصية صديقه.
صدح هتاف الجميع بإطالة عمره وحمايته لهم، فحيّاهم قبل أن يدخل القصر بجانبه جاد الذي قال بمواربة :
-"خِلتك ستقتله أو تسجنه"
ابتسم يتابع سيره دون النظر له قائلًا بتلاعب محبب:
-"وأنا خِلتك أذكى جاد"
ثم أولاه اهتمامه ناظرًا إليه :
-"لم أفعل ذلك من فراغ بل ترفقت بوالدته وزوجته وأولاده..
لولاهم لكان في عداد الموتى بالفعل"
قطع حديثهما قدوم خديجة من بعيد برداءها الأزرق الحريري ترتدي وشاحًا مثبتًا في تاجها الماسي تغطي ما ظهر من صدرها، يهبط حتى كاحلها.
اقتربت على ملامحها الامتعاض، فضيّق إلياس عينيه قليلًا بحذر وانحنى جاد باحترام قبل أن يستأذن للانصراف وتركهما ينظران لبعضهما.
ارتفع حاجبي إلياس وهو يرى اندفاع سؤالها له :
-"أين كنت طوال هذه الأيام إلياس؟
حتى جاد كان مختفيًا"
- "وها قد عدت خديجة، عمل مهم كان علينا إنجازه"
أجابها ببرود ثم اقترب منها هامسًا بمكر ساخر يشملها بنظراته من أسفل لأعلى :
-"لا تخبريني أنكِ اشتقتِ إليّ أيتها الأميرة"
كادت أن تضعف من همسه الذي يشعلها عشقًا له لكنها جمعت ربطة جأشها :
-"منذ متى وأنت تتهاون في عقاب أحد؟
لمَ لم تقمْ بقطع رأس هذا الجندي؟"
هنا تحولت عيناه للغضب، ووجهه للاحتقان.
فأشد ما يكرهه أن يتدخل أحد في شئون حكمه، ليقول من بين أسنانه وقبضته تشتد على رسغها :
-"هذه آخر مرة تتدخلين فيما لا يعنيكِ.. أفهمتِ؟
ما أفعله لا شأن لكِ به"
نظر لها من علو وعاد لبروده الذي تكرهه به، وعادت ابتسامته مرة أخرى كأن لم يحل الغضب عليه للحظة :
-"سأترك لكِ أمور ترتيب السفر لمملكة الشمال.. سنسافر بعد غد بإذن الله بعد شروق الشمس"
ثم مد كفه لها مرة أخرى بعد أن كان تركها :
-"والآن.. هل لي أن أنفرد بكِ بعض الوقت؟"
ابتسمت ببلاهة وجذل تضع كفها فوق كفه لتسير بجانبه رافعة رأسها بشموخ.
★★★★
الخيانة ثعبان خفي في مزرعة القلوب
يتسلل بخفة وغموض نحو فريسته
يأخذ من الحقد طعامًا ومن الكره شرابًا!
ينتظر ويصبر حتى لو مرت سنوات
وعندما تحين اللحظة المناسبة
يلدغ بقوة يبخ سمه في شرايين الجسد
ينشر السواد في القلب ، ويحيل الدماء لسم
وتدفن الروح في مقبرة اللاعودة.
تجلس الثلاث فتيات في منزل عائشة يساعدانها في تجهيز ثيابها..
مارية ووالدتها تفرزان الأقمشة، وسارية وعائشة تقومان بالخياطة.
حالت والدة عائشة نظرها في الأرجاء تبحث عن شيء ما سائلة :
-"أين فتون يا فتيات؟
لماذا لم تأتِ؟"
نظرت سارية وعائشة لبعضهن بصمت ثم إليها ترفعن أكتفاهن بلا معرفة وقالت الأخيرة :
-"لا أعلم أمي، أخبرتها أننا نقضي النهار سويًا فقالت أنها ستأتي"
لم تكد تنهي جملتها حتى استدرن جميعهن نحو الباب على صوت فتون التي تقف متخصرة بيد واحدة وتستند بالأخرى على حافته :
-"صباح الخير"
هتفت مارية بسخرية تلوي فمها بتهكم تتأمل قطعة قماش حمراء :
-"اذكري الله يا خالتي"
رمقتها الخالة بلوم كي تصمت، تعلم أنها لا تستطيع كبح لجام لسانها ثم نظرت إلى فتون مربتة على المكان جانبها :
-"تعالي حبيبتي أجلسي"
قذفت مارية قطعة القماش لها بعد جلوسها فاصطدمت بوجهها اتبعتها بالخيط هاتفة بأمر مثير للحنق ونبرة ساخرة :
-"قومي بتطريز هذه برسومات جميلة أيتها المبدعة"
كتمت الفتاتان ضحكاتهن بصعوبة، لتهتف فتون باستنكار يخفي خبثًا :
-"لا أعلم كيف لليد التي تحمل السيف والسهام، تمسك خيطًا وتطرز الأقمشة"
-"فــتون"
صدح صوت عائشة بقوة لتتوقف عندما فطنت أن حديثها إثارة غيظ لسارية..
لكن الأخيرة قالت بهدوء مغلف بسخرية دون رفع نظرها عما بيدها :
-"معكِ حق عزيزتي، فكل يد آهلة لما خُلقت له"
في ذلك الحين وصل الجندي الموكل من نيار إلى مشارف مملكة الجنوب، وجد جنود الحدود قابعين يحرسونها، استقبله القائد وعلم منه أنه أتى ببرقية للملك، فأمر أحد الجنود أن يذهب معه لإيصاله القصر.
سارا في طريقهما وسط الغابة، وكان الغروب قد اقترب فاقترح عليه أن يضيفه في المملكة حتى الصباح، لينطلقا إلى إحدى الحانات الكبيرة والمليئة بالشراب والغانيات.
كانت فتون من ضمن اللاتي يعملن في الحانة، فتقدمت منهما وجلست بجانب جندي الحدود الذي قال لها :
-"مرحبًا يا فاتنة.. رحبي بضيفنا من مملكة الشمال"
نظرت له بإغواء وانحنت بجسدها أمامه هامسة بدلال :
-"مرحبًا بك سيدي لقد ازدادت المملكة شرفًا بحضورك"
كاد أن يأكل مفاتنها بعينيه فابتسمت بمكر تسمع من بجانبها :
-"أظن أنه يستحق مضايفة غالية"
اتسعت ابتسامتها أكثر واستقامت تبدأ الرقص باحترافية وغنج.
تتمايل بجسدها إليه حتى يلامس شعرها قدمه ثم تستقيم، تصنع انحناءات متمكنة بخصرها تلتفت حوله ، ممسكة بيدها منديل حرير تحركه أمام نظره، ثم أنهت رقصتها جالسة بجانبه بابتسامة مغوية ليصفق جميع من في الحانة على هذا العرض الرائع.
تركهم جندي الحدود عندما جاءت فتاة وأخذته، سألته عما هو قادم من أجله فأخبرها أنه قادم ببرقية من الملك نيار.
سيطر فضولها عليها فحاولت أن تستشف أكثر عن أمرها فأخبرها :
-"لا أعلم ولكن أظن أنها بخصوص تلك الفتاة التي هاجمت الجندي في السوق منذ شهر تقريبًا"
عقدت حاجبيها بدهشة وسألت :
-"أية فتاة؟!"
رفع كتفيه بعدم المعرفة وتجرع بقية كأسه :
-"لم أرها ولكن صديقي الذي هاجمته قال أنها فتاة ذات جمال صارخ..
خصلات نارية يميزها لون عيناها الأخضر والأزرق"
توسعت عيناها بقوة لينير في عقلها اسم سارية.. الوحيدة التي تمتلك هذه المواصفات بل وكانت في هذه الفترة في مملكة الشمال مع عائشة، فاستنتجت أنها الفتاة التي يبحث عنها الملك.
الجميع يعلم من هو خاصةً عندما يتعلق الأمر بجنوده وحاشيته، فمالت عليه بمكر أنثى تريد التشفي بغريمتها:
-"أعرف الفتاة التي تبحث عنها"
نظر لها بلهفة :
-"حقًا.. أين هي؟"
رفعت حاجب واحد بخبث وقالت :
-"لكنك لن تستطيع أخذها بسهولة، فكما ترى ماذا فعلت بصديقك على مرأى ومسمع من الجميع!
لكن لدي خطة إذا وافقتني عليها ستذهب بقدمها إلى ملكك، بل وسيكافئك على هذا"
التمعت عيني الجندي بجشع وشرع يستمع إلى ما تقوله، وعينيه تزداد لمعتها بإثارة وابتسامته تزداد:
-"ما أخبثكن أيتها النساء!"
★★★★★
ليس الذنب ذنبه ولا ذنبها
بل ذنب الذي سكب النفاق والخديعة في النهر
ليشرب منه الصادق والكاذب
فأصبح من الصعب التفريق بينهما
والضحية كانت من فنى عمره في سبيل العدل والصدق
فماذا يفعل ذو مروءة بين أهل الخداع في أرض النفاق؟!
مر يومان كانت سارية تجلس بجانب عائشة تقومان بغزل أطباق من البوص والقش قبل أن ترفع رأسها عما هي منهمكة فيه والتفتت لعائشة تسألها :
-"أتعلمين شيئًا عن مارية؟
لم أرها منذ أول أمس وهذه ليست عادتها!"
رفعت أكتافها بعدم معرفة تمط شفتيها للأمام وقالت :
-"أنا أيضًا لم أرها منذ هذا الوقت"
فوضعت ما بيدها ووقفت هاتفة :
-"هيا بنا لنذهب ونراها.. سأقطع رقبتها على اختفائها"
ضحكت سارية ومضت ذاهبة برفقتها إلى بيتها، وهناك علمت أنها كانت ذاهبة للمملكة لشراء بعض الأشياء ولم تعد منذ حينها ليصلهم خبر أن الملك إلياس أخذها من ضمن مجموعة الفتيات اللاتي سترافقنه أثناء سفره إلى مملكة الشمال لحضور الاحتفال.
ارتدت سارية للخلف من الصدمة التي تلقتها للتو..
ماذا حدث؟
كيف يمكن أن يأخذوها؟
لا هم لم يأخذوها بل قاموا باختطافها!
جاء بدر الدين فهو كان على علم بالأمر لكنه لم يخبر ابنته حتى يرى ما حدث.
يشعر أن هناك شيئًا خاطئًا لا يعلم ما هو؟!
إلياس ليس من يختطف الفتيات.
المملكة كلها علمت ما فعله مع الجندي الذي تعدى على الفتاة في الغابة ليتأكد حينها أن من أنقذ ابنته ومن كان برفقة جاد هو إلياس.
لا يعلم لمَ يشعر أن ما فعلته ابنته في مملكة الشمال السبب!
يشعر أن نيار خلف كل ذلك!
كاد أن يتحدث لكن سبقته ابنته بما كان سيقوله :
-"سأذهب إلى المملكة"
ثم نظرت إلى والدها بتعابير إصرار لم يره بها من قبل وأكملت :
-"حان وقت العودة يا أبي، أعلم أنه يريدني أنا بعد ما حدث، لكن لا ذنب لمارية في كل ما يحدث"
أومأ يجذبها لأحضانه وهمس يحاول أن يهدأ ارتجافها يمسد فوق خصلاتها مقبلًا أعلى رأسها :
-"اهدأي صغيرتي.. سنعود من المؤكد سنعود"

أنت تقرأ
سارية في البلاط الملكي "كاملة"
Historical Fictionملحمة بدأت بموت وبالنهاية.. اندلع بها العشق ❤