مقدمة

2K 115 47
                                    


كنت لا أزال في الثالثة عشرة عندما جئنا إلى اليابان، جل معرفتي بهذا البلد كانت حكايا والدي عن طفولته التي قضاها في منزل والده - جدي - السياسي المعروف ولذلك لم أكن أعرف الكثير عن هذا البلد.

ربما كان ذلك أحد أسباب تعرضي للتنمر وقتها، فرغم كوني أتقن اليابانية لأن والدي قام بتعليمي إياها منذ الصغر إلا أنني كنت مختلفة تمامًا عن بقية الأطفال، فلا شكلي، ثقافتي ولا إسمي يشبههم.

كفتاة مختلطة الأعراق من الجيل الثاني كان شكلي مختلفًا حتى عن والداي. سمراء البشرة، بنية الشعر، عينان بلون أخضر داكن لا يظهر إلا تحت الشمس وبنية جسدية قوية وطول كان واضحًا عندما وقفت أمام طلاب صفي في أول يوم بعد أن عرفت عن نفسي.

رايفن موري، إبنة الدبلوماسي الياباني العائد من بعثة طويلة من جنوب أفريقيا استمرت منذ ذهابه للدراسة الماجستير والدكتوراه في جامعة كيب تاون بمنحة مقدمة السفارة اليابانية هناك، ليلتقي خلال دراسته شابة نصف فرنسية وبريطانية تعيش في جنوب أفريقيا منذ نعومة أظفارها ويقعا في الحب وأكون أنا ناتج ذلك الحب الغريب.

سيرة حياتي جذبت إهتمام بعض زملائي وقتها كما ستفعل مع أي شخص لكن الإهتمام سرعان ما زال، وكأطفال في عمرهم كان تواجد شخص مختلف يمثل معضلة في كيفية تعاملهم معه. بعضهم كان متعقلًا وأكبر من عمره وعاملني كبقية الزملاء، والبعض الآخر تجاهلني كأنني غير موجودة، وهناك تلك الأقلية التي كانت تبحث عن متعة جديدة فاتخذت من شكلي هدفًا لها.

كان هو من بدأ كل شيء، حرفيًا، أذكر أول لقب أطلقه علي هو وأصدقائه وبعض الفتيات اللاتي كن يغرن مني لأسباب كانت مجهولة لي في ذلك الوقت، كان اللقب هو غوريلا.. أضحكني أول مرة سمعته إذ لم يكن هناك أي إبداع في إختيارهم للقب وربما بسبب ردة فعلي تلك حاولوا تغيير الألقاب التي يطلقونها عليّ كل فترة عل أحدها ينجح في إعطائهم ردة فعل ترضيهم مني.

ما كانوا يفعلونه كان سيئًا، ولو كنت فتاة عادية كنت لأتأثر كثيرًا، لا أنكر أنني تأثرت في بضع مرات هنا وهناك. عندما أجد دفاتري مبتلة، أو يختفي حذائي أو عندما يتدافعني الأولاد أثناء جريهم في الممرات فيتظاهر أحدهم بأنه قد سقط وكسرت كتفه بعد أن اصطدم بي أنا الغوريلا.

لكن في العادة ما كانت لأتأثر كثيرًا فلقد قضيت طفولتي مع جدَيّ، جدي كان بريطانيًا داكن البشرة خدم في الجيش لوقت طويل قبل أن يلتقي جدتي الممرضة الفرنسية الشابة في كيب تاون والتي كانت تصغره بسبعة عشرة سنة وتزوجها، لم تكن حياتهما سهلة تمامًا فهما قد تلقيا رفضًا في ساليزبوري موطن جدي وفي مارسيليا موطن جدتي لذلك قررا الاستقرار في كيب تاون وتربيه والدتي هناك.

كل تجاربهما تلك تعلمت عنها الكثير في طفولتي، والبيئة التي عشت فيها والتي كانت قد عاشرت التمييز العنصري لعقود طويلة من قبل، جميعها قد أكسبتني خبرة في التعامل مع هكذا أشياء، لهذا تنمر بضعة أطفال يابانيين ما كان ليؤثر فيّ كثيرًا.

الرهـانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن