ليس مُضحكاً

231 39 28
                                    

من أكثر الأفعال التي تبعث فيّ الاستنكار واستهجان عقلية أصحابها هي قضية المقالب المنتشرة في كل مكان، وكأنها إحدى أساسيات الترفيه والرقي البشري في هذا العصر

لنأخذ اليوتيوب كمثال، المقالب هناك ترتدي جميع الأثواب التي يمكن للأفكار التافهة، المؤذية، الغير منطقية حياكتها، ذاك يصنع مقلباً لأمه؛ فيبكيها، وآخر في إخوته فيؤذيهم، وتلك في صديقتها؛ فتفجعها

الأمر وصل إلى الأطفال...! يتم وضعهم داخل خانة المقالب دون أن يدركوا معنى اللفظ أصلاً

بجدية، حتى الجمهور _إلا من رحم ربي_ سقط في هذا الوحل، فكيف يمكنه الضحك واعتبار المقاطع من هذا النوع مسلية..؟ أنبحث عن صديقٍ يقدرنا ونقدر أصدقائنا ثم نقهقه على وجع صديقٍ من مقلب صديقه الغبي...! أأصبحنا نملك مشاعر منفصمة.. ؟

كيف نضحك على دموع أحدهم وكلماته الصادقة وقت الصدمة...؟ كيف نأكل المسليات ونحن نرى مقلباً يفضح جزع أحدهم، شتات روحه، ارتجافة جسده على خبرٍ كاذبٍ وصله..؟
عذراً، أي قرفٍ روحيٍ هذا..!

أصبح الأمر تجارة مشاعر رسمية لكن بشكلٍ قانوني في شرع أبصارنا

ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يكون الأب أمان أسرته ها هو يكسب التشجيع من مقلبٍ يُسخف فيه من مشاعر زوجته وأطفاله معرضاً إياهم للخطر الجسدي أو النفسي

وحين كان المفترض أن الأم خطٌ أحمر أصبحت في عُرف المقالب مجرد مادة قابلة لنيل المشاهدات باستفزاز دموعها عن أي موضوعٍ كان

وحين كان المنطقي أن يراعي الوالدان التنشئة السوية لطفلهما ويحتوياه إذا ما أبكاه أحد ها هو الحال هنا بجعله تحت تجربة ردة الفعل، بقهر برائته وفعل أي شيئ مقابل ماء عينه المتألمة...!

والأدهى من ذلك والأشد انحطاطاً هو مُطالبة الشخص بنسيان الألم الحقيقي الذي عاشه خلال هذه التجربة في اللحظة الذي يعرف فيها أن ما مضى لم يكون سوى مقلباً، ثم يتم نهره إذا لم يتماشى مع الأمر وتناسيه ويتم وصفه بالمعقد والنكدي، «يلا عاد كان مقلب بس، تزودهاش ومشيها! يا الله ما أنكدك»

برب الوتين..! هل الوجع مُجرد غبار يتم نفضه في لحظات... ؟ هل لأن الأمر لم يكن صادقاً يجعل ألم تجربة احتمال وقوعه لا شيئ...؟ الخوف هو الخوف سواء أكان الموقف حقيقياً أما لا، فلم يتم التواقح بسلب حق الشخص بالاعتراض وإيجاب التبسم عليه ليظهر أن كل شيئٍ بخير..؟ لا أبداً الأمر ليس بخير

فإن تعرض أحدهم لمحاولة اختطافٍ حقيقية أو مقلب اختطاف فالخوف والرعب ومشاعر التجربة ذاتها، لكن الأمر وصل بنا حد أن اهترأت مشاعرنا فبتنا نتماشى مع الأمر وكأنه هو المفترض؛ فنبتسم وننسى الأمر حين نعرف أنه مقلب وكأن شيئاً لم يكن؛ حتى لا نُوصف بالمتعصبين، مع أن الطبيعي أن نبكي بعدها ونثور على من هانت عليهم مشاعرنا ونغضب ممن جعل شعورنا تافهاً حد جعله عرضاً للمرح

ثم ما يزيد الطين بحراً هو ادعاء «اليوتيوبرز» أن المتابعين هم من طلبوا منه تنفيذ هذا المقلب لذا ليس من حق الضحية أن يغضب منه، المشكلة في أنهم يقولونها بكل ثقة وقناعة وكأنهم أصبحوا عبيداً للجماهير، فإن طُلب منه إيذاء عزيزٍ عليه وتعريضه لموقف محرجٍ حساس فهو كالمنوم سيفعل دون تفكير

بالنهاية، فإن المقلب مجرد كذبٍ قاسٍ وقح، وإن أقنعتم عقولكم أنها دعابةٌ وتسلية للمرح هذا لن يغير من حقيقتها شيئاً

°°°
💜

خارجٌ عن السطرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن