في غمرة زحام التطور التكنولوجي وعصر السرعة البرمجية وزحام المُخترعات، يسهل خداعنا، بل نحن من يخدعنا...
نظن أننا متطورون لكن هل هذا صحيح..؟ أشك في ذلك وأظن عكسه
حين أقارن بين حالنا الآن وحال من نقرأ عن سيرهم من السابقين، أتأكد من هذا
نحن نعيش كذبة عميقة، مغلفة بالزينة البراقة
نحن نملك ثلاجة، غسالة، سيارة، حاسوب، أجهزة خلوية، انترنت، ريبوتات ووو
لكن هذا لا يدل على أننا تطورنا كذات، بل على أننا نحظى بجمادات متطورة
فالإنسان الذي كان يُنظف ثيابه في إناء أصبح في عصرنا يُنظفها في جهازٍ ذكي يسمى غسالة، تغير الجماد وتطور
وبدل أن يتنقل على جملٍ أو عربة يجرها حصان، أصبح يتحرك في طائرة، الجماد ثانيةً
وعوض عن أن يستقي معلوماته من كتب المكتبات، أمسى يجمعها بنقرة إصبع من محرك بحث، إنه تغيرٌ في الجماد كذلك
وهكذا
لكن كأشخاص، أميل لكوننا أكثر رجعيةٍ، كسل، غباء، بلاهة من من سبقونا _ليست شتائم إنما أوصاف.._
فهم كانوا يتمتعون بمهارات جسدية تمكنهم من التغلب على بدائة الادوات، كالخياطة اليدوية، تحضير الطعام، الخط، الرماية، إشعال النار، الزراعة ووو
ومهارات نفسية حقيقية كالصبر والقدرة على التعبير عن الذات والحوار والاحترام والشجاعة والذكاء اللغوي والاجتماعي والإصغاء ووو
بينما اليوم، نفى تواجد الأجهزة الذكية حاجتنا لإتقان الكثير من المهارات الجسدية الحياتية،
كأمثلة|كم شخص منا الأن:
°يُتقن تحضير الطعام الآدمي؟ في الواقع ليس أغلبنا، لماذا؟ لأن هناك (الدلفري) وإن اضطررنا فهناك (الإندومي) فلم نتعلم..؟
°يعرف كيف يركب زر قميص ويخيطه إن سقط بإتقان؟ يبدو هذا مُضحكاً، مصانع الملابس كثيرة ومحالها في كل مكان، فلم نتعلم..؟
°يُشعل ناراً من أبسط الموجودات ويُرتب الحطب بالطريقة الصحيحة؟ لماذا؟ هناك ولاعات وأفران ومواقد والأهم (الميكروويف)!
°يصبر على متابعة محاضرة مرئية لساعة واثنتان بكل هدوء نفسي وإصغاء وفهم وراحة ويسجل ويكتب المفيد منها؟ ماذا! هذا ممل جداً، بالكاد نحتمل ال٤٥ دقيقة في الحصة المدرسية ونقضيها بالحركة والعبث بالدفاتر والأقلام...
°يطيق قراءة الكتب واستخراج بحث مُتقن من بطونها عن فهم ودراية؟ لا بالطبع هذا معقد ويحتاج وقتاً وعقلاً وجهد، هناك (جوجل)...
أرأيتم، مجرد أشياء بسيطة كانت من البديهيات في السابق، الأن نحن نفشل فيها بجدارة ...
واختزل العالم الافتراضي الكثير من مهاراتنا النفسية، فنحن نقضي في سرابه أغلب يومنا بالتالي أكثر سنواتنا
كأمثلة|°في الماضي كان الناس يتعاملون ويتبايعون ويتحاورون وتُشرق عليهم الشمس وتغرب وهم يسيرون في هذه الحياة ويضحك الكثير منهم ويحب حياته وخرج لنا الكثير من العلماء والفلاسفة والفرسان والقادة ووو
لكن اليوم، أطفالنا ومراهقينا عوضاً عن شباباً أرواحهم شاخت، منشورات الكئابة في كل مكان، التفكير ومحاولات الانتحار أضحت أخبار معتادة،
لا يملك أغلبنا الحد الأدنى من المناعة النفسية، فإذا ما حادثنا أحد بغير ما نظن نطلق عليه (بلوك) ونرتاح، نحن نكذب لأن هذا في أغلب الحالات هرب وليس راحة، هذه هشاشة وضعف نفسي، لا نستطيع ببساطة قول لا أو التفاهم أو فهم الاختلاف أو حتى اتخاذ قرار الابتعاد عن ما يؤذينا بأنفسنا، بل نحتاج لأدوات
بتنا اليوم نتابع كل الأخبار بذات النفسية بضغطة زر، منشور عزاء أسفله منشور تهنئة بميلاد ثم يليه منشور بالقبض على مجرم والرابع بموهبة رسم
ونحن فقط نتنقل بذات النظرة والشعور، لا حزن مع المُحزن ولا فرح مع المُفرح، أصبحت مشاعرنا مشوهة ممسوخةلا نطيق الإصغاء لأحد جاد بل لا نستطيع، اعتدنا المقاطع السريعة المليئة بالتفاهة والمؤثرات، يمكن لأي فصيح لسان ماهر في المُنتاج أن يتلاعب بعقل وقناعات أغلبنا، أهداف معظمنا لا ترقى لمسمى هدف، نظن أننا نعرف ونفهم ولو وقف يحاور أغلبنا شخص بعُشر فهم واطلاع وعلم وحفظ الأقدمين لما استطعنا تحريك ألسنتنا ولما وجدنا جواباً لأن جوجل لا يستطيع الحوار
أغلبنا مُستعبد لوسائل التواصل الاجتماعي، فما إن ينقطع التيار الكهربائي بفعل عاصفة ثلجية أو تغير مناخي فراقبوا امتلاء العيادات النفسية وأخبار محاولات الانتحار الناجحة والفاشلة، فعلياً أغلبنا يتنفس الوهم
_كلامي ليس عن شعب أو دولة بل العالم أجمع_
أين هو تطورنا إذاً؟
وقبل أن تظنوا أن قدرتكم على استخدام الجهاز الذي بين أيديكم الآن بكل سهولة_والذي ما هو إلا مُحاكاة لا تحتاج لذكاء أو مهارة خاصة_تطور وعبقرية
هل تستطيعون
تشكيل ثعلب من ورقة؟
طائرة من ألعاب الليغو؟
زراعة والاعتناء بزهرة ياسمين؟
التعامل وإقناع طفل عنيد؟
إعطاء مقدمة عن ذاتك بشكل غير تقليدي؟
قراءة نص بلا أخطاء نحوية ونبرة مُعبرة؟
قضاء أسبوع بلا إنترنت؟
ممارسة التمارين الرياضية اليومية بلا تعب؟
ووفي النهاية، أظن أننا لسنا متطورون، بل نعيش وهم التطور، كل ما حولنا يزداد تقدماً ونحن كبشر في طريقنا إلى الخلف_إلا من رحم ربي_
وإن صاغ الإعلام نظرتنا لذاتنا بعكس ذلك، فيسهل اكتشاف أنه يكذب، كعادته...
°°°
أنت تقرأ
خارجٌ عن السطر
Spiritualوحين غدت سطور القطيع «قيداً» مُغطىً بالسكر، اخترنا مذاق الحُرية اللاذع _الكتاب| خواطر فكرية شخصية_