العمر عمر، لا شخص ٢

85 22 19
                                    

لكن كمسلمة، أنا أعرف أنني مخلوقة لهدف بالفعل «طاعة الله وتعمير الأرض» أما العلاقات الإنسانية «الأمومة، الأبوة، الصداقة، المحبة...» فهي نعمة إلهية كأداة معاونة في رحلة الحياة لتحقيق هذا الهدف، لأن الإنسان فُطر على الأُنس بالآخرين

فكيف يعقل أن تتحول هذه الأداة إلى هدف بذاتها؟

أعني تطبيقاً على المثال السابق، نحن لسنا مخلوقون بالأساس لنحصل على صديق كما توحي بعض القصص والروايات والقصائد ونواح الكثير من المنشورات، بل ربما حظينا به في طريقنا لإتقان الهدف الأعظم وربما لا، لا أكثر

هو نعمة، لا أكسجين ورئة...

فكيف بعد هذا الترتيب يمكن احتساب العلاقات التي تؤدي بأصحابها للإنهيار أو الإنتحار أو الاكتئاب أو الجنون أو كره الحياة وتوقفها إذا زال طرف منها كعلاقات عميقة وجميلة ووفية وعظيمة؟..

المشكلة أن التاريخ والأدب مليئ بأمثال هؤلاء ممن يتم تدريس قصصهم والاحتفاء بهم وجعلهم يبرقون ويخلدون في ذاكرتنا، للاشيئ..

أظن أن بعض الأسماء مرت على ذهنكم، منهم شعراء وفرسان وملحمات روائية وو ...؛-؛

لا أفهم، كيف يُوصف من سّخروا أنفسهم، حياتهم، طاقتهم، أيامهم، وجميع الأنفاس الي منحوها على هذه الأرض لمجرد علاقة فقط، بالعُظماء والأوفياء بدل المستهترون ذو التفكير القاصر..؟

أفهم الحس الرهيف ورقة الشعور ورفق الأفئدة.. لكن هذا لا يشبه تلك الصفات بل هو كتوأمٍ لتسخيف النفس أقرب

كالأم التي تُجن بعد وفاة طفلها، الفتاة التي تنتحر بعد ذهاب خطيبها، الصديق الذي يكتئب ويكره الايام وينطوي بعد انفصاله عن صديقه وو..، هل هم خُلقوا لأجل هؤلاء حقاً ليفعلوا بأنفسهم هكذا؟ هل هذه مشاعر جميلة أم أنها سقف السذاجة..؟

هم سيحاسبون عن كل لحظة في حياتهم، ماذا سيقولون؟

والله يا رب فلان ذهب؛ فتدمرت أنا، هلّا تكلمت معه وحاسبته عني؟؛-؛

هل يفهم من يلخصون الحياة في إنسان حقيقة ما يفعلون، أم أنهم مغيبون مخدوعون يظنون أنهم يحسنون صنعا...؟

أعتقد هم يظنون أنهم يوضحون بهذا معزة ذاك الشخص عندهم، لكن في الواقع هم يُظهرون كم أن حياتهم، شخصياتهم لا تملك قيمة، فارغة، باهتة، هي ببساطة لا شيئ

المشكلة الكبرى ليست هنا، إنما حين تُغلف هذه الفكرة الغير صحيحة بكلمات مرهفة كـ «الوفاء، الصداقة القوية، المحبة، الود، مشاعر حساسة..» ثم توضع  في قوالب روايات، أغاني، أمثال، أفلام، مسلسلات، ليتم النظر إليها وكأنها صفات جميلة وأخلاق نبيلة ...

بل ومُسلَمات بديهية

لكن أليس لنا الحق بإعادة النظر..؟

الحياة ليست بهذه التفاهة، المشاعر ليست بهذا التعريف الساذج، العمر ليس بخساً هكذا

نحن بالفعل نملك حياةً أخرى علينا تعميرها من هنا، لذا من الغباء أن نضيع هذه الحياة لأجل شخص فتضيع علينا الحياة الأبدية أيضاً...

«ونطلع من المولد بلا حمص...»

...

كنت أقتنع بهذه الفكرة منذ زمن لكن فقط لم أكن أعرف كيف يمكنني التعبير عنها وهي تُخالف أغلب ما يحيطني من تفكير وأشخاص والأدب الذي ندرسه في المدارس وما تحويه جوف الروايات..، والأهم أنني لم أكن أملك مصدر أو دليل يخبرني أن تفكيري هكذا صحيح، كان لدي كما دائماً احتمال أنها مجرد فكرة خاطئة...

حتى تعرفت قبل عدة أشهر على رأي علم النفس في هذه السمات من العلاقات (الإكتئاب أو الانتحار أو الخواء والانطفاء أو الجنون أو كره الحياة والشعور بالفراغ لغياب شخص وفقدان نكهة التفاصيل بعده) وعرفت أنه تُصنف كاعتلالات نفسية وليست صفات جميلة طبيعية كما يُصدر لنا،

إذ يُطلق عليها «التعلق المرضي» وتحتاج علاجاً نفسياً وإعادة تأهيل أفكار وقواعد

بعدها، ارتاحت قناعتي... وارتحت أنا؛-؛

°°°
💜

خارجٌ عن السطرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن