أتسائل، كيف يمكن أن تمنح معرفة الناس فقط لشخصٍ وسام النجاح..؟
أعني، لنتخيل شخصاً يعيش وسط مدينة، يعرفه نصف سكانها واقعياً، هل يجعله هذا شخصاً ناجحاً في الحياة..؟
أبداً، هذا ليس سبباً، أن يعرفك الكثيرون لا يقدم ولا يؤخر من كونك ناجح في حياتك أم أنك لا شيئ
لكن مع مواقع التواصل الاجتماعي، هذا المنطق تم تحنيطه في المتاحف
فقد بات النجاح يُقاس بعدد من يعرفك، بغض النظر عن أخلاقك، علمك، ثقافتك، مواهبك، أفعالك الجيدة والمجالات التي تقدم فيها النفع، إنجازاتك الحقيقية في الحياة
إن كان لك مليون متابع، أنت ناجح
-ناجح لماذا؟
-أنت ناجح
-أجل أجل، لكن ناجح لماذا؟
-أنت ناجح
-ماشي يا عمي فهمت، بس ناجح لماذا!!!
-لا يهم، أنت فقط ناجحهكذا بكل بساطةٍ و...تفاهة، وليضرب المنطق رأسه في أي جدارٍ شاء
أحاول تخيل الرابط بين النجاح وبين عدد سكان الكوكب الذيين يعرفون الشخص، فلا أجد
لنتخيل
قبل معرفة مواقع التواصل
أنا نسمة
بعد اول متابع
أنا نسمة
بعد أول مئة
أنا نسمة
بعد أول ألف
أنا نسمة
بعد أول مليون
أنا نسمةإذاً أين النجاح..!
الشخص تبقى قيمته كما هي_وربما تهبط_ إذا لم يسعى إلى تغذيتها ورفعها بالعمل والعلم والسعي والبذل الواقعي
فكيف يمكن لتافه إذا أمسك كاميرا وصور تفاهات «فلوقات يومية» أن يصبح ناجحاً بمجرد أن يتابع تفاهته الكثير من أشباهه..؟
هل أصبح النجاح أقل قيمةً من طبق أندومي..؟
هل الجماهير التي تتابع الشخص هي ملائكة..؟ آلهة..؟ لتصبح مجرد متابعتها شرف وهدف وغاية يُبذل في سبيلها الغالي والنفيس..؟
أنا لا أتكلم الآن عن من يملكون محتوى رديئ أو سيئ، بل عن من لا يملكون شيئاً لتقديمه أصلاً
أشخاص لا يُعرف مدى سويتهم من أمراضهم النفسية، أخلاقهم، علمهم، رجاحة تفكيرهم، صدقهم، اتزانهم النفسي، يصورون يومياتهم، طعامهم، مشترياتهم، بالمختصر هم يوثقون أيامهم العادية فكيف يصبحون بمجرد هذا ناجحين..؟
المشكلة أنهم يصبحون أيضاً عُظماء، قدوة، ونماذج نجاح يُشار لها بكل فخر
يخرجون على الفضائيات ليسأل المذيع أحدهم: من تجربتك كيف يمكن للإنسان أن يكون ناجحاً..؟
فيرد بكل ثقة_لا أدري من أين اختطفها_
على الإنسان أن يعمل على ذاته ويتعب عليها ويتحدى الصعاب حتى ينجحعمل إيش وبطيخ مين..؟
وعن أصحاب المحتوى الهابط، كيف يكون كاتب، رسام، مغني، مصور، مصمم ذا أداء رديئ، هادم، ناجحاً لمجرد أن وافق فعله عقل أشباهه الكُثر..؟
بجدية، هل من تفسير لهذا..؟ كيف يفكر هؤلاء..؟ كيف تكون عدد الجماهير والشهرة وسام نجاح في الحياة..؟
لو افترضت أن الأمر يعود أنهم فازوا بمحبة الناس، فهذه سذاجة
المحبة لا تجعل من الشخص ذا قيمة واقعية، أعني حتى المجرمون، بائعوا المخدرات، قطاع الطرق، السفاحون من الرؤساء والقادة على مر التاريخ لو بحثتم في سجل حياتهم لوجدتم لهم من يحبهم ويؤيدهم، لكن هذا لا يرفع من قيمتهم الفعلية
ثم لا شيئ يثبت أن مجرد زر المتابعة تمنح الشخص محبة الآخرين، هم لا يعرفونه حقاً، لم يجربوا التعامل والتعايش معه واقعياً، لم يجربوه في أسوء حالاته وصفاته ليقرروا
فحين يجد شخص يشعر بالملل مادة تُضحكه فهو سيتابع مُنشئها لمصلحته، أي أنه سيعتبر هذا اليوتيوبر كمادة تسلية وإضحاك ليس أكثر
ثم يأتي ذاك ويقول أنا اصبحت ناجح لأنهم يتابعونني
حقاً؟ انت مهرج لهم ليس أكثر، فأي نجاحٍ هذا...
إضافة إلى أنه لا يتم احتساب الجماهير سوى كأرقام، أي أنه يتم احتساب متابعة الطفل الذي لا يعقل واللاهي الذي لا يقصد وذو التفكير السطحي والمنحطين والفارغين والتافهين والسيئين وكل الأطياف الغير سوية، ومن يتابعون بلا فهم ولا سبب ولا تفكير ولا لحظة توقف، توزيع متابعات فقط..
فكيف يتم الاعتداد بهولاء ومتابعتهمظظ؟ هم أنفسهم لا شيئ في مقياس الإنسان الطبيعي الصحي الذي يُحتسب رأيه في الواقع
بالنهاية، أظن أنه إن عرفك أحدٌ أو لم يعرف فهذا لا يقدم أو يؤخر من قيمتك بما تُنجز وتفعل حقاً، رغم أنف الأفكار الشائعة
°°°💜
أنت تقرأ
خارجٌ عن السطر
Spiritualوحين غدت سطور القطيع «قيداً» مُغطىً بالسكر، اخترنا مذاق الحُرية اللاذع _الكتاب| خواطر فكرية شخصية_