-الحادية عشَر عشيّة الأثنين-
-هُنا في طوكيو-تكثُر الحركة المرورية خصوصًا خِلال الليّل، ذلك لأن أغلب الأشخاص يكونون مشغولين في العمل أثناء النهار، منهم من يكون حبيس مكتبهِ، ومنهم من يقضي مُعظم وقتهِ داخل غُرفة العمليات، وقد يكون أحدهم في أطراف المدينة يلاحق عددًا من المجرمين، لا يهم .. في النهاية سيذهب كلّ واحدٍ منهم مع أصدقائه إلى أحَد الحانات، أو رُبما يتنَاول وجبة عشائهِ وحيدًا داخل المتجر.
-
"الصخب لا حُدود له" تمتم مُتنهّدًا بينما يخرج من المتجر الذي قد اكتظّ بالأشخاصِ فجأةً، مُمسكًا في يدهِ كيسًا مُمتلئ بعُلِب الرامن وبعضًا من عُلِب الحليب.
سَار حذوَ الرصيف مُحدّقًا بالشُجيرات الصغيرة التي ترتجِف بِفعل هفهفة رياح أكتوبر المُنعشة، استنشقَ النسيم العليل بكُل طاقته، أحسَّ وكأنهُ كائنٌ عائمٌ لوهلة من خِفّة الشعُور، أخرج زفيرًا من بين شِفتيه المُزرقّتين وكأنهُ يحاول طردَ جميعِ المشاعرِ السلبيّةِ من خِلاله.
أخَذ طريقهُ المُعتَاد نحوَ المنزل، إنهُ يقصد متجرًا يبعُد عن منزِله بِضعة شوارِع بغيّة شِراء أنواعٍ مُحدّدة من الرامن لا يجدها بالمتاجر القريبة.
ما إن دفَع الباب الحديديّ ليدخل إلى الباحة الصغيرة حتى تسلّل إلى أُذنيه صوت مواء القطّة، إنها في انتظاره!
فتح الباب الخشبي ورآها عند أقدامه، أخذ يُداعب ذقنها بلُطف ورويّة.
"أحضرتُ لكِ الحليب .. شيرو .. هيّا بِنَا لتناول الطعام" قال وهوَ يُخرج إحدى عُلب الحليب، قام بِفتح طرف العُلبة وسكب منهُ في الوِعاء، ما إن وضعهُ أرضًا حتى انقضّت القِطة عليه بِنهَم.مشى باتجاهِ غُرفته ووضع الكيس على السرير، ألقى نظرةً خاطِفة على انعكاسِه في زُجاج النافذة، إنهُ يرمق نفسهُ بتِلك الملامح .. ككُلِّ مرّة .. طِفلٌ بائسٌ يُحاول النجاة، معالم الشفقة تعتلي قِسمات وجهه، أوشِحةٌ سوداء تُحاوِط عينيه، بشرتهُ الشاحِبة وأصابِعهُ المُتشقّقة، شِفاههُ المُزرقّة تحكي مدى سوء تغذيته، إنهُ لا يتنَاول سِوى الرامن ويشرب قليلًا من الحليب بين الحِين والآخر، والأهم من ذلك كُلّه هوَ إصاباتهُ الداخلية التي مزّقت روحهُ إلى أشلاء، أشبهُ بدمية مُتحركة.