29- استفاقة

57.8K 5.6K 978
                                    

وحشتوني ❤️😂

______________________________

وقف أحمد بعيدًا، بجانب تلك المقبرة التي تبعد عن مقبرة عائلة حافظ بمقبرتين، يتابع بعينيه النعش الذي يحمل جسدها الصغير بداخله، كانت الدموع تهطل من عينيه بلا توقف، يسمع همهمات الرجال مرددين "إنا لله وإنا إله راجعون." ولا يصدق أن هذه الكلمات التي تخترق أذنه تُقال لحبيبته الراحلة!

خبط جبهته بالحائط الذي يستند عليه، الدمع في عينيه لا يكفيه، شعر بقلبه يبكي كذلك ولم يستطع فعل شيء سوى القرفصة أرضًا وتخبئة وجهه بيديه، ود لو يغمض عينيه الآن ويفتحهما ويكون قد رحل عن الحياة لاحقًا بها فقط ليخبرها بأنه آسف .. على كل شيء فعله.

بعد مدة انفض الجمع وأغلقوا المقبرة، وقف أبيها وأعمامها يدعون لها، ثم استند أبيها إلى أحد إخوته وتحركوا نحو السيارات.

نهض أحمد يمسح عينيه بظهر يديه بعد أن عم الصمت، وتحرك بساقين مرتعشتين إلى تلك المقبرة التي تضم جسدها، اعترض طريقه حارس المقابر، نظر لوجه أحمد البائس الذي بدأ يتمتم بعبارات مترجية متقطعة جعلت قلبه يرق قليلًا لكنه لم يسمح له بالعبور قبل أن يعطيه ورقة نقدية من فئة الخمسون جنيهًا.

ترجل ببطء نحو مدفنها، كانت دموعه تزداد كلما اقترب، وعندما وصل كانت رؤيته معدومة ولا يرى سوى الماء يغلف عينيه، نظر للأسفل لزاوية أخرى وكأنه خجلًا من النظر إلى مكانها، خارت قواه وجلس أمام ذلك التراب يكمل بكاءه الذي همس ب "آسف." كثيرًا أثناءه.

لا يعرف ما الذي يفعله هنا، يطلب السماح؟ لا. فهو لا يستطيع حتى مسامحة نفسه، لكنه لم يكن يود الرحيل وتركها بمفردها، كانت صورتها تتمثل أمامه باستمرار، لا تدعه يغمض عينيه، لا يستطيع إخراجها من عقله، لم يستطع النوم منذ البارحة، ولا يظن أنه سيغمض عينيه من جديد دون أن تظهر سلمى في عقله لتعذبه وتذكره بفعلته الحقيرة.

بالأمس دخل في مرحلة الإنكار حيث رفض تصديق أنها قد رحلت وبدأ كالمجنون يتصل برقمها متمنيًا أن تجيب ليخبرها بكم أنه آسف، ونادم ويترجاها بأنه أبدًا لن يفعل تلك الفعلة مجددًا، لن يرفع عينيه في فتاة أخرى حتى .. سيبقى مخلصًا مهما حدث، لكن هاتفها كان مغلقًا طوال الليل، ولم يمتلك سوى ذلك المقطع المصور الذي صوره لها على عفلةً منها، عندما كانت تأكل الآيس كريم وقد تلطخت شفتيها وأنفها فمد يده بمنديل يمسحه لها، وعندما اكتشفت أنه يصورها كانت قد ضحكت وصفعت يده ... أعاده مرارًا وتكرارًا وهو ينظر لوجهها وينتحب.

جاءه حارس المقابر يحثه على النهوض فنهض مرغمًا، ولقد أشفق عليه الحارس لدرجة أنه مد يده ليساعده على الخروج، فرحل مخفضًا الرأس هائمًا على وجهه لا يعرف أين يذهب.

كان أدهم قد بات ليلته في نُزل قريب وعندما حل الصباح وفتح عينيه، اعتدل في جلسته وأمسك بهاتفه يفتحه بعد أن أغلقه طوال الليل كي لا يستقبل مكالمات جده، أخرج رقم أحمد كأول شخص، لكنه تذكر شجاره معه وأنهما لا يتكلمان منذ أن لكمه ولم يرد الآخر له اللكمة، فربما لو فعل لكانا متعادلان الآن.

أربعة في واحدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن