استيقظت بعدها لأجد نفسي جالسة على نفس الكرسي الذي فارقت الوعي عليه منذ ساعات، كانت ملابسي ملطخة بالدماء من أثر الرصاصة التي أطلقها أحمد علي لتخترق كيس الدماء الذي كنت أضعه على السترة الواقية أسفل ملابسي لكي لا تصبني الرصاصة بأذى.
فتحت عيناي ببطء لأجد من لم أتوقع رؤيته ظننت أنني في حلم ما أو أنني أهلوس، ظللت أفرك عيناي بينما كان يجلس أمامي و ينظر إلي باسمًا.
نهضت من مكاني واقتربت منه لينهض هو أيضا بينما لم تتغير تعابير وجهه كثيرا، كانت تلك البسمة الصغيرة هي التي تسيطر على وجهه، ظللت أنظر له لثوان ولم أنطق وكأنني تركت العنان للصمت ليعبر هو بما لا يستطيع الكلام التعبير عنه.
مازن أمامي الآن! على قيد الحياة غير مصاب بأذى! ينظر لي وأنظر له! وكأنني في حلم جميل أتمنى ألّا ينتهي.
قاطعت الصمت عندما اندفعت لأعانقه بينما بدأت الدموع تسيل على وجهي وأنا أقول وكلماتي تسابق بعضها:-قول لي أنك حي بجد وإن أنا مش بحلم.
سمعت دوي ضحكة صغيرة تخرج منه فنظرت لعينيه وقلت بجدية:
- اتكلم يا مازن قولي إنك موجود بجد و مموتش.
أجابني بلهجة هادئة وهم يبتسم لي:
-أنا حي بجد... اهدي.وكأن قلبي يأبى أن يصدق، كل ما حدث كان كابوسا طويلا، سرق أيامي وسنيني ولكنه انتهى، حبيبي وصديق دربي لم يمت، هو أمامي الآن ولم يحدث له شيء.
ابتعدت قليلا وأنا أوجه نظري إليه، أردت أن أطيل النظر ولا أفعل شيئا سوى ذلك، كنت أحاول أن أعوضَ نفسي عن سنوات فراق كُسرا فيهما قلبينا، ثوان مرت لم أستطع منع نفسي فيهم من البكاء، لم أرد حتى أن أسأله كيف حدث ذلك، يكفي أن أراه الآن أمام عيناي و لا أريد شيئا آخر.
سألني هو مقاطعًا للصمت:
-مش هتسأليني حصل ازاي؟
-عايزة أعرف بس مش مهم، المهم عندي إنك حي وإني شيفاك دلوقتي.
كانت كلماتي مضطربة كمشاعرى، كانت تلك المرة الأولى التي أتكلم بها على راحتي معه منذ سنوات، عادت نور الحقيقة التي دفنها أبي وراء شخصية أخرى لم أخترها، عدت أنا اليوم من جديد وعاد مازن، وعاد حب خلق منذ اثنتا عشر عاما، وكأننا لا زلنا نفس الطفلين بقلبهما الطاهر، لم يطل قلبيهما فراق ولا حزن.
لم أرد سؤاله شيء وددت فقط أن أراه وأنظر إليه وأقنع نفسي أنه ما زال حيا، وأن كل ما حدث كان كابوسا طويلا، لكنني على عكس ذلك لم أستطع منع نفسي فسألته:
-لي عملت كل ده؟
أجابني بثبات:
-كنت عارف إنك مش هتتكلمي غير بكده، كان صعب علينا احنا الأتنين، بس مكنش موجود حل تاني.
حاولت أن أمنع دموعي من التساقط وأنا أقول بصرامة:
- عارف حصلي إيه لما عرفت الخبر؟ عارف أنا عيطت قد إيه؟ طب عارف أنا فكرت أنتحر كام مرة لما كنت بحس إن موتك كان بسببي؟
اقترب مني وهو يحاول تهدئة ثوراني، أمسك يدي ثم قال وهو ينظر لعيناي:
- إنسي كل اللي حصل ونبدأ من جديد، كأننا مفترقناش ولا عيشنا كل اللي عيشناه، مرينا بحاجات كتير و احنا الاتنين غلطنا، تعالي ننسى الأربع سنين اللي فاتوا ونرجع تاني.
كانت كثرة الأسئلة تشوش عقلي، كيف فعل ذلك، كيف خطط، لما شبه لي موته، هل تكلم ياسر أم لا وأين ياسر وأحمد الآن، طرحت أسئلتي تباعًا لا أملك الصبر لكي يعطني الإجابات، كنت أشعر بالحزن بسبب كذبته علي بشأن موته لكن رؤيته حيا كانت كافية أن تغفر له في قلبي أخطاء قرون.
أخبرني أنه اتفق مع أحمد على كل شيء منذ البداية، أن يأتي مازن إلي ويحاول استمالتي لضمي لصفهم قبل مجيء ياسر بدقائق، ورتب أن يسمع ياسر تهديده لي بقرب كشف القاتل فكان يعلم أن ياسر لن يتخطى الأمر خاصة أن القاتل كما توقعنا كان قريبا مني ومن ياسر كذلك.
أردف مكملا أن ياسر اقتحم شقته بعد أسبوع أو أكثر من ذلك اليوم، حاول أن يقتل مازن لكن كل ذلك كان ضمن خطته، استطاع أحمد أن يمسك بياسر وينجوا مازن من الموت وتكتمل خطتهم بأن يشبهوا موت مازن لي فأكف عن خوفي وأقرر الانضمام لصفهم، وهذا ما حدث.
سألته بعدها إن كان ياسر قد تكلم، كنت أتوقع أن يخبرني بأن القاتل أبي، هيأت نفسي لأسمع ما تمنيت ألّا أسمعه.
قال:
- أنا وأنت وأحمد كنا غلط، اللي قتلهم مش أبوكي.
تجمدت قليلا فور سماعي، لم أتوقع ذلك أو بالفعل لم نتوقع جميعا ذلك، زادت الأسئلة في زهني، من فعل ذلك إذا؟ ولماذا فعل أبي كل ذلك وحاول إبعادي عن مازن بكل الطرق؟ لماذا هددني بقتل مازن إذا إن لم يكن هو قاتلهم إذا؟ ولما حبسني في المنزل لشهور وجعلني أسافر رغما عني؟ بالتأكيد له مبرر على كل السوء الذي فعله في حقي.
لاحظ مازن الصدمة التي علت وجهي وأنا أقول والدموع تملأ عيناي:
- مين اللي عملها؟
قال:
- سعاد وحسين.
لم أصدق ما تفوه به، ظننت السوء بأبي بينما كان القاتل أمام عيناي يتصنع بالحب والرحمة وأنا جاهلة لأمره!
أخبرني بالباقي وأنا صامدة أسمع وعاجزة عن التصديق، أشعر أن الكون يدور بى بينما أفقد القدرة على الثبات، أخبرني أنه منذ خمسة عشر عاما انضم أبي لحسين في تجارة المواد المخدرة، لم تفاجئني المعلومة فكان ذلك سبب أبي الذي دفعه لإدخالي إلى كلية الحقوق، لكي أستطيع أن أجد لهما مخرجا إذا حدث خطب ما غير متوقع، أكمل مازن أن أمي اكتشفت ذلك وقررت تهديد حسين أخو سعاد زوجة أبي لكي ينهي عمله الذي بدأه مع أبي ويبتعد وإلا أخبرت الشرطة!علم حسين بعدها أن أمي أخبرت والد مازن بالأمر دون أن تذكر اسم أبي، و استطاع والد مازن أن يسبب لحسين خسارة كبيرة و سجن أفضل رجاله لكنه لم يستطع أن يدينه بشيء بسبب احتياطه، قرر بعدها حسين أن ينتقم لتلك الفعلة و يكتم سره الذي كاد يفضح فقتل أمي ووالد مازن و استطاع أن يقنع والدي أن القاتل كان مجرد سارقا، و بالفعل كان موجودا في المنزل يوم مقتل والدتي وبالتأكيد هو من أخفى السكين بعدما نسي القاتل الذي استأجره أن يأخذ السكين بعدما أنهى جريمته، و استطاع أن يعرف أبي على أخته لتأخذ مكان والدتي وتستمر مصالحهم و تقوى.
أما سبب إبعاد أبي لي عن مازن فكان بسبب علمه أن أحمد أخيه ضابط شرطة فاحتاط لكي لا تكون تلك العلاقة هي بداية نهايته، و قد كانت كما توقع.
علمت بعدها أن ياسر اعترف بكل شيء في قسم الشرطة وتم القبض عليهم جميعا بما فيهم أبي، بتهمة الاتجار في المواد المخدرة وأُدينا حسين وسعاد بجريمة قتل والدتي ووالد مازن.وأصبح أخيرا ما خفي كان أعظم، بعدما اكتشفنا القاتل الذي خفي عنا لسنوات، بينما كان أمام أعيننا منذ وقت طويل وبذلك كتبت نهاية فراقي لمازن لنبدأ في حياتنا صفحة جديدة نرجو فيها أن ننعم ونعوض عن كل صعب عشناه.
تمت بحمد الله...
أنت تقرأ
و ما خفي كان اعظم
Mystery / Thrillerستجد في هذه الرواية من يشبهك وتشبهه، ستجد كلمات تصفك، أو غيرها يذكرك بماضٍ أليم تتمنى تخطيه، فإن كنت على حافة السقوط لا ترغب في استرجاع ذكريات أليمة تتمنى نسيانها، لا تقرأ هذه الرواية.