part 3.

702 57 7
                                    

مرّت الدقائق وقد أوقفتُ الكتابة مميلا رأسي للخلف، يمر أمام عيناي كلّ ما مررنا به بحلوه ومره، أخرجتُ الهاتف وفتحتُ ملف صورها، لم أستطع نسيان ملامحها أبدا، وكيف لي أن أنساها وأنا الذي يدق قلبه بقوة عندما أرى صورها أو مجرد حتى أن يُذكر اسمها؟ كيف لي أن أنساها وأنا الذي لم أفكر يوما في أن أحب غيرها، سبع سنوات اجتمعنا فيهنّ، سبع سنوات كنا الأقرب لبعضنا، ولم نفكر في أن نفترق يوما، مرت بعدها أربع سنوات افترقنا فيهنّ مضطرين، ولم أتخيل يوما نفسي مع أحد غيرها، لم أتخيل أن أعيش كل ما عشته معها مع أحد آخر، كنت ولا زلت أعشق ملامحها وأتوق شوقا لليوم الذي سأراها فيه ونجتمع سويا مرة أخرى، صورها منذ كانت طفلة في العاشرة حتى أصبحتْ في السابعة عشر كلها هنا، لم أمحِ واحدة منها على أمل أن يهدّأولو قليلا نار شوقي للقائها الذي ما زلت أعيش على أمله.
تنفستُ قليلا ببطيء ثم أمسكتُ بالقلم للمرة الثالثة، لم أمل من الكتابة عنها يوما، أعلم أنها لم ولن تقرأ، لكن لا زلت أتمنى لو كان بإمكانها ذلك، أتمنى لو استطاعت أن تصف لها كلماتي فوج الشعور الذي عجز لساني عن النطق به، أكملتُ كاتبا:
"أهدتني الحياة شخصا عوضني عن كل ما فقدت، وبعدما أصبح كل شيء بالنسبة لي، سلبتْه مني لأصبح وحيدا مرة أخرى"
هذا كان ملخص علاقتي بنور، كان عالمي باهتا قبل وجودها، كنت منطفئ القلب قبل أن تأتي وتنيره هي من الداخل، لتجعلني إنسانا آخر مقبلا على كل ما كرهه،..
عشقتُ تفاصيلها، أصبحنا نتشارك كل شيء في يومنا، دراستنا، رياضتنا، كل اهتماماتنا، تشاركنا الموسيقى وسهرنا نستمع إليها معا، فعلنا كل شيء يُزيد قلبينا حبا،..
والآن، لازالت نفس الموسيقى التي سمعناها معا، لماذا أشعر بها ليست كما كنت أسمعها معها؟ لا زلت أذهب للنادي الذي كنت أقابلها فيه، لماذا أشعر وكأن شيئا ينقصه؟ هل كانت الأشياء التي نفعلها جميلة حقا؟ أم أنّ وجودها هو الذي كان جميلا؟
لا زلت أذكر آخر ليلة رأيتها فيها، تلك الليلة التي كانت النهاية لكل شيء جميل عشته، وبداية لسنوات من الحزن الذي لم أصل لنهايته حتى الآن.
كانت حياتنا تسير بيسر منذ التقينا، سبع سنوات لم تزدَد فيهنّ قلوبنا إلا حُبا، لكنْ كلّ ذلك تغير حين اكتشفنا أنّ اليوم الذي قُتل فيه والدي هو نفس اليوم الذي قُتلت فيه والدتها.
هل كانت صدفة أن يُقتلا في يوم واحد؟! هل صدفة أيضا أن تكون هوية القاتل ما زالت مخفية حتى يومنا هذا؟! أم أن هناك علاقة بين الجريمتين والقاتل واحد؟!
لم ندري وقتها أنّ السعي وراء إجابات تلك الأسئلة كان سيكلفنا الكثير، أكثر حتى مما كنا نتخيل.
عدت لمنزلي ذلك اليوم ولم يتوقف رأسي عن التفكير ليلتها، هل لوالدي علاقة بوالدتها؟ وإن كان.. فأيّ شيء ذاك الذي يدفع أحدا لقتلهما؟ ومن ذا الذي يقتل شخصين ويفلت طوال هذه السنوات؟ أو ربما تكون مجرد صدفة؟

بدأتْ الشمس تشرق ولم أنم بعد، ساعات مرّت قبل أن يستيقظ أحمد، لم أعرف هل أقول له أم لا، بالتأكيد سيسألني عن نور وإن علم أنني أحبها ماذا سيفعل؟ عمري كان سبعة عشر عاما حينها، كنت لا أزال صغيرا في نظره، حسنا.. وإن يكن، ماذا سيفعل؟ سيكون بإمكاننا الآن على كل حال اكتشاف قاتل أبي، هذا ما يهمه،..
التقطتُ أنفاسي ثم ذهبت لأجلس بجانبه، كان يتناول قهوته قبل ذهابه لمقر عمله في قسم الشرطة، بدأتُ الكلام قائلا:
- أنا عرفت حاجة، مش عارف ممكن تفيدك ولا لا بس حاسس إنك المفروض تعرفها.
أحسست في عينيه وملامح وجهه شعوره بالريبة من طريقتي فسأل بتوجس:
- وبتهته ليه كدا؟ انت عملت حاجة و خايف؟
أجبت وأنا أهز رأسي نافيا:

و ما خفي كان اعظمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن