السَّـاعة العَـاشرة صـباحًا || بتَوقِيتِ الأُلـفَة
مَـرّ حَـولَ أسبُـوعٍ كَامِل منـذُ ليلَة اللِّقـاءِ و الذكـرَيات ، وَ هَـاهِي الأُنثَى صَاحِبة المَلامِح التّركية تَقِف مُستَندَة بجـذعِها عَلى نٕـافذة غـرفتِها الغَـالب عليها اللونُ الأبـيض ، و قَـد أخَذت مِساحـة الجـدَارِ كـله ،حـاملَةً بـيدهَـا عصـيرًا طـازِجًا ، و كَـان هَذا بـعد عودَتها مـن رياضَتها الصَّباحية ، حيـثُ مـرت عَلـيها فتـرة أهمَـلت جَانبها الصّحي و دَاهمَـتها الأمـرَاض بقوة ،و هَا هِي هذا الصَّباح المنعِش هواءُه البازِغة شمـسه خَلف الغـيومِ الناصعة ، تـعود و مَرةً أخرى مُحاولةً المحافظـة على صحتها و لياقَتِها مـن جَانبٍ آخرَ .
كـعادَتِها تـفكـر ، هِي عَـلى مَشارِف إنهـاءِ كـتابِها الثّانـِي لـهذهِ السَّنـة ، لـكن لحـدّ الآن لم تـجد أفكـارًا تختِم بـهَا رِوايتَها الكَئيبة ، أتَقتل أحد الأبطـالِ و تنتَهي ، أم كَعادتِها تـبتـكِر نِهايـاتٍ غَريبة .
كالعَادةِ ، و دَومًا مـا يتوَاجد شـيءٌ يـقاطعُ خلوَتها ، كَان هذه المَّرة بَريدُها الإلكـتْرونِي يُنـوِه بوصُول رِسالة .
تـقدَمـت لِحَـاسِبها القـابِع عَلى المَكتبِ الأبيَض ، تَلِجُ دَاخل صندُوقِ رسائِلها .
لَمحـت اسمَه ، إِيـان ... هُو يراسِلها ، عبر بَريدها بِشكل مفاجِئ لها .
قَرأت أحرُف رِسالته بتَأنٍ تُريدُ حِفظها دَاخل قَـلبهـا قَبل عَقـلها .
كـانت الرِسالة تحتوِي عَلى طـلبِ لِقاء آخر ، كـانت دَعوة .
_" السّاعة السابِعة مَساءًا ، فِي كَـنِيسَة خُـورَا "_
هَذا مـا احتوتـهُ رِسالةُ الطـلبِ تـلك ، تَساءَلت عـن سـببِ دَعوتِها لِـكنِيسة مَساءَ يومِ الخَـمِيس.
تَساءَلت عـن سبَب دَعوتِه لـها بالمَقام الأول .
أحـست بالحـمَاس ينبَثقُ داخـِل أورِدتها ، و القَلقِ دَاخـل شَرايـينها .
لَـقد مَرت سِبع سـنواتٍ عِجـاف ، لـما تَراهُ عـاد الآن ، هـل غادَر إسطنبـول أَصلا ؟
هَـل يـريدُ إصلاحَ رَابِط كَـسرتهُ هِي ؟ أتَراهُ بِهذاَ الكَّم مِن الحُـبّ و الرَّزَانـة .
استَقامَـت و قَد شـعَرت أن الرّوح المُراهقة الطائِشة عادَت لها فـقط بِفكـرة لِقائه .
هِـي مـرة قَطـعت خـيطَ القدَر الأحمَر الـذي كَانَ يربـطُ بـين خـنصُريهِما ، هـل يحَاول رَبطه و إصلاحه !
هـي تثـق بِه لهذه الدّرجـة ، لَا تظن و لو بمقدَار أنـه سيجـرحهَا بِكـلمة أو بِفعل حـتى ، هو أمـانُها و سَلامُها .
بـعد سُويعَات ،حوالي السَّاعَة الساَدِسَة و نِصف
تـقـفُ أمَـام مِرآة غُرفَتـها ، تُمسِك ثَوبًا مِخملـيا أحمر و آخَر أَبـيض ، تَمعنـت بِصاحـب الهَالة المـلائكـية و قَررت تَرك مـبادِئ الأحمَر عَـلى جَنب ، مِن أجـله.
هُو عاشِق للأبيَض و هِي عَـاشقَةٌ لَه .
ارتدَته ، كاسِرة الأبيضَ بأحمَر شِفاه دَموي مُتخِذة خُطاها الثـابِتة نَحو مُهلِكِ قَلبِها .
أَقبَـل الاِثـنَان عِـند تَـمامِ السَّابـعة نَـحو كَنيسَةِ خُورَا ، و المَعروفَـة هَذا الوَقـت كَمتحـفٍ ثقـافيّ جَـامعٍ لتُراثٍ راجِع لحـقبَة الحَـملات الـصلِيبـية .
دَخـل إيَـان مِـن مـدخل الكَنيـسة الـجنـوبِـي و عَـلَى مـدّ بَـصرِه رآهَـا هِي ، تَـقف بـشمُوخٍ أمَـام لَوحـةٍ فـنيّة تـدقِق بتَفاصـيلهَـا.
لَا تـدرِي أنـهّا الـفن و التَفـاصيِل بأَنـامِلهـا .
لا تَدريِ أنـها الحـب و عَيـناها لَوعـةُ الحّـبِ.
تَـقدَم لـهَا ، وَاقـفا بـاعتِدال ورائَها تـراكًا مَسافةً بَيـنهُم قائِلا :
_" سـمعـتُ مَـن قَـال أَن الـفـن و الـحبّ يـجـب أَن نَتأمَلهُم عَـن بُعد"
كَـان يَـقصُدها بالـفَن و الحُـبّ ، يُحـب تَـأمُل أعيُنِها و مَا تحتَـويه مِن قِصص ، و عَـاشق لـمَا تـنسُجه أنَـاملها مِن معـجِزات .
استَـدارت لـه ، نـظرتُها بـها شَوقٌ و حَـنـين ، لـكن لَم تستطـع الكـلمات احتِوَاء مَشاعـرها .
="مَـا الذِي اسـتدعَي دَعوتـي إلَى هـذه الكَـنيسَة إيان ؟"
مـدّ يدَه لهَـا ، لتـحدق به لثواني منتـظرةً مَـا سيقولـه
_" اعتبـريه عـقد صـلحٍ، أو مَـوعِـد ربمَـا !"
="سـأعتبره مَـا أَشاءُ ، فَـقط أفرِغ مَـا بجُعبتِك"
نـظر لها ، و أمضَى ثوانٍ صَامتًا ، ليـفرج عَـن جملَة بـعثرت كـيانها ،المبعثَر مبدَئيا عندَ رؤيته يتشِح الأسود كَعادتِه .
_" تَـبدِين جَميلة ، الأَبيضُ يَليق بِكِ"
نَظـرت لـه بزَاوية عَـينـيها ، و ابـتسمَـت .
ابـستـمَت و تَساءَلت ، أَ لم تـكن تَبتـسم فِي غِيابـه ؟ لم تـبتسِم لمُجامـلة أحدٍ طِوال السَّبع سَنواتٍ كلِها .
أردَفت قائلة و الابـتسامَة لـم تنجَلي بعدُ عن شَفتيـهَا
="مُبتذَل كالعَـادة سيـد إيان"
أجابهَا و هـو يمسِك بيـدهَا يـمـرِر إبهَامـه عَلى سَطح يـدها كَانه يُطمـئنُها ، و كَـم أحبـت تِلك الحَـركة.
_" نَعم ، فَقط غَزلـك غَير مبتَذل أيـتها الكَاتِبة ، أطـرِبي سمـعِي بِشيءٍ مـن كِتابـاتك هـذه الفَترة"
عـجَبت مـن كَيفية انـسجامـهم فِي فترة لَا تزِيد عَن عَشر دَقائق ،رَابطهُم قَوي و لا ينـكسر .
=" أَ تَقول أنـك لـم تَقرأ أيّ كـتابٍ نَشرتهُ هذهِ السنَوات ! "
_" مَن يعـلم ، رُبمَا نَعم و رُبما لَا"
=" لا تُرَاوِغ !"
_" لا أُراوِغ إنـي صَريح ، و قَد قـرأت كـل كتبِك ، أ أنتِ وَاقِـعة بـالحب ، هَذا سُـؤالي الأول ، أأنتِ سعِيدَة بـأيامك"
=" السـعادَة سَرابٌ يتلاشـى كـل مرة أقتَرب مِنه بنـيَة التِقاطه ، و الـحب انـقَضى دَهرُه"
_" الحـب لا ينقَضي ، إنه يتجـدد "
أَراد إخـبارَها أن حـبَهُ لَها يَتجدد بـكل نَظرة يأخُذها لأعيُنها ، أن الحـب لا ينـقص ، بَل يزيدُ حبـه عـند كـل ابتِسامَة مُنيرَة تَرسمها شَفتيها .
أنَّ الحـبّ لا يمُوت ، بَـل يحـيـا عِند كـل نَفسٍ يأخذه حَولـها.
نَطقت باسـمه مُحاولةً قطـعه عمَا ينوِي قَوله مـن أشيَاء تُرهقـها ، تـجعل إحساسها بالذنـب يـرتفِع
=" إيَـان ...."
_" لا تُقاطـعينـي سـيرَآ ، إنـي كَابِح لنـفسِي قُرابَة السَّبع سنـين، إنها ليلتـي للكـلام. دعـيني أكـمل كـل مَـا بجعبـتي و لَكِ قَرار الرّحيل بعـدهُ فَقط ."
أخَذ نـفسًا يدعـم بِه رئتيه ، ثُم أكمل .
_" لازِلت أتساءَل لحد الآن لِمَا لم أستـطع التـقـدم مـن بعـدك بـسهولَة مـثلَـك ، ابـتعدنا و لَم نـعد نتـكلم كَعادتِنا .
احترمـت رَغبتِك و رحَلت ، لـكنّـي خَائف ، خَـائف أَن أكـون مَن يضَيع هَذا الحـب مِن بين يديـه بشكل سَـلس .
أخـبرينـي هَـل كـل ثوبٍ تَرتدينه في كـل سهرة ، كل كِتابٍ نَشرتِه و كل حرفٍ نقشـتِه ، هـل يحـضنُك بِشغَـف كَما اعتدْت أن أفعَـل .
هَـل وجَدت الشـخص المَنشود ، مَـن كنتِ تبحَثين عَـنه . ألَـم يكـن أنَا مبدَئيا .
أذلِك الغزَل المَنشور عن طريقِك ينـتمِي لرجُل آخـر .أنا أتساءَل عن كـل هذا .
لَم أستطِع إبعادِك لا عَن عقلـي أو مَرآى أعـينِي .
ضِقـت دِرعًا بهَذا الحـال .
سـنوات ، كنتِ تحتَ أعينـي و لَم تكُونِ بـينها و حولها . لِننهـي الأمر سـيـرَا .
أخبرتِنـي أن لا أحد يستحـق أن يترَك دون لِمـاذا . أنا ترِكت لكنـي أعلم السـبب.
أخـبرتِني أن أغفَر و أنا بـغافِرٍ لـك حـياتِي هـذه ، مَا قبلها و مَا يليهَا .
مَـا الذِي يمـنعُك مِن العَودة كـل هذا الزَمن ، أعلَـم أن حُبـكِ لَيس لُعـبة .... هَل أنتِ سعيـدة بَعيدًا !"
أكمَل كَـلامهُ متنَهدا ، ثم ابتَعدَ عنـها مُظـهرا المخـرج من الكَنيسة من وراءِ ظهره ، سامِحا لـها بالذَهاب إن أرادت التهرب .
الأخرَى لازالَت شَارِدة بوجهه تفكر أنّ الرجـل حَقًا قد انتَـهى صَـبره ، لَقد انفجـر بوجـهِها تقـنيا !
استَفاقت من جـولة التحديقِ عاكِفَةً يديـها لصدرِها مُجيبَة إياهُ عن كـل كلمَة ألقاهَا بوجـهها للَيلة :
=" تَرانِي سعـيدة إيان ! إنّ التـظاهُر بالابتـهاج مَـاهو إلا أشد من البُؤس و المَـرارة .
أنـا مُرتـبكة ، نَـادمة و كـل ليـلةٍ يداهِمنِـي الاختنَـاق بالذنـب ، بـلغَ القـلب الحـنجرَة منذُ سِنـين .
إنك عَـلى يقـين أنني لـستُ مَن تركتكَ بهَواها ، أعـلم أنه تصـرف خاطِئ ، لَـم أعطِك مَـا تستَحقه أبدًا .
إنـي بنَـادمة على ذَلك حدّ النـخاع إيان ؛"
سـقطـت دُموعها بسهُولَة هَـذه المـرة ، لتـكمل حديثِها بشهـقاتٍ منبعـثة من جَوفِها .
=" أتمـنى أن أعـطيك ما تَستَحقه ، لـكنك تـحب امـرأة مكـسورة لم تـقدم شيئًا لنـفسها ، لحـد الآن لا زلتُ ألملِم شتاتَ نفسي مِن بعـدك فلا تسأَل إن كـان هناكَ رجل بعـدك و قبـلك ، و أنت عالم بالإجابة .
لا شـيء يـستطـيع تعويـضك ، لا أَحد يـجعلنـي أشعـر مِثـلك . لا أحـد يمـلك هَذا القدرَ من الحُّبَ الحَقيقـي مِثلـك .
لا شَـيء مِثـلك "
أدَارت بوَجهها عنهُ لفَترةِ كَان هو يحـدق بِها ، يتسَـاءل ، كَـيف كَـانا مِثالِيان ، كَيف هـي تـستطيع تَشتيتَه عـن غيـضه بسهُولة .
رَقت أعيـنه و هـو يرَاها تذرُف عَـبراتِ محرمٌ عليـها النُزول عَلى وجنتـيها .
_" لا تـبكـي ياَ ابنَةَ ......."
قطـعت كَلامهُ عنَد احتضـانها لَـه .
رمَت بكـبريائها الأنثَوي جـانبًا غارسَةً نَـفسها فـي حـضنِه الشافـي لَـها كـكل .
بعـثرته و أفقدَته قـدرته عـلى التحدُث فـثط بحركَـة مـن جـانبِها .
بَـعد سنـين .
هـيَ فَـقط حَضنـته !.Nothing like us
____________________
أطول شي كتبته .1099 كلمة
ويت ويت اول شي هاي 🙃
كيفناااا كيفكممم
رأيكم فالغلاف الجديد ؟ وضعته فوق
رأيكم يهمني طبعا
أنت تقرأ
ابـنَـةُ الـعَـين | Fille de l'oeil
Short Storyتَـجلِـس تلـگ الأنـثًَى ، يَفوح مِـنها عَبق الحُزن مُلتَحفَةً غِطَاءَ الـألَمِ ، شَـارِدَة فِي سَودَاوية حَياتِها. تَغوصَ فِي عَالمٍ شَيدَته يدَاهـا الطٌَاهِرة. غَـائِرَةٌ أعـيُنها بِلَونِ البُّن ، مُـبتَسمٌ ثَغرها ابـتسامَةً تُخـفِي صَدعًا ، انـكِ...