مَـشهَد ••3•• || قَهـوَةٌ لَيلِية .

988 61 5
                                    

التَّاسِعَة لَيـلًا || بتَوقِيتِ الدَّهـشَة .

_ قِيلَ أنَهُ كَان كـالهِلاَلِ فِـي عُتمَةِ سَمـائِهَا _

فِـي تِلـك الشَّوارِع التِـي تَضج بالـحَياة ، ضَحكـات رَنانَـة و حِوارَات بَين أنـاسٍ مختَلفين ، وَ بَينَهُم تَمـشِي ذَات الـروح المُتـعَـبة .
تكـتسِي مـعطَفًا قـرمزِيا مـخمَلي ، لَطَالما عـشقت الأَحمر بِكل دَرجاتِه ، فَهُو يَرمز للقُوة و الشَّجاعة التِي تتَصِف بِها هِي خَارجِيا فَقط و تَحت أعـيُنِ البَشر ، المُنتظِرين لأيّ فَضيحَة منها لِيَضعوا حدًّا لِمَسيرتِها.
دَفعَت بَـاب أحدِ المَقاهِي المُنعَزلة لتصـدم رائِحة القَهوة أنـفها ، لـَم تَكن من مُدمِني القَهوة و لا كَـارِهيها ، تَشتَهيها فِي حَالات التَشتت و الضَياعِ بَين أمـواجِ أفكَارِها السَّرمدِية .
قُطِعت أفكَارُها تَحدث النَادل أمَامها ، طَلبت قَهوَتها و جَالَت بأعيُنِها عَلى الطاوِلات الممتلِئة ، لَم تكد تَمضِي خَارِجًا تَعودُ لِعزلَتها حَتى سـَمِعت صوتًا يُنَاديها ، تَعجَبت حَول هوِية صاحِب الندَاء الرُّجولِي ذاك .
الـتَفتت لِتحُط أعـينها عـلى صَاحِب العُيون الكحـلِية ،تسَاءَلت فِي نَفسِها عن هَذا القَدر ؟ هَذه الصدف .
لَم تكن تنوِي مُقابلته ، مُنذ آخر النَظـرَاتِ بَينَها لَم يُفَارق تفـكيرَها .
أوقـفت أنامِلها مَراتٍ عدِيدة عَن خطِ حُروف عُمـقٍ عَنـه ، لم تَصل لذلِك الحَدّ من التُوه و فقدَانِ النَّفس بعد.
توَقفَت عَن سَّنِ أَفكارِها للمَرة الثانِية عَلى التوَاليِ لهَذه الأمـسِيَة .
جَلسَت مُقابلَة له ، و فِي أعيُنِها استِفسَارات عِدة قُطِعت بِكلامِ ذو الهالة الداكِنة .
-" لـيكُن مَساءُكِ خَيرًا أيـتُهَا الكَاتِبة ".
= " أَولاَ تَرى أنَّ لَقبَ الكَاتِبة في هَذا الوقت مُبالغا به أيها الطبيب ؟"
-" أولاَ تظُنِين يا آنِسة أن لَقب الطبيب لا يَمُت لهَذه اللحظَة بِصلة؟ "
=" لا ضَرر بالآنسة يا سيد ، مَا سبب نِداءك"
-" إنّـي أمتلِك رغبَة مُلحة في مناقَشةِ كتـابِك ، لَيس موضوعَه فإنّي بمُستَبيِنٍ له ، إنمّا عُنـوانُه"
=" الدِماء حمراء قرمزية ، ما الخَلَل بِهذا؟"
-" دِمَاءٌكِ قُرمُزِية ، أتنزِفينَ يا آنِسة ؟"
=" سُؤَالٌ مُراوِغ لا دَاعِي لذِكر أي إجَابة "
تَرجت أن يصـمُت بعد ردّها  و ألَا يكُون فُضولِيا ، فَفَعل .
صَمتا ، يتـَبادَلانِ لُغة الأعـيُن ، و كِلاهُما يَبرَعَـانَ بِها.
تَـركا قِنَاع التلـبّد يسقُط ، ليشكِيا ضُعفَ الدّواخِل لِبعضهما .
إِنَهُما ليـسا بِغُرَبَاء ، و حِيـن لِقاء الأعيـن المَاضِي لَم تـكُن تِلك أول نَبضاتِ القَلب !
جَلسَـا و بَين يديـهِما قـهوة سَوداء مُرّة بِمرارة عِيشَتِهما .
امرأة ذات أنوثة طَاغِية ، و رَجل كُحلِيّ بَهِي النظَر ، ما بَينَهما ، ماضِي ، حديثُ أَعين و قَهوَة لَيلِية .

ابـنَـةُ الـعَـين | Fille de l'oeilحيث تعيش القصص. اكتشف الآن