الجزء2

217 14 1
                                    

تَيَقنتُ أنّها مقدمات السّاعة، فأصابني خوفٌ كبيرٌ ورعشةٌ شديدةٌ.. وكلّما إلتقيتُ جماعةً من سكان البرزخ، أرى صوَرهم قد تغيّرت واصفرَّت خوفاً من قِيام الساعة.. وما رأيت أحداً مطمئن القلب، فيسليني ويهوِن عليّ ما سألاقيه في المستقبل المجهول.. ثم (( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهَُ )) إنها نفخة إسرافيل (عليه السلام) الأولى لِإماتة خلق الله، إذ انقطعَت الحياة عن كل شيء وماتت جميع الموجودات والكائنات.. وباتَت الأرواح ساكنة صامتة وفي داخلها فزعٌ واضطرابٌ عظيمٌ، إلا أولئك العارفون بحقائق الوجود وأسراره، وقلوبهم غريقة بالمعرفة و المحبة الإلهية. لم يَسلَم حتى جبرائيل وميكائيل (عليهما السلام) من صعقة الموت، بل حتى إسرافيل وعزرائيل (عليهما السلام) الذي كان آخر من بقيَ، فقال له الله تعالى: مُت يا ملك الموت، فمات ! لم تتوقف الأرض عن أمر ربّها، إذ ألقَت ما فيها وتخلَّت، واندكَّت أجزائها دكّاً، وتشققَت أنهارها، وسجّرت بحارها فالتهبت، ثم طغى ماءها فوق الأرض مُنبِئاً بحدوث سَيْلٍ عظيمٍ بعد هطول أمطار غزيرة.. وأمّا الجبال فقد تحركت، ونُسفت نسفاً، ثم تطايرَت في الفضاء وأصبح مكانها ( قَاعاً صَفْصَفاً لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً ) وإستمر الكون في تغيراته حتى شمل الأجرام السماوية، إذ خُسف القمر، وطغت ظلمته على نوره، وجُمع الشمس والقمر حتى تلاطما فيما بينهما، فاضمحل ضياء الشمس وتلاشى وتلاشت بعده، وانكدرت النجوم، وراحت الكواكب والمجرات ترتطم فيما بينها، فتراها تلتهب ثم تتناثر في الفضاء.. أمّا السماء فقد عمّ فيها دخانٌ عظيم ممّا زاد على الظلمة ظلمة، فلا شمسٌ تشع، ولا قمرٌ ينير، ولا نجومٌ برّاقة.. وفي هذا الوسط من الظلمة المعتمة انطوت السماء كطيّ السجِل للكتب.. ثم سكنت الحركات ، وخمدت الأصوات ، وخلَت من سكانها الأرض
والسموات، وساد صمتٌ وهدوءٌ مطلق في أرجاء الكون.. وبقِيَ المُلك لله الواحد القهار، المتصرِّف في المُلك والملكوت.. طالَ سُبات الخلائق وسكونها، والله أعلم كم كانت مدّته، حتّى حان ذلك اليوم الذي سمعنا فيه صوت نفخة الصور الثانية وصَيحته..(( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون )) إنّه إسرافيل (عليه السلام) عاد بعد أن أحيَّاه الله لينادي في خلقه: أنْ قوموا ليوم الحشر والحساب.. ولكن أيّ صيحة كانت ! بل أيّ نداء هذا الذي يُحيي الأموات من أولهم إلى آخرهم ، ويُخرجهم من الأرض قياماً ينظرون ! ومن الأجداث مُسرعين ، يرتطم بعضهم ببعض ، أبصارهم خاشعة، وقلوبهم خائفة مضطربة، كأنهم جرادٌ منتشر إلى ربّهم ينسلون... #يتبع

امواج القيامه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن