الجزء7

80 10 0
                                    

توقفتُ عن التقدم نحوه، فإلتفت لي وليّ الله الذي أتيتُ معه وقال: ما الذي حدث؟ أراك مندهشاً مستغرباً مضطرباً ! أجبته بدموعٍ جارية: إنه "مؤمن"، إنه صديقي "مؤمن"، إنه....... آه بأي وجه سألاقيه، وبأي مقامٍ أتقابل معه، لا، لا أريد.. أراد الوليّ أن يُهوّن عليّ موقفي، فقال: إنّك بحمد الله على صورة إنسان، وعليك لباس التقوى يسترك، فماذا تقول في غيرك ممن تخلفوا عنّا من أهل المعاصي والذنوب؟ نظرتُ إلى بدني ولباسي ، وقلت: الحمد لله على كل حال، ولولا هداية ربي لكنت اسوأ من ذلك . نظرت إلى مؤمن مرّة أخرى وتطلعت إلى بهاء وجهه، ورأيت عرق أهل المحشر لم يغط سوى قدميه وجزءٍ يسير من ساقيه. يا إلهي إنه يتقدم نحوي، لا بدّ أنه قد علِم بقدومي، ماذا أفعل، إنه يقصدني لا غيري، نعم ها هو أمامي... عانقني وضمّني إلى صدره وقال: لا يا سعيد، لماذا تهمّ بالهرب مني؟ ألست أنا الذي أدخلتك خيمة الأسلام في الدنيا بعد أن رأيتك أهلاً لها؟ وما تخلّيت عنك عند فراقك الدنيا ونزولك في منزلك البرزخي، فكيف أتخلّى عنك الآن؟ ألم يقُل الله تعالى في قرآنه الكريم: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ } وأنا وأنت بحمد الله من المتقين، رغم اختلاف مقاماتنا، وإن شاء الله سأشفع لك في مواضع عدّة، لتُرفع من مقامك الذي أنت عليه الآن . كنتُ أنصتُ لكلامه والعَبرة تحرقني، والدمعة تغلبني وكلّما نطق بكلمة يعظم بكائي، أمسك بي وأوقفني بجنبه ليتحدث مع أولياء الله بعد أن طرحوا عليه أمر المأزق الذي يمر به أهل المحشر.. فقال : إن أمراً كهذا لا أتمكن منه، وقد طرحته على أمثالي في المقام، واتفقنا على أن ننطلق إلى أهل مقامات الرضا، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ونرى ما يمكن لهم أن يفعلوه. طلب الحاضرون مرافقته، ولكنه تعذّر وقال: إن المقامات التي سوف ننطلق إليها ليس من الهَيّن وصولها إلا لأمثالي في الدرجة والمقام، وسوف أبذل ما في وسعي إن شاء الله لتحقيق ما طلبتموه مني. إنصرف الكثير من الحاضرين معي، ثم إلتفتَ مؤمن إلي، وقال: ما من إنسان في عالم القيامة إلا وهو محتاجٌ لشفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام، حتى الأولياء والأنبياء . فقلت: وكيف ذلك؟ وهل هناك نبيّ يدخل النار، أو يتعرض إلى عذاب كي يحتاج إلى الشفاعة! الأنبياء على تفاوتٍ في الدرجة، أمَا قرأت في القرآن :{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ}. فكل نبيّ منهم يحتاج شفاعة نبيّ أعلى منه كي يرفع درجته ، لا أن ينجيه من النار والعذاب . سألته مستغرباً من كلامه: حتى أولياء أولي العزم ؟ نعم حتى أُولي العزم.. فهم بحاجة إلى شفاعة الخاتَم (صلى الله عليه واله) وأظّن أن مشكلة أهل المحشر ليس لها إلا الرسول الأعظم الذي ختم مقامات القرب إلى الله بمقامه، وبلغ موقعاً لم يبلغه أحد قبله ولا بعده ، فهو الذي قال القرآن بشأنه : { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى } طلبتُ من مؤمن مرافقته في رحلته، فتبسم وقال : عزيزي سعيد، إن أثر وتبعات كل شيء في عالم القيامة تكويني لا إعتباري، فلا يمكن السماح لك بمرافقتي، فضلاً عن غيرك من أصحاب الدرجات الدنيا، إذ أن درجتك التي إكتسبتها في عالم الدنيا والبرزخ لا تمكّنك من ذلك. عدنا إلى مواضعنا على أملٍ أن تصلنا أخبار مسيرة مؤمن وأمثاله من المخلَصين، وفعلاً علمنا بعدها أن الأمر قد وصل إلى نبيّ الله آدم، ثم قطع مراحل أخرى ومراتب عدّة حتى صار لأن ينطلق الأنبياء من غير أولي العزم الى نبي الله نوح الذي قال لهم : إن هذا الأمر عظيم وأنا لست له، اذهبوا إلى نبيّ الله ابراهيم.. ذهبو إلى نبي الله إبراهيم فدلّهم على نبيّ الله موسى الذي دلّهم على نبيّ الله عيسى، وعندما وصلوا إليه قال لهم : إنّ الله تعالى خصّ مقام المحمودية للرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله، وهو أهلٌ لهذا الأمر . جمعوا أمرهم، وانطلقوا إلى الخاتَم (صلى الله عليه واله) وقالوا له: يا من ختم الرسالات برسالته، والمقامات بمقامه، يا من هو أوَّلنا إسلاماً، وأرفعنا درجةً ، وأوجهنا عند الله، يا من أقرّ بالعبودية لله، وآدم بين الروح والجسد، يا من يشهد على الشهداء ونحن الشهداء، إشفع لنا ولأهل المحشر عند الله ، فإن الحرارة كادت تذيب أبدانهم ، والعرق يصل إلى أعناقهم ، بل إلى أفواه البعض منهم. أجابهم الرسول الخاتَم وهو أول من يجيب بالإيجاب، إذ قال: أنا لها يا أنبياء الله وأولياءه. وانطلق الخاتَم (صلى الله عليه واله) وسجد لله سجدةً أطال فيها، وما رفع رأسه الشريف منها حتى قيل له : يا محمد إسئل تُعطى واشفع تُشَفّع، فقال : يا ربِّ أُمّتي أُمّتي.[ هذا الموقف مستوحى من رواية مذكورة في كتاب بحار الأنوار، ج8] هنالك إرتفعت الشمس من على رؤوس العباد، ونفذ العرق في الأرض وتوغل فيها بعد أن أُذِن لها بذلك.. وعاد الرسول الخاتَم، وكل من في المحشر ينطق باسمه، ويحمده على شفاعته، ويغبطه على مقامه ومنزلته، وذلك قوله تعالى: { عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } بعد أن رُفِع البلاء العام الذي كان قد شمِل عموم أهل المحشر بشفاعة خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه واله)، بقِيَ كل شخص منا يعيش عذاب نفسه، وحسرة أعماله، والذي يزيد من العذاب عذاباً، أن كل شخص منا كان معروفاً بين أهل المحشر بملامحه أنه فلان الذي كان في الدنيا، رغم تغيّر صوَر وأبدان البعض منهم إلى صوَر قبيحة منبوذة، كهيئة الخنازير والقردة وأمثالها، والبعض تفوح منهم رائحة كريهة نتنة تجعل أهل المحشر يفرّون منهم، وذلك يجعلهم في عزلة وذلة منبوذين لدى الخلائق أجمعين...
بتببببع

امواج القيامه حيث تعيش القصص. اكتشف الآن