إنني من أمّة النبي موسى سلام الله عليه، كنتُ قد صدّقته، وآمنتُ بما أتى به من الكتاب، واتبعتُ سبيله رغم ملاحقة فرعون وأعوانه لنا من مكان لآخر، ومن بلد إلى بلد، حتى قُتلتُ صريعاً، وأريق دمي على طريق الحق والإيمان. اصابتني حسرةٌ أن لم أكن مثله وفي درجته ونوره، فقلتُ له: إذاً أنت من العلماء المجاهدين بعلمهم على طريق الحق والتوحيد. إستقر الجميع في ساحة الحشر، وهي أرض بيضاء مستوية، لا ترى فيها عِوَجاً ولا أمتاً، ولا ربوة، ولا تلّة يتوارى الإنسان خلفها عن أعين الناس، بل ولا حتى حفرة يدس الإنسان فيها نفسه هرباً من الغرماء والخصوم.. هي صعيد واحد لا تباين فيها، ولا زرع فيها ، ولا جبال، ولا أودية ولا سهول، بل ممدودة مدّ الأديم (1). نظرتُ لِما حولي فرأيت أحسنهم حالاً من وجد لقدمه موضعاً، ولنفسه متّسعاً ، ورأيت من البشر رجالاً ونساءً ما لا يُحصى عدده، ولا نهاية لحدوده، وهم في صُوَر مختلفة: فبعضهم ذات صُوَر قبيحة ومهولة موحشة، أبدانهم عراة لا يغطيها ولا يسترها شيء، وهم في حالة يكاد الخجل يُذيبهم، والذلة والحسرة تقتلهم، ولا ملاذ لهم فيستترون فيه أو يحتجبون به عن أنظار غيرهم. كان بعض منهم على صورة القردة، وبعض آخر على صورة الخنازير، وبعضهم مُنَكسون على وجوههم وقد علت أرجلهم رؤوسهم وهم يُسحبون عليها.. وبعضهم عُمي يترددون، وبعضهم صمٌ وبُكمٌ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مُدلات على صدورهم، ويسيل القَيح من أفواههم فيتقذرهم أهل المحشر.. وبعضهم مقطعة أيديهم وأرجلهم، وبعضهم مصلّبون على جذوع من نار، وبعضهم أشد نتنا من الجيفة، بينما هناك آخرون ملبسون جباباً سابغة من قطران نار لاصقة بجلودهم(2).. وفي الوقت نفسه كنتُ أرى البعض الآخر على صور جميلة متفاوتة، كل حسب درجته وكماله الذي اكتسبه في عالم الدنيا، وهم يرتدون ألبسة متغايرة فيما بينها. قلتُ سبحان الله! ما هذا التفاوت في خلقه؟ وتساءلتُ مستغرباُ عن أي أرض أو سماء يمكن لها أن تسع كل هذا الحشر العظيم؟! إلتفتَ نحوي شخص يبدو أنه من أهل الإيمان، وكتابه القرآن، فقال: أمَا قرأت في القرآن : {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}، فأرض المحشر وسماؤها، ليست كسماء وأرض الدنيا التي قضيت عمراً فيها، بل كل شيء تبدل وتغير، والقوانين في عالم القيامة هي غير قوانين ونظام عالم الدنيا والبرزخ، وأحكام الزمان والمكان التي كانت مهيمنة عليها لا وجود لها هنا. بهرني نور وجهه المشع، ووجدتُ في ذلك فرصة للسؤال منه، فسألته: أخبرني، كم سيطول وقوفنا في عرصة المحشر؟ ----------------- (1) عن رسول الله (صلى الله عليه واله): "تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها إلا موضع قدميه". (2): سأل معاذ بن جبل رسول الله (صلى الله عليه واله) عن قول الله تعالى { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً }، فقال: "يا معاذ سألت عن عظيم من الأمر، ثم أرسل عينيه ثم قال: تُحشر عشرة أصناف من أمتي أشتاتاً، قد ميزهم الله تعالى من المسلمين وبدّل صورهم، فبعضهم على صورة القردة، ويعضهم على صورة الخنازير، و..."
يتببببببببع
أنت تقرأ
امواج القيامه
Spiritualتتكلم عن قيام الساعه ويوم الورود والحساب ودخول الجنه والنار وشفاعة اهل البيت الجزء الثاني من كتاب فوق اجنحة البرزخ للكاتب عبدالرزاق الحجامي