كل واحد من الخلق كان يحس أن الصيحة والنداء قريبٌ جداً منه، بل قد تكون في داخله، فهي كما قال تعالى: { وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ♢ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ } حقاً إنه منظرٌ مرعب ومهول أن تخرج كل الأجيال من البشر منذ خلْق آدم وحتى قيام الساعة في وقتٍ ومشهدٍ واحد! والكل يسُوق بنفسه مسرعاً مضطرباً، والبعض زاحفاً ... إلى ساحة المحشر والحساب. أسرعتُ مع هذا الجمع العظيم من الخلق وبين الحين والآخر أتعثر، فأقع ذليلاً على وجهي، وأحس بأقدام الخلق فوقي، ولكن سرعان ما أنهض قائماً بمساعدة مخلوقٍ كان يرافقني منذ خروجي من قبري، ولشدّة الزحام والإضطراب لم أتعرّف عليه، بل ما تمكنت من رؤيته بصورة تسمح لي بمعرفته.. كنتُ أرى الكثير ممن بُعِثوا تتأجج النار من أفواههم، وهم
يتعثرون وتحت الأقدام يُسحَقون.. هم كالأقزام في صغرهم وقد لا ترى لهم أثر حتى يمُر كل هذا الجمع عليهم (1). والعجيب أن البعض منهم كلّما أراد القيام أركَسه مخلوقٌ قبيحٌ كان يرافقه لِيُلقيه على الأرض مرّة أخرى ! فقلت : بسم الله، هذا أول مشهد من مشاهد الذلّة والعذاب. وسط هذه الأوضاع و بين وجوه الخلق المتفاوتة رأيت شخصاً يشع نوراً ، ولا تبدو عليه آثار التعب سوى الدهشة التي كانت تظهر في ملامح وجهه.. سألته : 🔹هل تعلم ما الذي حدث؟ وإلى أين يُساق بنا ؟ تمعن في وجهي ثم أجاب : 🔸أرى في صورتك ملامح الإيمان والتقوى، ولكني أيضًا أرى نورك ضعيف لا يكاد يضيء لك الطريق. نظر إلى الجمع العظيم، ثم عاد ليقول : 🔹إن الله بعثنا بعد أن أماتنا موتة البرزخ، ونحن الآن في يوم البعث الذي وُعِدنا به لِنُساق إلى الحشر والحساب، ثم تُجزى كل نفسٍ بما كسبت، ولا يظلم ربك أحداً . قلت: 🔸سبحان الله! ما أقصر لبثنا في عالَم الدنيا والبرزخ، وكأننا لم نقضِ فيهما إلا ساعة (2). قال: 🔹يبدو لك ذلك والواقع أنها لحظاتٌ بل أقل من لحظات لو قِيسَت مع حياة الأبد التي أمامنا، ولكنها في نفسها كانت كافية لأن ينال الإنسان فيها كماله الذي أراده الله له في عالَم الأبد.. تذكرتُ آيات من القرآن تشير إلى الموقف الذي نحن فيه، فسألته: 🔸أنت من أهل العلم والإيمان، أليس كذلك؟ قال: 🔹وكيف علمت هذا؟ قلت: 🔸لا أعلم أنت من أيّ أمّة و أيّ جيل، ولكن الله تعالى أخبرنا في كتابنا القرآن بقوله: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )، فعلمتُ عندما أخبرتني بيوم البعث، وبحقيقة مقدار اللبث في عالم الدنيا والبرزخ أنك من الذين أوتوا العلم والإيمان. توقفت عن الكلام، ثم نظرت إليه متسائلاً: 🔸 قل لي بالله عليك من أيّ أمّة أنت؟ ----------------- (1): عن رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: يبعث الله يوم القيامة ناساً في صور الذرّ يطُؤهم الناس بأقدامهم ، فيقال ما هؤلاء في صُوَر الذرّ ؟ فيُقال هؤلاء المتكبرون في الدنيا. (2): {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِين} ( الأحقاف 35َ ) #يتبع
أنت تقرأ
امواج القيامه
Espiritualتتكلم عن قيام الساعه ويوم الورود والحساب ودخول الجنه والنار وشفاعة اهل البيت الجزء الثاني من كتاب فوق اجنحة البرزخ للكاتب عبدالرزاق الحجامي