_لَم يعُد بِوسعِ المرءِ أن يقول بأنه مُتعَب و يودُّ فَقط أن يعودَ إلى البيت، لأنَ البيت تَغير، تغيرَ كثيراً.
.
في طفولتي..
كُنتُ أمتلِكُ صديقاً،
يُشبِهُني تَماماً،
ولا نُشبِهُ الجَميع،
كُنا نَلعبُ بِالقُربِ مِن صبارةٍ كبيرة،
وعِندَ حلولِ المَساء نعودُ مُمتلئينَ بالجروح،
والكثير مِن الضَحِكات،
في أيامِ الصيفِ الحَارة،
نَسرِقُ الثلجَ مِن ثلاجةِ جدتي،
ثُمَ نأكلهُ بِجانِبِ القطةِ الكسولة،
نلعبُ الغُميضة في حقولِ الذُرة،
وعندما يُخبِرُني بأنه رأى فزاعةً تمشي،
نبدأ بالجري حتى نخرُجَ مِنه،
كُنا نلعبُ على ضِفةِ النَهر،
ونُحاولُ الامساك بالسلاحِف،
التي تقفزُ في الماءِ فورَ تَحرُكِنا تِجاهها،
اتسائلُ ماذا يوجد خلفَ تِلكَ الغابةِ الكثيفة،
تُخيفُني فكرة وجود الكثير مِن الفزاعات المُخيفة داخِلها،
أحاولُ عدَّ الأشجارِ لكنها تَتخطى الرقم عشرة،
والكثير مِنه،
وفي يومٍ لطيف،
كُنتُ أُمسِكُ بِزهرةٍ جميلة،
ونمشي إلى مَكانِنا المُعتاد،
مُتفاخِراً بِما وجدت،
يُخبِرُني بأنه سيجدُ شيءً أجملَ مِن الزهرة،
وعِندما وصلنا،
كانَ بِقُربِ الصبارة عصفورٌ صغير،
أردتُ أخذه والأحتفاظَ بِه،
لكنه لم يتحرَك إطلاقاً،
وكانت عيناه مُغلقتان،
حاولنا إيقاظَه..
وبعدَ الكثيرِ مِن المُحاولات،
أخبرني بأنهُ رُبما قد مات!
على الرغمِ مِن أني كُنتُ أبلغُ السابِعة،
إلا أني شعرتُ لِبضعِ دقائِق،
بأني لا أعرفُ معنى هذه الكلمة،
ولكِن..
أليسَ الموت هو أن ينتَقِل الشخص إلى حياةٍ أُخرى؟
ثُمَ هذا العصفور الصغير ذهب دونَ والديه أو أصدِقائه؟
في تِلكَ اللحظة بدأتُ أبكي بُكاءً مُؤلِم،
أخبرتهُ بأني لا أريدُ أن يموتَ العصفور،
لا أُريد لأحدٍ أن يذهبَ وحدَه إلى عالمٍ آخر،
وبعد الكثيرِ مِن الدموع،
قررنا أن ندفنَه بالقُربِ مِن صبارتنا،
وضعتُ زهرتيّ الجَميلة عليه،
واولَ صدمةٍ أتلقاها،
بدأت الحياةُ بعد ذلكَ بأخذ مُنعطفات صعبة،
الكثير مِن الألم،
حتى نسيتُ أولَ صدمة،
سافرتُ إلى بِلادٍ بعيدة،
وتركتُ صديقيَّ وحيداً،
إلتقيتُ بالكثير مِن الأصدِقاء،
لكنهم كانوا مُجرد عابِرين،
مَلئت الصدوعُ قلبي،
لكنَّ الزهورَ لم تنبُت فيهِ كما تفعلُ بينَ صدوعِ التُراب،
أحببتُ وكانَ حُبيَّ الأول ساماً،
وثقتُ بالكثير وخُذِلتُ مِنهُم جميعاً،
وفي كُلِ مرة كُنتُ أبكي وكأنها المرةُ الأولى،
أتعلمُ يا صديقي..
لم تَعُد الحياة جميلة و مُمتِعة كما كانَت مَعك،
وعِندما عُدتُ إلى موطني،
رغبتي بالبُكاءِ قد إزدادت،
لازالت الصبارةُ تنتَظِرُنا،
لازالت تشهدُ على وعدِنا بأن نعودَ يوماً كما كُنا،
حقلُ الذرة ينتَظِرُنا،
والغابةُ أيضاً تنتَظِرنا،
وأنا هُنا أنتظِرُك،
لكنكَ لن تأتي،
بقيَّ مَكانُنا كما هوَ،
لكنهُ تغيرَ كثيراً،
الطِفل ذو السبعِ سنوات،
والذي كانَ يبكي لأنَّ عصفوراً قد ذهبَ وحدهُ إلى عالمٍ آخر،
أليوم يبكي لأنهُ تركَ صديقهُ يذهبُ وحيداً..
إنتهى☁