رمادِّي

590 20 5
                                    

"هذه التَعاسة الرماديّة في عينيك ما سرُّهاوماذا أستطيعُ أن أفعل كَي ألونها؟"

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.

"هذه التَعاسة الرماديّة في عينيك ما سرُّها
وماذا أستطيعُ أن أفعل كَي ألونها؟"

.

844

كُنتَ في المَقهى المُجاوِرِ لِمنزِلِكَ، مُتجهِمَ الملامِحِ عابِساً كَما لو أنّكَ قد رأيتَ شخصاً يحتَضِر،
تُتابِعُ عيناكَ حركةَ المُرورِ خارِجاً بِتفكيرٍ بعيد،
وشُرودٍ مَلحوظ، هل فوّتَ برنامَجكَ المُفضَل حتى يَنتشِرَ كُلُ هذا البؤسِ مِن حولِكَ؟

هل أتاكَ ساعي البَريد بِرسالةٍ أعادَت إليكَ ذكرياتٍ حزينة؟

أم أنَّ العملَ الذي يُصاحِبُكَ في كُلِ يومٍ قد أتعبَكَ اليومَ كثيراً؟

هل إستيقظتَ بِمزاجٍ ساعدَكَ على تَخطي جَريدة الأخبار الصباحية وتجاهُلِ صوت القِطة أمامَ منزِلِك؟

لم يكُن في المَقهى أحدٌ سِوايّ وأنتَ أيُها الرمَاديّ التَعيس،
أو أنَّ هذا ما أختَلقتهُ مُخيلتي فَحسب!
يصِلُكَ كُوبُ القهوةِ الثالِثَ مُنذُ أن أتيت،
أُلقي نظرةً على كُوبيَّ الأول، لايزالُ شِبهَ مُمتلِئ،
ماذا لو إقتربتُ مِنكَ أكثر؟

هل ستُقرِضُني شفتاكَ كَما تُقرِضُها لِكُلِ تِلكَ الأكواب؟

ماذا لو لاحظتَني صُدفةً وتعانَقت عيناكَ بِعيناي؟

هل سُتميزُ الحُبَ المُندَفِعَ في نَظراتي؟

هَل سَيبتلُ مِعطَفُكَ الأسودُ بِسيلِ مَشاعِريَّ الفائِض؟

ألم تكُن سَنتانٍ كافية لِخلقِ حديثٍ عابِرٍ بيننا؟

في هَذا الصَباح أغلقتَ بابَ منزِلِكَ مُتجِهاً إلى عملِكَ المُعتادِ بِملامِحٍ ضَجِرة، تَنتظِرُ مُرورَ اليومِ بِسُرعةٍ كَ كُلِ يوم، غيرَ أنكَ قد نسيتَ وِشاحَكَ الأحمَر،
وعلى ما يبدو أنَّ الطقسَ بارِدٌ اليومَ على غيرِ المُتوقَع،
لَم أعهدكَ مُحِباً لِذَلِكَ اللون، بِخزانَةٍ سوداءَ قاتِمة ما كانَت عليهِ ألوانُكَ،
لطالَما تسائَلتُ هل كانَ هذا الوِشاحُ لِشخصِكَ المُفضل والمَجهولِ بالنسبةِ لي؟
هَل هيَ جدتُكَ؟ حبيبَة المدرسةِ؟ أو رُبمَا صديقٌ قديم؟
تَرتسِمُ تعابيرُ الغضبِ على مَلامِحِكَ ثُمَ سُرعانَما تعودُ أدراجَكَ إلى الداخِل، لِتخرُجَ بعدَ بِضع دقائِق،
وكما توقعتُ تماماً، يُعانِقُ رقبَتَكَ وِشاحٌ أحمرَ جميل،
في المَساء تَعودُ مُثقلاً بِخطُواتِكَ كَما لو كُنتَ تَحمِلُ العالَمَ بِأسرِه على كَتفَيكَ،
إرفَع رأسَكَ فَهاَقَد صمدتَ اليومَ أيضاً،
مَهما كانَت الخسائِرُ كثيرةً فَقد خرجتَ مُنتصِراً مُحتفِظاً بِنفسِكَ، مُعيداً الأملَ إلى روحِيَّ مِن جديد.

مَعَ غروبِ الشمس أشعرُ بأنَّ روحَكَ غائِبةٌ مُنذُ زمنٍ طويل، لاشيء يُقرأُ فيكَ سِوى الحُزنُ والألَم،
لو أنَّ الكُرسيَّ الذي تَتكئُ عليهِ الآنَ هوَ روحي،
لما سمحتُ لِلحُزنِ بِإمالةِ ثباتِكَ،
لو أنَّ الدُموعَ التي تُبلِلُ شفتيكَ هيَ دموعي،
لَغسلَت رمادَ قلبِكَ المُنطفِئ،
لو أنَّ الصورة التي بينَ يديكَ كانت وجهي،
لَجعلتُكَ تَتأملُ حُباً لا إنكسار،

قِف على أحزانِكَ وخبِئ الماضِي في صفحاتِ كِتابٍ قديم، أمسِك بيدِكَ وشُّدَ عليها، دَع قلبَكَ يطمَئِنُ بأنكَ لازِلتَ مَعه، بأني سأكونُ دَوماً مَعه، قُل لِلحياةِ بأنَّ اليوم وكُلُ يوم هوَ مِلكٌ لك،
ثُمَ أعِد إشعالَ نارِ شمعتِكَ،
وأعلَم بأنَّ رُوحي معكَ وإن إشتدَ ظلامُ الطَريق.


إنتهى☁

مُبَعثرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن