مضت ستة أشهر منذ أن غرقت وولدت من جديد. أيقنت بعد هذا الوقت أنه من المحال أن يكون ما يحدث لي مجرد هلوسة. أستطيع أن أشعر بالألم إن تم وخزي، أستطيع أن أشعر بالبرد عندما أكون وحدي، وبالدفء عندما تحضنني المرأة التي أنجبتني. أشعر بالجوع والشبع، أستطيع التذوق والتعرف على الروائح. أنا على قيد الحياة بلا شك. إنه أمر يفوق الخيال في كل مرة أفكر فيها بما حصل لي، كيف لشيء كهذا ان يحدث؟ هل حدث هذا لشخص من قبل؟ ام أنه حدثت معي طفرة شاذة؟ أسئلة كثيرة لا أجد لها أي إجابة مهما فكرت فيها.
لقد أطلقا علي اسم "كونور". دوما ما كانا يحملاني وينادياني به. لا أستطيع الى الآن فهم ما يقولانه والداي الجديدان بشكل كامل، لكن هذه ليست بالمعضلة الكبيرة، فقد أحرزت تقدما ملحوظا في فهمهما. أستطيع تمييز عدة كلمات بسيطة، تلك الكلمات اللاتي يقلنها الأمهات لصغارهم في العادة، مثل "أحبك" و"صغيري" و"هل أنت جائع؟". كان هذا في بادئ الأمر، ثم بدأت أبني على تلك المعرفة البسيطة فهمي لأركان هذه اللغة. حاولت أن أنطق ببعض الكلمات لكن لم أتمكن من ذلك، كل ما كان يصدر مني هي لعثمة أطفال غير مفهومة، يبدو أن سبب ذلك أن لساني وتجاويف فمي غير مهيأة بعد للنطق بشكل سوي. كانت والدتي كلما رأتني أفعل ذلك تنظر إلي بسعادة وتقول "يا لظرافتك!" أو هذا ما كنت اعتقد أنها تقوله على الأقل. أستطيع أيضا تمييز اسم والدي ووالدتي. كانت تدعى والدتي بـ "زارا" ووالدي بـ "أوليفر".
إنه لشعور غريب حقا! كيف يمكنني أن أصف ذلك؟ أن تكون شخصا بالغا في ذاتك، وتدرك تماما ما يدور حولك بجسد طفل رضيع. حسنا، ربما لا أدرك تماما كيف انتهى المطاف بي كطفل رضيع بعد موتي حتى الآن. لكن، ليس هذا هو المقصد. بسبب هذا الأمر، لم أكن أتصرف كباقي الأطفال، لم أكن أبكي أبدا كأي طفل طبيعي، فبالنسبة لي لم يكن لدي أي سبب للبكاء. ولم أكن أضحك وأبدي أي مشاعر بهجة عندما كان والداي يلاعبانني، فتلك الحيل لم تكن تثير بهجتي بطبيعة الأمر. لكن، بدأ والداي يشعران بالقلق، "كونور، صغيري!" قالت زارا، متبعة ذلك بكلمات لم أعرفها بعد، لكن فهمت تماما ماذا كانت تريد أن تقول. تستطيع أن ترى القلق في وجهها. كانت تحملني وعيناها تتلألأن، تكاد أن تفيض بأي لحظة. لا بد أنها أيقنت بأنني لست بطفل طبيعي في النهاية وأنني أعاني من علة ما، خصوصا ان هناك عدة أطباء شعبيين قاموا بفحصي لإيجاد مسبب لعلتي بلا جدوى.
...
في إحدى الليالي، بينما كان أوليفر نائما بعمق. رأيت زارا وهي تقوم من الفراش، ثم ذهبت إلى الأريكة في الغرفة. كانت الغرفة معتمة تقريبا، لكن استطعت أن أراها من على مهدي. جلست زارا على الأريكة، أشبكت أصابع يديها سويا ثم أرخت بناصيتها عليها. جلست على هذه الوضعية لدقائق. ثم، بدأت تذرف دموعها، بصوت خافت، لألا توقظ أوليفر. لم تستطع زارا النوم في تلك الليلة، قلقا علي تتمتم ما الذي يجب عليها فعله، لعدم معرفتها علتي. اعتراني شعور غريب داخل صدري عندما رأيتها بهذا الحال. شعور لا أذكر أني شعرت به. قبل أن أدرك، بدأت عيناي تفيضان كذلك. لم أستطع تمالك نفسي. كلما رأيتها تذرف دموعها وتبكي أكثر وأكثر، كلما اشتد هذا الشعور داخلي أكثر. هذا صحيح، دوما ما كنت وحيدا. لم اعتد في حياتي أني قد أرى شخص ما قلق للغاية هكذا لأجلي. لم اعتد أن أستقبل كل مشاعر الحب الغير مشروط هذا من قبل. كنت أعلم أن زارا تحبني، لأنني ابنها، وهذا أمر طبيعي. لكن، الآن.. الآن أنا اشعر بحبها يلامس قلبي وروحي.
أنت تقرأ
꧁ العصر الجديد ꧂
Fantasíaاكتمل المجلد الأول. [مقدمة، ١٣ فصل أساسي، ٣ فصول جانبية] الغلاف وجميع الصور المضمَّنة بالرواية هي من رسمي.. أتمنى أن تحوز على إعجابكم. نبذة: رجل في منتصف العمر، شغوف بالعلوم منذ صغره. أفنى عمره في الأبحاث تحت إشراف بروفيسور، إلى أن تمت سرقة جهوده م...