فصل جانبي (2): لا أحد مدين لي

58 6 94
                                    

[منظور رودولف]

في إحدى الأيام الباردة.. بينما كنتُ متَّكئًا على حائط في إحدى الأزقة، راودتني العديد من الافكار عمَّا مضى. إميليا، جدي، وتلك الحادثة التي كانت مع الغيلان أمام الكهف.

.

.

.

ففي ليلة تلك الحادثة، أتت إميليا برفقتي إلى منزل جدي الكهل؛ حيث سعِدَ واطمأنَّ أخيرًا برؤيتها بعد انقطاعها لعدة أسابيع. ظننتُ في تلك الليلة، أنَّ كلَّ ما جرى من مخاطر في ذلك اليوم، كان ثمنًا لتلك اللحظة.

كنتُ مُرهَقًا للغاية تلكَ الليلة، بعدَ كل ما مررنا به. فهمَمْتُ للذهاب إلى النوم باكرًا. لكن أثناء مروري بجانب غرفة المعيشة، سمعتُ حديثًا لجدي وإميليا. توقَّفتُ عندها مُسترقًا للسمع.

"إميليا.. بُنيَّتي". ناداها جدِّي، أثناء جلوسه على مقعده بجانب المَوقد. ثمَّ أتبع: "أعي تمامًا مقدار الحِمل - الذي تحملينه على كاهلك. أعي - أنَّ كل ما تقومين بفعله، هو لتأمين لقمة العيش لهذا المنزل. لكن، كلِّي رجاء.. أن لا تُعرِّضي حياتكِ للخطر في مهمَّاتٍ خطرة". قام جدِّي بالقبض على عكازته، ثمَّ أتبع: "فأنا لن أسامِح نفسي أبدًا إن فقدتُّكِ - كما فقدتُّ ابني.. راين".

استمعَتْ إميليا لحديث جَدِّي، بينما كانت تُحدِّقُ بحزن في كوبٍ ساخنٍ من الشاي في يديها. والِدتي، التي لطالما كانت تُشِع بالحيوية والسعادة كُلَّما أتت لتراني، على الرغم من عِنادي وتعنُّتي الدائم لها. لم أتصوَّر يومًا أن أراها بتلكَ الهيئة.

أتبَع جَدِّي قائلًا: "أُشفِقُ على رودي، لفِقدانه والده راين. آخر شيء أريده هو، أن ينمو هذا الفتى.. فاقدًا والِدتَهُ كذلك". ضحِكَت إميليا بحسرة من خلال أنفها، ثمَّ قالت: "لا تقلق بشأن ذلك يا عمي.. فـ رودي - لا يهتم بشأني وشأن ما أقوم به على أي حال". جرت دمعة على خدِّ إميليا، ثمَّ أتبعت بابتسامة تكسوها الحسرة: "هه.. في أسوأ الأحوال.. لن يحزن رودي إن فقدتُّ حياتي في مهمَّةٍ ما، لذا - لا تقلق بشأن ذلك يا عمِّي".

شدَّ جدي بقبضته على عكازته، ثمَّ قال: "تبًّا.. لا تقولي شيئًا كهذا مجدَّدًا يا صغيرتي.. فـ رودي - لا يزالُ صغيرًا وبِحاجتكِ في حياته". قام جدِّي بالسُّعال، فسقطت عكَّازته من يده. قامت إميليا بالتقاط العكاز فورًا. ثم أتبع: "لولا ضعفي هذا.. لواصلت عمل الفِلاحة في الحقول. لكن...". قاطعته إميليا قائلة: "لا تقُل هذا يا عمي!". ثمَّ ابتسمتْ ابتسامة خفيفة وأتبَعتْ: "لا تقلق على شيء رجاءًا.. كان ما تفوهتُ بهِ دعابة وكلامًا عابرًا لا أكثر هه ههه". لكن، كنتُ على يقين، أن ما قالتهُ إميليا للتو كان نابِعًا من كيانها. الذي كانت دومًا ما تحرصُ على إخفائه عنَّا. كانت تلكَ لحظتها القصيرة، التي تمكَّنا من خلالها رؤية ما بداخل درعها المتين.

꧁ العصر الجديد  ꧂حيث تعيش القصص. اكتشف الآن