الفصل السادس: رحلتي الأولى - لنذهب إلى العاصمة

84 13 23
                                    

مضت سنتان من الزمن، أبلغ اليوم ثمانية سنوات. منذ ذلك الوقت الذي أنجزت به جهاز الشحذ، بدأ يزداد إنتاج الورشة. استطاع أوليفر من توسيع ورشته، وزيادة عدد أفرانه، وتوظيف المزيد من الفنيين. بالإضافة إلى إشراف بيلدون على صناعة المزيد من أجهزة الشحذ، معتمدا على ذلك بصنع القوالب من التروس الخشبية التي صممتها مسبفا. ومن ثم تجميع قطع الجهاز تباعا. وتعليمه الطريقة المثلى لصنع أشرطة الشحذ. كما قمت كذلك مؤخرا بتصميم وصناعة النموذج المحسن منه. حيث يكمن الاختلاف في هذا النموذج بعدم الحاجة لصنعهم لأشرطة شحذ، حي يكون الشحذ مباشر من حجر شحذ معاد تشكيله إلى شكل قرص دوّار؛ يتم شحذ النصل مباشرة عليه. لكن، يعيبه وزنه الزائد وصعوبة الصنع على الرغم من إنتاجه الأفضل وعدم الحاجة صنع أشرطة خاصة بها.

...

كان بيلدون شغوفا للغاية في الصناعة. في الحقيقة، أدين له بالكثير لوقوفه بجانبي ومساعدتي كثيرا بها. لذلك، أردت أن أكافئه بتصميم دراجة هوائية بدائية له. فَرِح بيلدون كثيرا بها، لدرجة أنه قام بصنعها بنفسه معتمدا على التصميم. حيث قمت بتعليمه مسبقا كيفية قراءة التصاميم وأخْذ القياسات بشكل مبسط مستعملا أدوات القياس؛ أصبح يستعملها بتنقلاته بكثرة في أرجاء القرية، حيث وفرت عليه الكثير من الوقت والجهد، وكان لطيفا كفاية ليقوم بصنع دراجة أخرى أقل حجما لي دون أن أطلب منه ذلك.

...

أصبح منزلنا أكثر حيوية. هذا صحيح، أصبحتُ أخا كبيرا. لقد أنجبَت زارا توأمين جميلين قبل سنة تقريبا، فتاة قد سمتها زارا بـ دورثي، وفتى سماه أوليفر بـ إيلون. حيث وُلِدت دورثي قُبيل إيلون بلحظات، مما يجعلها نوعا ما أختا كبيرة له. ورِثَت دورثي وإيلون عينا زارا الزرقاوتان، بينما ورِثَت دورثي شعر أوليفر الأشقر وإيلون شعر زارا القرمزي. بالتحديق على إيلون جيدا، أظن أنه هو الأقرب شبها لزارا من بيننا؛ أما أنا فقد ورِثتُ عينا أوليفر الخضراوتان وشعر زارا القرمزي. لحسن الحظ، يبدو على دورثي وإيلون أنهما طفلان طبيعيان. لذا، لن تضطر زارا لِأن تمر بتلك التجربة المريرة من القلق والحزن كالسابق.

مع ازدياد حجم وكفاءة الورشة وعدد العاملين بها، قلّ عمل أوليفر الجسدي؛ وأصبح يقتصر عمله غالبا على الإشراف على كافة العمليات. على الرغم من ذلك، لم يعد بحاجة للبقاء حتى أوقات متأخرة في الورشة. بل أصبح مؤخرا يقضي بعض الأيام في المنزل، لمساعدة زارا على الاعتناء بدورثي وإيلون؛ بالإضافة إلى مبادرتي بذلك أيضا. خصوصا أن الاعتناء برَضيعَين في آن واحد كان مرهقا للغاية عليها. رضيعَين طبيعيين، فالتجربة جديدة وحقيقية على زارا وأوليفر هذه المرة؛ لأنني عندما كنت رضيعا لم تكن العناية بي مرهقة للغاية هه هه.

...

في الوقت الحالي، أقوم بتجهيز أمتعتي وحاجياتي. فبعد إسبوعين تقريبا سأمضي في رحلتي الخاصة، رحلتي إلى العاصمة دالان؛ لألتحق في الأكاديمية هناك. بينما كنت أجهز أمتعتي، سمعت صوت إيلون وهو يغمغم. التفت نحو الباب، فوجدت زارا واقفة هناك؛ حاملة إيلون بين يديها وهي تنظر نحوي؛ بينما كان إيلون يقوم بالشد على قميصها. ترتسم على وجهها ابتسامة خفيفة، وعلى عيناها ملامح الحسرة. "همم؟ أهنالك أمر ما يا أمي؟". سألت زارا. ضحكت زارا ضحكة خافتة، ثم قالت: "لا شيء يا عزيزي". سكتَت قليلا، ثم أتبعَت: "مضى الوقت سريعا.. لازلت أشعر أني قُمتُ بتعليمك القراءة والكتابة البارحة". زارا على حق، لقد مضى الوقت بسرعة حقا. الأطفال عادة ما يشعرون بمرور الوقت ببطء، ذلك بسبب مرورهم بتجارب عديدة وجديدة عليهم. على الرغم من مروري أنا أيضا بتجارب جديدة عَلَي، حيث أنني أعيش في عالم جديد كليا. لكنها في كل الأحوال، لا تقارن بما يعيشه طفل لا يملك أي تجربة كليا.

꧁ العصر الجديد  ꧂حيث تعيش القصص. اكتشف الآن