الجزء 07

541 33 0
                                    

تستلقي نتاليا فوق فراشها وتمسك بين يديها فنجان من القهوة السادة وتغوص في تلك الموسيقى الهادئة التي تنبعث من الجهاز الذي تضعه دائما على مقروبة منها تنعم بلحظات جميلة تختلي فيها بنفسها هروبا من ضجيج هذا العالم، تضع الفنجان جانبا وتغمض عينيها محاولة أن تفرغ كل تلك الطاقات السلبية التي تعرضت لها اليوم وتطردها من مخيلتها لتصل عند تلك الصورة التي غيرت ملامحها لتجعلها تميل إلى العبوس والغضب، لقد كانت لتلك الفتاة المغرورة ذات الشعر البني القصير نوعا ما والملامح القاسية والباردة، تفتح نتاليا عينيها في هذا الوقت وتقول: هذه لا أرغب في طردها من مخيلتي ثم تصمت قليلا وتقول: لي معها حساب ويجب تصفيته لتتعلم الأدب. في جهة أخرى تتحدث كل من مشلين ولارا عبر الهاتف فتعلوا ضحكات مشلين لأول مرة بعد ثلاث سنوات من الحزن والقسوة والألم والعذاب الداخلي الذي لا يصدر صوتا لكنه مؤلم بطريقة لا تحتمل، تقترب فادية من باب غرفة مشلين رغبة منها في أن تذهب وتطمئن على إبنتها وتغطيها كما إعتادت أن تفعل منذ زمن، لكن يستوقفها صوت مشلين الضاحك وهي تتحدث عبر الهاتف فتبتسم فادية شاعرة بالراحة على إبنتها التي كانت في يوم ما شبه عديمة الإحساس بقلب ميت.
صباح جديد مليء بالسعادة رغم قسوة الجو الذي كان ممطرا وشديد البرودة، ترتدي مشلين ملابسها بسرعة وتجلس على طاولة الإفطار بعد أن ضمت أمها وقامت بتقبياها ما يفوق العشرة قبل، فادية بضحك: هه ما كل هذا الحماس يا عزيزتي؟ ترد عليها مشلين بفرح وقد تجلى هذا على ملامحها: إنه ثاني يوم لي في الجامعة وأنا متحمسة جدا. فاديا بسرور: دعواتي ترافقك يا حبيبتي عساني أعيش لليوم الذي أراكي فيه  طبيبة متمكنة ومتفوقة. تضم مشلين رأس أمها بكلتا يديها وتطبع قبلة على جبينها وتقول: دمتي لي يا أحلى ام فالكون كله.
الساعة الثامنة صباحا تفتح الجامعة أبوابها لتتوافد حشود كبيرة من الطلاب، تبحث لارا والتي تقف وسط مجموعة من الفتيات بعينيها عن مشلين في الأرجاء لكنها لم تجدها، في هذه الأثناء وعلى مقروبة منها كانت تقف فرح والتي لازالت تستشيط غضبا وكراهية من مشلين التي أصبحت في يوم واحد الأقرب من لارا فتقول بسخرية: لارا أتبحثين عن شي؟ فهمت لارا قصد فرح لكنها تجيبها ببرود: أنتظر مشلين هل لديكي مانع؟ تحرك فرح رأسها نفيا وتصمت فهي تدرك أنه ليس من مصلحتها أن تنشأ عداوة مع لارا. لحظات وتأتي مشلين رفقة صديقتيها هند ومايا لتراهم لارا فتترك الفتيات وتذهب بإتجاههم ملقية عليهم التحية، غير أن تحيتها لمشلين كانت تختلف كل الإختلاف عن البقية فقد رمت نفسها في حضن مشلين تضمها بقوة لتبادلها الأخرى نفس ذلك الحضن وبنفس القوة، تتحدث هند مازحة: ليتني أحظى بمثل هذا الحضن يوما ما، تنظر لها مايا وتقول بدلع: تعالي يا سيدتي فأنا بالخدمة. تنفجر الفتيات ضحكا عليها، يمر بعض الوقت وتفترق الفتيات بعد أن رن الجرس معلنا وقت الدخول. تجلس كل من مشلين ولارا في الصفوف الأمامية تتبادلنا أطراف الحديث وسط ذلك الصخب والضجيج المحيط بهم من الطلاب، لحظات ويعم الصمت في كل القاعة معلنا ودخول الأستاذة نتاليا والذي لم تنتبه منه مشلين وتكمل حديثها مع لارا والتي تقوم بركل قدمها لكي محاولة ان تجعلها تصمت لتقول مشلين بعبوس: تبا أيتها الصغيرة لم تركلين قدمي؟ لارا بصوت هامس: الأستاذة هنا. تدير مشلين نظرها لتجد نتاليا تنظر لها بغضب وتقول: أنتي هذا آخر إنذار أوجهه لكي إنتبهي، تنظر لها مشلين من رأسها لأسفل أقدامها وتبتسم إبتسامة جانبية وتقول بسخرية: حسنا. تبدأ المحاضرة بعد ذلك الكل منتبه يصغي لشرح الأستاذة بتمعن وإهتمام ما يقارب النصف ساعة، تجلس نتاليا فوق مكتبها وتقول: أهناك من لم يفهم شيئا؟ ترفع مشلين يديها وتقول: أنا لم أفهم، تنظر لها نتاليا والتي تعلم أن مشلين فهمت الدرس لكنها تدعي عدم الفهم فقط كي تستفزها وتقول: حسنا أخبريني ما إسمك؟ مشلين بغرور: أدعى مشلين. تقف نتاليا في هذه اللحظة وتقول: حسنا يا آنسة مشلين تعالي إلى المنصة ستعيدين تقديم الدرس ويمكنك التوقف عند الشي الذي لم تتمكني من فهمه، تقف مشلين شاعرة بالخيبة لأنها لم تتمكن من مضايقة تلك الأستاذة التي لم تتأقلم معها بعد ولم تحبها ثم تمشي بخطوات ثابتة وشموخ لتصل للمنصة وتبدأ بتقديم الدرس على مقروبة من نتاليا والتي تنبهر بطريقة مشلين في تقديمها للدرس لتتوقف مشلين وتقول: ماهو الفرق بين الأوردة والشرايين؟ تبتسم نتاليا وتقترب من مشلين وتبدأ بالإجابة على السؤال بأدق التفاصيل وتقترب من مشلين بطريقة مستفزة رغبة منها في إزعاجها وتنجح في ذلك بجدارة فقد بدأت ملامح مشلين تتغير وتنزعج من طريقة نتاليا والتي تعاملها كأنها طفلة صغيرة أو كأنها لا يمكن أن تستوعب المعلومة إذا كانت نتاليا بعيدة عنها، تنهي نتاليا الشرح وتنظر لمشلين مبتسمة وتقول: هل فهمتي الآن؟ ترد عليها مشلين ببرود: نعم فهمت، لتقول نتاليا بصوت لا تسمعه سوى هي ومشلين: أووووف أخيرا  إستوعبتي المعلومة، في هذه الأثناء يرن الجرس ويغادر الجميع القاعة لتخرج مشلين رفقة لارا والبنات لكنها لا تزال في قمة الغضب من تلك الأستاذة التي عكرت مزاجها، تنظر مشلين نحو لارا وتستأذن منها لتقوم بشيء وتعود، تذهب مشلين متوجهة لمكتب نتاليا تدق الباب عدة طرقات ليأتيها الرد فتدخل، تنظر لها نتاليا نظرات ساخرة وتقول: ماذا هناك ألم تستوعبي الدرس بعد؟ مشلين بعصبية: مالذي كنتي تقولينه منذ قليل بحق الجحيم؟ أتظنين أنني غبية ولا أفهم؟تنظر لها نتاليا بطرف عينها وتقول: أخرجي من أمامي الآن.  تخرج مشلين من المكتب صاعقة الباب خلفها وتذهب لتنضم للفتيات تاركة خلفها نتاليا التي تعتدل بجلستها وتقول بغضب:يالها من فتاة مجنونة.

الفاتنة المتمردةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن