الـفـصـل الـثـانـي عـشـر

62 4 3
                                    


الفصل الـثـانـي عـشـر بعنوان : انكسار .

أحيانا نتوهم أننا ربينا اطفالنا أحسن تربية لكننا سرعان ما نصدم بالواقع، عندما نرى جانبهم المظلم الذي لم نعتد أن نراه، عندما نرى كمية الحقد من اناس لا تعرفهم، عندما تلدغ الحية صاحبها، هكذا شعر جمال عندما غدر به أبنه أو العاملة التي لا طالما كان يساعدها .

----------------------------------

يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من يناير:
قبل ساعة ونصف من بدأ الامتحان الساعة السابعة وعشرين دقيقة كان الدكتور جمال وحده في الفرع وما زال باقي الاساتذة لم يأتوا بعد. كان يجلس على كرسيه يضع مرفقيه على مكتبته مسندًا حنكه على باطن يده ينظر إلى الفراغ وهو مهموما، لقد بدا تعيسا تعاسة حقيقية أكثر من أي وقت قد مضى، منغمسًا في تفكير عميق يتذكر ما شاهدهُ ليلة أمس حيث تتراءى له الصورة أمامه، فعتصر قلبهُ ويضيق صدره، كان لا يزال تحت تأثير الصدمة، يحاول أن يكذب ما رأته عيناه ربما هو أصبح رجل كبير وبدأ يتوهم ويتخيل أمور لم تحدث ؟ ولكن لا! ما شاهده كان واقعيًا ومرّ إلى حدّ الغثيان.

كان الدكتور جمال يحاول أن يكذب ما شاهده ولكنه مهما حاول أن ينكر يلكمه (يلچمه) المشهد المؤلم الذي رأته عيناه.

وبينما هو مختنق من الحرقة التي تأكله لم ينتبه على دخول العاملة أم تحسين التي هي الأخرى لم يكن حالها أفضل منه، حيث بدا كأنهُ تل من الأحزان في داخلها قد تراكم ليعلوا إرتفاع جبل شاهق .

كانت عيناه حمراوتان ومنتفختان من أثر البكاء وقفت أمامه برهة من الزمن ثم تمتمت ببعض الكلمات، بيد أن الآخر كان بالهُ مشغولا في عالم آخر، عالم الهموم؛ لذا لم ينتبه إليها عندها خاطبته بنبرة مرتفعة ولكن مرتعشة بآن واحد :
- دكتور ...

ثم أخذت نفس قصيرًا وافصحت بنبرة مهتزة :
- دكتور.. لقد قمت بفعل أثم لا يغفر عليه وها أنا الآن أتيتك نادمة على ما فعلتهُ من سوء وقبح العمل ...


ثم انهارت بالبكاء راكعة على الأرض والدموع تجري من حدقيتيها أكملت بغصة :

- لقد قمت بسرقة نسخة من الأسئلة دون أن تعلم، بعد أن تركت مكتبك، ذهبت ونقلت نسخة من الأسئلة إلى الذاكرة الخارجية (الفلاش) التي قدمها لي الدكتور ضامر، لقد اغواني على ارتكاب هذه الحماقة وأطمعني بالمال من أجل إنقاذ ولدي..

ارتعشت شفتيها لدي ذكر الكلمة الأخيرة وهطل غيث من مقلتيها بغزارة ثم أكملت بحشرجة وهي تنظر إلى الفراغ كأنها تحدث نفسها :
- بعد أن استلمت المبلغ جاءني بصيص من الأمل بأن أنقذ أبني وأجري لهُ العملية، ولكن الذي حدث هو أن ولدي ساءت حالته كثيرًا ودخل في غيبوبة مما داى إلى رفض الأطباء أن يفعلوا له الجراحة، وقالوا أن فرصته بالنجاة ضئيلة إلا إذا حدثت معجزة، وقتها قلت ربما يكون الله قد عاقبني على مافعلته لك؟ وخصوصًا أنا امرأة مؤمن بالله، وعقب كل هذه السنين تدنو نفسي إلى المنكر لذلك ...

رُبِّ ضارة نافعة || تأليف د. الاء حيث تعيش القصص. اكتشف الآن