عاد سليم لمنزله في وقت متأخر، لا ينكر أنه قد قضى وقتًا لطيفًا بصحبة زين وأصدقائه، أو بالمعنى الأصح جيرانه، فقد اكتشف أن زين مثله لا يستطيع تكوين صداقات وليس لديه أصدقاء بالجامعة، ولكنه كان أكثر حظًا منه في كونه قد تربى مع جيرانه وأصبحوا أصدقاء منذ الصغر حتى الآن، ولكن أكثر ما أشعره بالراحة كونهم استقبلوه بينهم وكأنه فرد منهم وليس شخصًا غريبًا، في الواقع اليوم هو اليوم الوحيد الذي لا يشعر فيه بالغربة ويضطر للجوء لسماعاته ليعزل نفسه ويهرب من هذا الشعور الكريه، رغم كونه ما زال يشعر بالتوجس تجاه زين، لا يصدق أنه اعتبره صديقًا له بهذه السرعة، ولكن - وكما تصرف مع عدة أمور مؤخرًا - سيترك كل شيء ليأخذ مجراه، كمتفرج وليس كشخص يعيش تلك الأحداث.
بينما كان يتوجه لغرفته قابل والده الذي كان يتجهز للذهاب للمستشفى، رمقه والده بحيرة ولكنه آثر الصمت وتوجه للخارج، أغلق سليم باب غرفته ورائه وألقى بثقله فوق فراشه، ما كانت إلا دقائق معدودة حتى سمع صوت المفتاح يُدار بالقفل وأحدهم يدخل للشقة، ربما هو علي، فقد سمع صوت والده يتحدث مع أحدهم وهو يعلم أن والدته تفضل للذهاب لقضاء الليلة مع شقيقتها بأيام معينة بالأسبوع، ولكن أذنه لم تلتقط ما قاله والده موجهًا حديثه لعلي:- لسه راجع من شوية شوفه كان فين.
نظر له علي باستغراب وكرر عبارة والده:
- لسه راجع؟
أومأ والده وقال:
- أه، روح كلمه وخليه يحكي لك.
هز علي رأسه موافقًا، ثم ابتسم وقال:
- ما دام قلقان عليه، ليه الحرب اللي عاملينها في البيت دي؟
تنهد وأجاب:
- أنت عارف إن أخوك رأسه جزمة وعمره ما هيقبل بحاجه اتفرضت عليه.
- بس يا بابا أنت عارف إنه رغم إنه عنيد، إلا إنه طيب وأكيد لو اتكلمت معاه وفهمته هيعدي.
زفر بتعب وقال بيأس:
- يا ريت والله، المهم روح أقعد معاه أنت وأنا ماشي.
أومأ علي وتوجه نحو غرفته، بعد عدة لحظات دلف علي الغرفة مرهقًا وألقى بجسده على فراشه مثلما فعل سليم، نظر لشقيقه بتعجب من ملابسه وقال:
- أومال أنت كنت فين؟
زفر سليم بينما حدق بسقف غرفته وأجاب:
- خرجت مع واحد اتصاحبت عليه في الكلية.
ابتسم علي وقد شعر بالسعادة كون شقيقه قد بدأ يخرج من قوقعته وقال ممازحًا:
- طب كويس والله، كنت بدأت أشك فيك وقولت كلها حبة ونلاقيه بيروق وبيغسل المواعين.
نظر له سليم بغيظ ولكنه عاد ينظر للسقف وقال بنبرة خافتة حزينة:
أنت تقرأ
مرآة مزدوجة
Romanceالحياة عبارة عن مرآة مزدوجة، تعكس الجيد والسيء، الحلو واللاذع، الأبيض والأسود، فتصبح أنت أحد تلك الأجزاء الناقصة؛ لتضطر أن تدخل في رحلة بحث عن الشخص الذي يمتلك نصفك الآخر لتكتملا.