جلس سليم يستمع لأغاني هادئة عكس العادة، فهو دائمًا يستمع للأغاني الصاخبة التي تكاد تثقب طبلة أذنه وهو بالأصل لا يحبها، ولكنها تعزله عن الحياة المحيطة به عندما يكون قد طفح به الكيل، كانت نعناعة نائمة بين ذراعيه بينما يداعب شعرها لتغط في النوم، لقد تعلق بهذا الكائن المكسو بالشعر بطريقة لم يتخيلها، فهو لم يبدِ شغفًا تجاه أي نوع من الحيوانات في السابق، ولكن تلك اللطيفة قد سلبت قلبه بسرعة، فبات يشعر بالحزن عندما يتركها للذهاب للجامعة، ولكن لحسن حظه أن والده يبقى بالمنزل، فلا تكون وحيدة، زفر سليم بعمق ونظر للسقف بشرود بينما تلك الموسيقى الهادئة تدعوه للاسترخاء، لقد كانت نعناعة تشبه سبب مجيئها، تستمع له وتميز نبرة صوته من بين الجميع، لقد جعله هذا سعيدًا، على الأقل لديه كيانًا ما يراه مميزًا، شيء يتحدث له غير جدران غرفته، رغم أنها لن تتحدث، لن تنصحه إن كان بحاجه للنصيحة، ولكن على الأقل ستستمع، أغمض عينيه وتنهد للمرة التي لا يعرف عددها، لقد التقى بليلى عدة مرات في الأسبوع الماضي، في الواقع لقد التقيا بشكل شبه يومي، ولكنها كانت لقاءات مقتصرة على بضعة نظرات من على مسافة كبيرة بينهما، لم يتبادلا حتى التحيات، لم يحدث شي لقد عادت حياته لما كانت عليه، وهذا يضايقه؛ لأنه لم يعد مثل السابق، تلك الأشهر القليلة فعلت به الكثير، لقد تغير وتحرر من خوفه، تمكن أخيرًا من كسر حاجز الخوف الذي منعه من التغير، وقد توقع أن تتغير حياته بدورها ويتغير روتينه، ولكن هذا لم يحدث، لقد تحسن مستواه الدراسي، أجل، ولكنه ما زال وحيدًا، فحتى زين لم يعد يتحدث معه منذ ما حدث بينهما، كانت حياته في السابق مؤلمة، ولكن أن يغزو بعض الأشخاص حياتك ويصبحوا جزء كبير منها ثم يرحلوا جميعًا دفعة واحدة أشد ألمًا، وكونه يتألم من هذا جعله يقرر أن سيتحدث لليلى، لتزجره وتفعل ما تريد ولكنه سيتحدث لها، لن يدعها تفعل به ما تفعله الآن، سيعود مثلها توقع سابقًا، فقد حان وقت المواجهة التي ربما قد تكون الأخيرة بحق.
❈-❈-❈
كانت ليليان تضع حاجياتها بحقيبتها لتستعد للذهاب للعمل، بينما راقبتها ليلى بصمت، لقد ابتعدوا عن بعضهما البعض كثيرًا، وهذا يؤلم ليلى بشدة، فليليان تذهب للعمل وتعود متعبة وفي عطلة نهاية الأسبوع تجلس لتدرس ما فاتها، داخليًا شعرت ليلى بأن شقيقتها تتجاهلها؛ لهذا قالت بخفوت:
- ليليان هو أنا زعلتك في حاجه؟
تركت ليليان ما في يدها ونظرت لها بدهشة وقالت:
- لا ليه بتسألي؟
فركت ليلى يديها معًا وأجابت بنفس الخفوت وكأن الحروف تخجل من الخروج:
- أصلك متجاهلة وجودي خالص من ساعة ما بدأتِ تشتغلي.
حدقت بها ليليان لوهلة بدهشة، ثم أعادت كلمات شقيقتها بعقلها مجددًا، نعم هي محقة، لقد تجاهلت وجودها هي ووالدتها، ولكنها لن تقصد هذا، لقد فعلت هذا عفويًا؛ لأنها لم تكن قد اعتادت على هذا الروتين الجديد، وكانت تنوي داخليًا أن تعود كما كانت عليه مع ليلى ووالدتها بعد أن تنظم جدولها، وقد نظمته بالفعل الأسبوع الأول وعلمت ما عليها فعله، تنهدت ليليان توجهت لشقيقتها وعانقتها وقالت بصدق:
أنت تقرأ
مرآة مزدوجة
Romanceالحياة عبارة عن مرآة مزدوجة، تعكس الجيد والسيء، الحلو واللاذع، الأبيض والأسود، فتصبح أنت أحد تلك الأجزاء الناقصة؛ لتضطر أن تدخل في رحلة بحث عن الشخص الذي يمتلك نصفك الآخر لتكتملا.