دلك عمر رقبته بتعب، فقد جلس طويلًا أمام الحاسوب في تلك الوضعية غير المريحة بالمرة، يتصفح الصفحة الرسمية للدار، يرى التفاعل على المسابقات المجانية التي نشرها والتي يعلم أنها ستجمع تفاعلات كثيرة من الكُتاب المبتدئين.
تنهد بتعب وأرجع ظهره للخلف مستندًا على ظهر مقعده، لقد مضى أسبوعين منذ أن بدأ العمل، كل شيء أصبح مستقرًا أكثر من السابق وهذا شيء طمأنه وجعله يعطي نفسه القليل من الراحة مثلما يفعل الآن، بدأ الموظفون يتأقلمون على العمل والاعتياد على بعضهم البعض، فقد كانوا تائهين في البداية لأن معظهم إن لم يكن جميعهم لم يعملوا يومًا وتعتبر تلك الوظيفة هي الوظيفة الأولى الذين حصلوا عليها، كل شيء كان متناغم مع بعضه البعض إلا من شخص واحد، تلك الكتلة من الصمت والتوتر، ليليان، إنها حقًا تحيره، ما زالت حتى الآن غير متناغمة مع البقية، وكأنها تقف في المنتصف بينما القطيع يسير للأمام لتثبت لهم أنها مختلفة وأنها لن تتناغم مع أشخاص مختلفين عنها، لقد أهملها وتجاهلها عمر معظم الوقت بالأسبوعين الماضيين، فمنذ حديثهم الأول والقدر الكبير من الوعي والثقافة اللذان أبتدهما وهو لا يريد أن يتحدث معها مجددًا، ليس لأنها سيئة بل هي ممتازة، لأنه علم أنه لو استمر في محادثتنا سيريد أن يعرف رأيها في كل ما يكتبه، فهي قد أعطته رأيًا لم يرى مثيلًا له يومًا، لقد انتقدته ومدحته في جملة واحدة، كان رأيها مزيجًا من كل ما هو جيد وسيء، وكأنها مرآة مزدوجة تعكس الجيد والسيء في آن واحد، وهو يريد أن يكون غامضًا ونواياه غير معروفة؛ ليضمن سلامه الداخلي، وليحقق طموح الآخرين الذين يتطلعون إليه، فقد اكتشف منذ مدة قصيرة أنه ليحقق الشهرة التي ينشدها عليه أن يحتفظ بمظهر معين، مظهر الغامض الذي يرتدي الأسود دائمًا ويصعب التكهن بتصرفاته، تلك الأشياء تجذب الآخرين، فهذه هي الصورة النمطية للرجل الناجح في عمله المحفورة في عقول الجميع؛ ولهذا كان على عمر أن يطبق تلك الأشياء ليحظى بحضور مهيب يطابق الصورة النمطية المعتادة، ورغم صرامته في الإلتزام بتلك القواعد التي وضعها ولكنه يريد أن يخرج عن النص، أن يكسر ما بناه سابقًا، فقط ليفهمها، فهو يشعر بالفضول الشديد تجاهها وقد حاول إخماد هذا الفضول بداخله ولكنه فشل، سيحاول أن يجد أي عذر ليتحدث معها.
طرق أحدهم الباب ودلف ليتبين أنه محمد الذي كان يحمل إحدى الملفات في يده، كان محمد أحد زملاء عمر في المدرسة والذي لطالما اعتبر عمر صديقًا له، عكس عمر الذي اعتبر جميع من عرفهم قبلًا مجرد زملاء، إلا أنه كان الشخص الوحيد الذي يكن له الود ويمكنه بطريقة أو بأخرى الاعتماد عليه والوثوق به، فبالنهاية الانسان بحاجه لرفيق يساعده في دربه وهو يحتاج لمحمد الذي كان يعاونه كثيرًا في السابق والآن.
وضع محمد الملف على مكتب عمر وجلس على المقعد الجلدي أمامه وقال:
- مش ناوي تريح شوية يا ابني؟ أنت قربت تبقا روبوت.
أنت تقرأ
مرآة مزدوجة
Romantizmالحياة عبارة عن مرآة مزدوجة، تعكس الجيد والسيء، الحلو واللاذع، الأبيض والأسود، فتصبح أنت أحد تلك الأجزاء الناقصة؛ لتضطر أن تدخل في رحلة بحث عن الشخص الذي يمتلك نصفك الآخر لتكتملا.