الفصل العاشر " عودة الكابوس "

71 7 2
                                    

"همم اعيدي ماقلتي ؟ لن تركبي اذن " قال ذلك وهو يتقدم منها..لا تعلم هي لما هربت منها الكلمات والحروف بل تهرب شجاعتها في حضرته..
  " لا لا لم أقل شيئ كنت امزح هه أين الخوذة؟ " اخذتها مباشرة وصعدت على متن الدرّاجة النّارية ..
  " فتاة مطيعة " ثم صعد امامها واكمل " تمسّكي جيدا "
  " لا بأس انا بخير هكذا فلتنطلق فقط"..
  " حسنا " وانطلق مباشرة بسرعة كبيرة كادت هي أن تسقط لولا تمسكها به بقوة واغمضت عينيها..
  "سوف اختنق ونموت كلينا ان واصلتي تمسكك هكذا " قالها و  قلّل السرعة قليلا ثم اكمل بصوت منخفض سمعته هي " لن يحدث لكي شيئ مادمت معك " كانت تلك الجملة كمرهم وضع فوق جرحها فقد كانت مغمضة العينين ترتعش وتفاصيل ذلك الحادث تعود لها..
  خفّفت قليلا من قبضة يدها عليه وامسكت فقط بطرفي قميصه ، سمعته يقول مجددا " يمكنك فتح عينيك ان لم تريدي تفويت هذا المنظر " ففتحتهما تلقائيا كأنها مبرمجة على اطاعة كل ما يقول ، تعلم بداخلها انّها ستكون بخير وكم كانت محقّة في ذلك فقد زال ذلك الخوف كليّا بمجرد رؤية المنظر امامها ، فصرخت في دهشة  حتى يسمعها
  " الهي لم اكن اعلم ان هذا المكان بهذه الرّوعة " لطالما مرّت من هناك مع بسمة في النّهار على ساقيهما فهو عبارة عن ممر ضيق وجد حديثا لا تستطيع السيارات المرور منه ، تصطف على كلا جانبيه اشجار اصطناعية مختلفة الالوان  يُخيّل للنّاظر بأنها حقيقية لبراعة صانعها، معلّقة على اغصانها بعض النجوم والفوانيس لكنّها لم ترها مضيئة أبدا..فقد سمعت بأنها تضيئ فقط في الليلة العاشرة من كل شهر  التي تصادف ليلة تدشين تلك الطريق وهذه الليلة..
  لا يعلم في ما تفكّر الان فقد احس باشتداد قبضتها عليه فظنّها خائفة مجددا ، خفق قلبه عند احساسه برأسها على ظهره وسماعها تقول " شكرا لك " ، راحة لم يشعر بها كلاهما منذ زمن بعيد ، طريق خالية من البشر الا منهما ، صمت محبب لا يكسره الا الصوت القوي لمحرّك الدّراجة ، ولا ننسى نسمات الهواء التي تداعب كليهما..لحظة تمنّيا توقف الزمن فيها ..
  وصلا امام منزلها فنزلت ونزعت الخوذة من رأسها..رأته يترجّل منها كذلك لكنّه مازال يحافظ على خوذته اللعينة.. اغتاظت منه كثيرا فلم تحتمل " هل تخاف ان احسدك على جمالك مثلا !، لما لا تريني وجهك ؟!" اقترب خطوة منها " ممم هل الآنسة ريم متشوّقة لرؤيتي " ارتبكت قليلا لكنها استجمعت شجاعتها وقالت " لا ، لكن هذا ليس عدلا ، لا أحب أن اتعامل مع شخصا لا يثق بي "
  " من قال اني لا اثق فيك!! "
  " ماذا تسمّي فعلتك هذه اذن ان لم تكن خائفا ان اعرفك او شيئ من هذا القبيل "..
وجّه لها نظرة حادة و خرج صوته غاضبا " أوّلا لا تعيدي كلمة خائفا مرّة اخرى على لسانك صغيرتي كي لا يطالك غضبي، ثانيا اني مصاب على وجهي ولا اريد لأحد ان يراني ، هل ارتحتي ؟! والان فلتصعدي حالا ولتحضري الكرة اللعينة قد تأخرت بسببك "
" ح.. حسنا " ذهبت فورا راكضة دون ان تستدير ورائها وبقي هو يلعن نفسه على اخافتها ، لم يقصد ذلك لكنه لا يستطيع التحكم بغضبه ، يبذل جهدا كبيرا معها كي لا يخطئ بشيئ امامها..حتى وجهه لم يردها ان تراه فقط لتفكيره بأنها قد تخافه عند رؤيته..يتذكّر تلك للمرة التي زارها بالمشفى ، أراد أن يكون اول مريض لها فافتعل شجارا ما واصاب يده عمدا..كانت تعالجه لكن عندما رأت وجهه خافت ولم تنظر مرة اخرى عليه لهذا قرّر تغطيته دوما امامها..يظن أنّها خافت من وجهه لكنّه لا يعلم بأن عينيه من اربكتها حينذاك حتى أنها لم تنظر لوجهه قط ولم تنتبه لندبته..
عند ريم كانت قد وصلت لغرفتها وقلبها يدق بسرعة خوفا منه ، وضعت يدها على قلبها حدّثت نفسها « اهدئي يا ريم لا بأس ، أصلا لقد انتهى كل شيئ سيأخذ امانتهم التي كانت وسيطا بيننا ولن تكون لي صلة به مرة اخرى »..دق قلبها بسرعة اكبر حين ادركت مالذي يحدث حقا "لؤلؤتي !!" واخذتها بين يديها تتأمل فيها ، تفكّر كيف ستكون لياليها القادمة دونها، ليست مستعدة ابدا للمعاناة التي كانت تعانيها قبل عام ، نزلت دموعها تواسيها بصمت وطال شرودها حتى ايقظتها رسالته " ان لم تنزلي الان سآتي لاخذها بنفسي ، ليس لدي الليلة بأكملها " مسحت دموعها ونزلت مسرعة ممسكة بالكرة بين احضانها كمن يرفض تركها..
" تفضّل امانتك يا صاحب عيون الصقر " وشدّت على الكلمة الاخيرة ، تقدّم منها بضع خطوات حتى اصبحت لا تفرق بينهم الاّ الكرة ، نظر داخل عينيها مطوّلا وهي كذلك ، امسك بالكرة البلّورية بين يديها وقال بهمس " شكرا لكي يا صاحبة عيون الغزال " ثم أخذها بصعوبة بعد ترددها في تركها له ..
" اذن وداعا " واستدار ليركب فوق الدّراجة النارية ، كان سينطلق حتى اوقفه صوتها
" انتظر ، هل ستدعني هنا ؟ اعدني لمنزل اكرم "
" ماذا تفضلتي انسة ريم ؟؟"
" مثلما سمعت ، لو استيقظوا ولم يروني بما سأفسر ذلك ايها الذكي !!"
" لا توجد عودة وانتهى ، وذاك شأنك بإختلاق كذبة ما " نظر لها ثم اكمل " او قول الحقيقة " كانت ستعترض لكن نظرة من عينيه المخيفتين جعلتها تتراجع عن ذلك..
" اا اذن هل هذا كل شيئ ؟ لن أراك مرة اخرى ؟!" تردد قليلا ثم اجابها .. " لا اعلم ، اظنّ أنه من الاحسن لك أن يكون هذا آخر لقاء ، وسنرى إن كان للقدر رأيا آخر " كانت آخر كلمات تسمعها منه قبل انطلاقه مخلّفا دخانا كثيفا وصوتا جهوريا يناسب هيبته ..
دخلت غرفتها مجددا تدعي الله ان تمر الليلة على مايرام فهي متعبة جدا وتريد النوم براحة ..
عند زين
كان بطريقه للمقر يفكّر فيها تراها هل نامت أم لا ، يعلم انها لا تستطيع ذلك دون الكرة لو لم يكن مضطرا لما أخذها منها أبدا ..وصل وكانت الساعة تقارب الى الرابعة فجرا ،  قرّر اخذ غفوة صغيرة فينتظره يوم طويل..

استيقظت فزعة ترتعش ودموعها تصنع شلالا فوق خدّيها، كانت لديها أملا ولو بنسبة واحد بالمئة بأنها شفيت أخيرا ولن يعود كابوسها لكن من الواضح انّه مصمم على ملازمتها باقي حياتها..ضمت يديها ورجليها معا وشردت بنقطة ما داخل ظلام الغرفة تسترجع ذكريات الماضي ..
فلاش باك ..
كان والدها قد تعرض للخداع في عمله وسُرِق مبلغ كبير من الشركة التي يعمل بها لكنه المسؤول عن هذا لذا هو من سيتحاسب فقرر اقتراض المال من مُرابي ( رجل يعمل بطرق غير قانونية يعطي المال لمن يحتاج لمدة معينة شرط ان يعيده بالفائدة وان لم يعيده فحياته ثمنا لذلك ) واعطاه مهلة شهرين لإعادة النقود..لم يستطع جمع المبلغ في الوقت المحدد فهددوه بعائلته ومع ذلك ظل يماطلهم و كل مرة يرتفع السّعر الذي عليه اعادته . وفي يوم ما كان هو وريم داخل السيارة عائدين من نزهة لطيفة بين اب وابنته..كانت سعيدة تردد مع والدها كلمات الاغنية المفضلة لهما وبينما هما كذلك حتى حاصرتهم سيارتين من الامام والخلف فسعى والدها لإخراجهم بتجاوزهم لكنهم لم يتركوا له المجال ولم يفلح ، استطاع اكتساب قليلا من الوقت حتى تعود ريم للخلف واوصاها بان لا تخاف وعليها تغطية راسها..كانت تبكي بشدة وهي تسمع كلمات ابيها والسيارة تتحرك للجهتين بطريقة جنونية لم تعي على نفسها الا على اصدام السيارة بشيئ ما وصمت تام..
"ابي..ابي افتح عينيك..هل انت بخير" ظلت تنادي عليه والدموع كالشلال تسقط من عينيها خوفا خاصة مع رؤية الدماء تتدفق من رأسه حتى غطت وجهه..وكأنه لم يكفيها هذا بدأت ترى الماء يتسرب داخل السيارة من كل جهة ، آخر ما تتذكّره هو صراخ الناس من حولهم واغمضت عينيها على ذلك المشهد المريب الذي كان سببا في اغمائها..
كانوا قد استصدموا بشجرة كبيرة على حافة بحيرة صغيرة ، لحسن حظّهم لم تكن عميقة..اتت الاسعاف واتجهوا بهم بسرعة للمستشفى لكن مع الاسف كانت الإصابة شديدة ودخل والدها بغيبوبة لستة أشهر كاملة..اسوء فترة مرة على حياة ريم فحتى والدتها تخلت عن الحياة وصارت كالغائب تماما تلازم والدها في المشفى ولا تخرج منه الا لتفقد ريم كل يومين واخذ ملابس جديدة ثم تعود مجددا..كانت وحيدة لم تجد الا عائلة صديقتها معها لكن اكرم لم يكن هناك فقد كان يدرس في الخارج ولم يستطع القدوم فلم يخبروه من الأصل..اقرضوها قليلا من المال لكنه لم يكفي لسداد دين والدها فوقفت على قدميها واشتغلت العديد من الاشغال لم تكن تنام سوى 4 ساعات يوميا..كانت حقا شجاعة لم تنهار وواجهت الحياة رغم سنها الصغير فقد كانت تبلغ 16 سنة في ذلك الوقت..جمعت المبلغ واخذته بنفسها للمرابي رغم خوفها الداخلي لكنها لم تظهره ،كان عليها انقاذ والدها..واستطاعت فعل ذلك. بعدها باسبوعين استيقظ والدها وبدأت حياتهم تعود لطبيعتها من جديد ، حتى أنه عاد لعمله كل شيئ يبدو بخير لكنها لم تكن كذلك،  خرجت هي من تلك المحنة باضرار خفية لم يكن يعلمها غيرها فاصبحت الكوابيس تلازمها منذ ذلك الوقت..ارق في النوم و فوبيا من السيارات تجاوزتها بصعوبة غير انها لم تستطع السياقة ولا تركب من الجهة الامامية إلا للضرورة..
عودة للواقع..

صاحبة عيون الغزال حيث تعيش القصص. اكتشف الآن