(3) صداقة مؤكده.

24 2 0
                                    

الفصل الثالث : مِن سِمات الحب.
(3) صداقة مؤكده.
للكاتبة : مريم عبدالرحمن.
$$$$

في مجتمع مختلف تتباين الافكار والعادات وتطبيق القوانين، وتختلف ايضاً المفاجآت فهل تختلف طرق الحب؟ السحاب يفيض فيُمطر، والانسان تفيض مشاعره فيعشق، ومع اختلاف الحضارات والعقول المفكره واختلاف الانتاج والمراحل الچينيه في الانسان، مازالت المشاعر توارد چيني لم يتغير لدى اجيال، فقط تغير طرق الافصاح والتعبير عنها.

قبل ان تُفتح شراع مركب القافله الرومانيه تقدم الحراس واقتحموا شراعهها بالتقطيع واخذوا الصناديق تحت مقاومة القافله ثم اخذوا بهم وسجّوهم في زنزانات المملكة بجانب (راسيل) الذي ابتسم لهم على الفور بابتسامته الخافته ينبع منها سخرية قدرهم الموحد ليتقدم منه رئيس القافله صافعًاه على وجهه قائلًا بغضب:

- أيها الملعون ماذا فعلت بنا؟

صفعه هو الاخر صفعه ألجمت لسانه بعد ان ارتمى على الارض وساندوه طاقم القافله واطمئنوا عليه ليصيح بهم (راسيل) بنغمة تهديديه بعد ان استطاع رسم بسمه علىى جانبي خده:

- نحن الان متساويان سيدي.

ابصق على وجهه بعد ان عدل من هندامه وهو يجلس في زاوية بعيده عنهم يتذكر كم كانت ايامه اكثر تعباً خارج سجن المملكه وتلقائياً يبتسم ابتسامه بلهاء تجعله يشفق على سنواته وشبابه الضائع في لم قيراط يومه ليعيش على اطعام نفسه، لا يرى فرق بينه وبين حيوانات المزرعه الذي يمكث بجانبها في بلدته (روما) يشتاق لبلدته الذي اقيمت من ثلاث سنوات فقط ويستمتع بكل انشٍ في ذاكرته بها، هي اول بلده احتوته واقيمت له منزل على حدودها واستقبلته كما استقبلها بحب، ظل يغفو على حائط الزنزانه حتى اشرق الصباح وبين غفواته يتذكر كل ما هو غالي عليه ليودعه ولحظه يغفل من كثرة التفكير لانه لم يملك ما كان غالي عليه يوماً بل روحه الان الذي يدعيها بالغاليه يخسرها بأرخص تمن.

شعر بيدٍ تأخذه ولم يفق الا امام خشبة بجانبها اربطه سميكه قديمه وملطخه بالدماء، جميع القافله تنظر له بعتاب ولوم، ولم يطبع على عينيهم بداً الشفقه بل كان الوحيد الذي يحملق بعيناها الملونتان كالقط الملعون وبعد ان اخذ اول رأس ليقتلعوه اردفت بغرور وصوت جهوريّ يستمع له مافي ارجاء المملكه:

- اخذنا صناديقكم رضاءاً لما فعله تاجر من قافلتكم ولكم لم يكن ثمنه زاهد ليرضى المالك ابداً فاضطررنا للقضاء على رءوسكم.

تذمروا بهمس وهم ينظرون اليه بغضب شديد ونيران تشع من اعينهم المنكسره، لتكمل هي حديثها:

- اتريد ان تترجاني يا راسيل؟

نفى برأسه مؤكداً بدون تفكير ليلتحق برؤية اول رأس تنقطع تحت دعوات الجميع بالرحمه والرجاء الا هو، فتزداد عناداً به وتلقي برأس اخر من بعد الاول، حتى أُلقي من اسفل ارجله اربعة رءوس من قافلته وكان الخامس الذي حان دوره هو صديقه (بلوديرو) الذي ينظر له بعتاب جامح يسقط من عينيه كسرة عائلته، ليقطع حديثه صارخاً:

- ارجوكي كفى.

قالها (راسيل) تحت ابتسامتها الذي ارتسمت على وجهها قائله:

- اعفو عنه.
ثم اكملت وهي تتقدم ناحيته:

- تريد الاعفاء عن باقي قافلتك؟

هز رأسه مؤكداً لتقول بغضب:

- اسمعها منك راسيل، ان اعجبتني سأتركهم.

ابتلع غصه من حلقه وهو يقول جملته بغرور و لم يسقط عيناه ابداً عن عيناها بثقه:

- سيدتي ميسم ارجو العفو عن قافلتي.. وعني.

ابتسمت وهي تميل برأسها اليه وهو متيبس على الاض من ثقته مؤردفه بملل:

- يا لك من تاجر لطيف... اعفو عنك وعن قافلتك.

تركت الساحه وخلفها حراس تحت انفاس الاحياء المتبقين من القافله يتنهدون بعد ان لعنوا وسبّوا (راسيل) لما سببه لهم من اعراض حياتهم لخطر كاد ان يقتلهم، وتحت انفاس الجميع لم يخطوا خطوه لبلدهم بل سجوا في سجون رابيتينوس من جديد وسُرقت بضائعهم في حسرةٍ منهم، وفي ظلمات الليل بين القضبان ينظرون لمن كان السبب في وأد حياتهم، نظراتهم مازالت حارقه ويتذمر من داخله لنظراتهم العالقه عليه متشدقاً بغيظ :

- لا تنظرون إليّ هكذا، لقد انقذتكم اليوم.

لم يتفوهه احدهم بحرف اكتفوا بلفح نظراتهم عنه ليفكروا بما سيكون مصيرهم غداً وربما يظلون بين القضبان مترنمين على انغام الموت بينما يصبحون عبيد يعملون بدون مالٍ حتى حين تذمروا على مال التجارة، وفي عقل (راسيل) افكار مختلفه تماماً عن ما يدور في عقول الجميع، يتخيل فيهم ماذا لو كان ملك لتلك المملكه! يتخيل افكاراً لن تحدث حتى على موته فالمستحيل عنده خيال مميت قد قاطعه صديقه (بلوديرو) تلك المخيلات الذي ابتسم عقله فيها :

- راسيل...

قالها وهو يجلس من امامه على خشبه قديمه وهزيله يترأسها سقف القضبان الذي يلفح ضوء القمر بملابسهم الذي تشبه القش المنثور وململم ببقايا الخيوط، ليحاول مد قطعه من القماش بسبب ملابسه الخفيفه والرديئه ليتنهد له مبتسماً ومعاتباً له بنظراته قبل لسانه :

- رأيت منك ما لم اتخيله يوماً.

ابتسم وهو يرمقه بضيق قائلا:

- وانا رأيت منك بلوديرو ما لم اراه من شخص قط.

ثم اكمل بأمتنان بعد ان اعتدل من جلسته:

- انت اول شخص استحسنت به العالم ورأيت الخير فيه، اول من احببت واول من مد لي يد العون، خيراتك عليّ بأفعالك كثيره، إن خسرتك سأكون خسرت ما تبقى لي من امل.

ابتسم بحب وهو يمد يده لصديقه قائلاً:

- اذًا راسيل اوعدني بألا تهددني بالقتل و تبرحني ضرباً مره اخرى.

زم شفتيه بسخريه قائلاً:

- لا اعدك، هذه غريزه.

ضحكوا اثنتيهم، رغم مرور ايام المُرّ والهلاك الا ان بعض الاصدقاء قد يهوّنوا علينا بسلام ويجعلونا مطمئنين حتى خلف القضبان، ولحظات الخلاف الذي مرّت عليهم لن تذكر قط وقت الاحتياج.

يتبع ..
توقعاتكم وتعليقاتكم بتحمسني🤍✨

مملكة رابيتينوس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن