الفصل الثالث عشر : مِن سِمات الحب.
(13) زفاف مزيف.
مريم عبدالرحمن.
$$$من لا يدرك أن الحياه شقاء فلا واقع يريده ان يبقى، بعض الجنان يقودنا للحق والسلام، وبعض الاسرار لا تُباح خوفاً من الفراق، او رهبةً من الخُذلان، وربما تلعثماً من أن يتذبذب الامل الذي يعيش عليه، فالإنسان كُتلة مشاعر يُصادفه الحب دون النظر لعواقبه، وإذا بعقله يذهب كالمُسكر، ويوضع في موقف به جدال بين أطراف جسده المتناقضه، يظل (راسيل) من بين كل تلك الجدالات يذهب كل يوم الى ضفة المراكب ولكن القرار الحاسم الذي اصدر بمنع سفر عاملين قصر رابيتينوس إلا بإصدار شخصي الى شئون عاملين الميناء.. وهذا ما يجعل ايامه اكثر سواداً برفضها تركه لرابيتينوس، ولا أحد يقدر على التعدّي بالقوانين، العقاب قد يصل الى الاعدام! لا يخشى راسيل الاعدام بل يخشاه من يفكر أن يعون عامل على السفر.
في القصر، غرفة مليئه بالازهار وغنيمة برائحة عطرهم، تصدر راحه نفسيه لم تلتقي بمثلها من قبل، تسقي (ميسم) الازهار بزيّها المزرقش يطول امتار من خلفها على الأرض كالوشاح الطويل، خصلاتها مُضفّره وموضوعه بطريقه دائريه حول رأسها، من بين ضفائرها ورود قد وضعتها، وعلى ما وجهها ثغرها لم يتنازل عن ابتسامته ابداً بجانبها (مادلين) الذي تحدثها بإندهاش مؤردفه:
- تريدي أن تقرأي حقاً!
هزت رأسها وهي تجاوبها بحيرة لاذعه :
- ولِمَ لا؟
ضحكت (مادلين) بحرج مبرره حديثها:
- لا اقصد سيدتي الاهانه، لكن...
قاطعتها بيأس متنهده:
- نعم مادلين.. لم اعتاد على شكر القرأه بل اهينها، لكن تلك المره اريد ان اقرأ كتاب مخصص قد حدثتيني عنه من قبل، كانت فتيات السوق تحدثك عن سِمات الحب.
تلعثمت وهي تجاوبها بضيق:
- سيدتي واين لي بأخذ الكتاب؟ لا اتذكر حتى الفتاة التي حدثتني عنه.صمتت قليلاً بعد أن وضعت قنينة الماء من اسفل قدميها ونظرت لها بدهشه ساخره واحدى حاجبيها منتصبان:
- لا تكذبي، أعلم ان قرأتيه وانه بحوزتك.
ثم اكملت مهروله:
- وقبل ان تسألي اين لي بمعرفة ذلك، اكتشفت منذ اشهر عندما دلفت لغرفتك ورأيته على فراشك.وضعت وجهها اسفل بخجل وهي تؤردف بحنقه:
- اعتذر على كذبي، فقط لا اريد ان اعصيكي.ربتت على كتفيها وهي ترفع وجهها لها بحب:
- مادلين، انتي صديقتي، لن اعاقبك او اجبرك على القراءه، والان هل ستعطيني الكتاب؟ضحكت (مادلين) سريعاً وهي تقول بلهفه:
- حالاً سيدتي، سيكون بيدك.دلف (رنچير) الى غرفة الزهور مقاطعاً حالة السعاده الذي دارت بينه، وكلاهما اخذ وضعية الابتسامة الثقيله خصوصاً بعد ان قال:
- ميسم، هل تتذكري موعد زفافنا.
اجابته مادلين بسخريه:
- ماذا تقصد؟
- اقصد بأنه غداً ولا ارى أية تجهيزات!
تنهدت (ميسم) وهي تجيبه كفحيح الافعى بهدوء:
- لا تقلق، غداً سيكون افضل يوم قد تراه عينك، وأعين المملكه جميعها.
همست (مادلين) بإبتسامه:
- سيتغير كل شئ غداً.
$$$$
يوم زفاف.. لكن به مفاجآت، الجميع يضع الازهار والقنينات النادره والمزرقشات المختلفه من الكراز البابلي، ورافعي الاثقال يضعون مقاعد الحفل الخشبيه، بينهم من يتأفف واميرته في غرفتها المحظورة من خلفها (مادلين) التي ترسم على خصلات شعرها الزينه، فهي اجمل عروس قد تراها الاعين، من فستان بابلي ابيض مزرقش من الاطراف برسومات بابليه ذهبيه، يعتلي من ناحيه يد وكتف واحد والاخر عاري، يليق بعيناها الملونتان كأمواج البحر هائمين، في يدها الكتاب في وريقاته الاخيرة وهي ترسم على ثغرها ابتسامة سعاده وشغف، انتهت من الكتاب بعد انتهاء (مادلين) من صفصفة شعرها مباشرةً ونظرت لها بإمتنان ولكن ليس لما فعلته في خصلاتها بل على الكتاب، وهذا ظهر في نبراتها:
- اشكرك مادلين، هذا اروع ما فعلت في حياتي.
- بالتأكيد ستكرري القراءه.
هزت رأسها ايجاباً وهي تهمس بصوتٍ حنون وراقِ لمشاعرها المنتفضه الان:
- نعم، انا خالده وعِشت من الاعوام ما لم يعيش غيري، ولكن لم اعشق يوماً كما عشق الصغار، إن رحلت في وقتٍ باكر لم اكن لألتقي براسيل ابداً، هو شعاع الامل الذي رسم لي الطريق، طريق سيكون بدايته اليوم سيتغير كل شئ.
ازداد صوتها حماس حالمه وهي تكمل:
- سينتهي به المطاف هنا في غرفتنا وسيصبح مالِك رابيتينوس معي.. سيأتي اطفالنا وستصبح المملكه اكبر من ما تكون بيد راسيل واطفاله.كانت تستمع اليها (مادلين) تحت ابتسامتها المشرقه، تعلم كم هي بحاجه لذلك الامل والتغير الذي سيحدث اللليله، ستتزوج ب (رنچير) ولكن ثم شئ سيحدث يغير كيان المملكه، وهذا ما أدل عليه حديثهم..
بالاسفل خاصةً الحديقه، يرمق (راسيل) المكان الذي جلسوا فيه سوياً ويتذكر مرته الاولى في العشق الذي بات يهلكه، كان رجل طموحه المال لماذا الان يبحث عن الفقر مقابل العشق! تنهد بعد ان اربت (بلوديرو) على كتفيه بحنان كالعاده قائلاً:
- راسيل، هي بنا ينقصنا اعمال قليله لننتهي واعدك لن نحضر مراسم الزفاف سنذهب الى غرفنا.بادل الاجابه سريعاً بغضب:
- لا بلوديرو اريد ان ابقى، منذ أن وُلِدت وانا انظر الى السماء، أتذكر في كل مره سخرت من احلامي! الان وانا على يقين من ذلك لستُ بيدي أمل باقٍ كي أحلم مجدداً، كل ما اردته كان اقوى بكثير من واقعي، يجب ان انظر للواقع تلك المره حتى وإن تألمت، لعل هذه المره اكثر إيلاماً ولكن ستجعلني محرّم من النظر الى شأن اعلى من شأني وشأن طموحاتي.ومع غروب الشمس دلفت سيدتهم ميسم الى ساحة القصر من الخارج مع هتافات الشعب والمباركات والسعاده التي تنبع من داخل الجميع من امامها، يجعلها ترى المظلم الوحيد من امامها، هو فقط هذا الشخص الذي يقف بعيناه الحاده وثقته وعناده، وكأنه توعد لها، وهي تبتسم لما ستفعل بعد دقائق عديده، سترى المملكه ما لم يُشهد من قبل.
يتبع...
مريم عبدالرحمن.
أنت تقرأ
مملكة رابيتينوس
عاطفيةأحداث الرواية في عام ٧٥٠ قبل الميلاد فكيف يكون العشق سائد هناك بين تاجر رومانيّ متعصب وملكة من أصول بابليه مغروره! يقابلهم شرار الخيانه والغدر بسبب عهد المملكه المنشود الذي يمنع حبهم، إذا بهم يضعوا سمات للحب يكون الخلود سوياً، هل يستمر ذلك؟ أم الجحي...