(4) تلعثم عاطفي.

19 1 0
                                    

الفصل الرابع : مِن سِمات الحب.
(4) تلعثم عاطفي.
للكاتبة : مريم عبدالرحمن.
$$$$

في غرفة القصر المحظورة والمظلمه في شرفة يكسوها الستائر ومنضده تملأها المأكولات والمشروبات، تجلس فتاة تحت قدم (ميسم) الذي تنظر الى القمر بابتسامة بلهاء ونظرت لها بنظره مفاجأه بعد ان اعتدلت بضيق:
-         مادلين.
اسرعت بردها:
-         نعم سيدتي؟
-         اعطيني تاج المُلك.
تقدمت لها بتاج رقيق مزرقش بمجوهرات نادرة لتضعها على رأسها بعد ان اختفت ابتسامتها من ما وقع عليها من حديت (مادلين) :
-         سيدتي سأظل اخبرك كل ليله بأن تعلني ملكك لعرش رابيتينوس.
-         لن يحدث، ابداً.
تزمرت بضيق وهي تلح بحديثها مثرثره:
-         سيدتي، انتي جريئه وقويه وتملكي ما لم يملكه غيرك من قوة.
-         سيطمعون مادلين  ان علموا بأن الحاكم سيده، وليست بأي سيده، بل سيده في مقتبل العشرينيات ظاهرياً وعملياً تملك تسعمائه واربعة عاماً بواسطة تعويذه نادره لا يمكن ان نلقيها الا مرتين، كنت انا المره الاولى فبالتأكيد الامراء والمالكين من البلدان المختلفه سيطمعون في القاء التعويذه الثانيه والنهائيه، ليظل المُلك لهم لما لا نهاية مثلي.
تنهدت بعد ان انحنت خجلاً قائله:
-         لا يمكنني رؤيتك تتعذبين وحيده.
-         لم اكن يوماً وحيده بوجودك، انتِ من تبقى لي من عائلتي مادلين.
ابتسمت مادلين وهي تنظر الى السماء متذكره ذكريات لا يمكن ان تمحيها من بالها من شدة جمالها:
-         اتذكر مباني بابل الشاهقه.
-         دوماً ما اتذكر بابل القديمه، رغم شعوري بالالم لا يمكنني نسيان ما تحمله من سعاده.
قالت جملتها ثم حولت الموضوع سريعاً بعد ان قطبت حاجبيها بشفتيها المبتسمين اثر العاطفه الذي اجتاحتها:
-         لم تري راسيل.. ذلك الشاب ذو الشعر الاحمر.
-         تقصدين التاجر الذي حكمتي عليه بالاعدام ثم كسرتي انفه.
تبسمت بغرور وهي تؤردف:
-         كان يجب عليّ كسر انفه الذي تطول السماء.
ضحكت متمتمه :
-         سيدتي ميسم انتي فقط اردتي الحديث معه بشكل لائق على رتبتك لانك أُعجبتي به.
-         اعجبت بشخصيته كثيراً مادلين، خصوصاً بعد ان تراجع في قتل صديقه والاستغناء عن كبرياءه لينقذه، يبدو انه مخلص.
ثم اكملت وهي تتنهد بحسره:
-         وليس لنا من الاخلاص نصيب.
ابتسمت بعد ان اصدرت فكره قائله بحماس:
-         لقد فكرت في شئ يمكن ان ينال اعجابك.

$$$$$

صباح اليوم التالي، اشعة الشمس الذي تتعامد على شرفة (ميسم) جعلتها تستيقظ منزعجه بعد ان تسائلت من فعل تلك الجريمه، سرعان ما تذكرت ليس لأحد مسموح دخوله الى غرفتها سوا مساعدتها القريبه (مادلين) الذي باتتت تنظر لها وهي واقفه بمكانها بابتسامه شيطانيه غطت به انزعاجها بعد ان اردفت:
- سيدتي.. صباحٌ عليكِ في يومٍ سيصبح مختلف علينا.
ابتسمت قليلاً وطفت بمخيلتها فقرار سيصبح مختلف في عصر المملكه، مثير للقوانين ولكنه ممتع لهم، بعض الاكاذيب تنهال علينا بالخير ولكنها ستظل خادعه للواقع والطبيعه ومحرّمه في المستقبل من عصرهم، بعض المشاعر يجب خفقانها ايضاً بالكذب، لتميل بشفتيها هامسه بتردد وخجل:
-         لكن مادلين.. الكذب ليس حل، بل هو عقدة جديده اخشى ان اجابهها.
-         السعادة سيدتي ستجعلك تجابينها، وبالتتأكيد عندما يحبك ويعلم الحقيقه يثق بك ويصدقك ويساندك.
هزت رأسها نفياً بعد ان نهضت بغضب وقررت قرار مفاجئ نظراً لنهار قراراتهم الصاخبه:
-         لا مادلين لن افعل ذلك، لا تكوني ثرثارة.
وقبل ان تدلف الى حمامها مسّدت شعرها في مرآتها العظيمه وهي تهمس لمادلين بهيام قد اخذ بها لخيال غير واقعها، يظهر في نبراتها الحنان بعد غضبها وانزعاجها وتقلبات مزاجها، الا انها عندما تنظر الى عيناها في المرآه تشعر بالشفقه على حالها:
-         تخيلي مادلين، سأضع له بجانبي كرسيّ لننظر سوياً الى المرآه.
تركت آلة التمسيد الخشبيه الصغيره لتنظر لها وهي تقف بسعادة :
-         اخرجي لي ثوبٍ قرمزيّ اللون لأشع في نظريه.
تعجبت من حديثها المناقض لكن ابتسمت بعد ان اخرجت زي شفاف مطرز بالابيض مع قرزميته المفرطه، طويل لكن يكشف اكثر من ما يستر، ارتدته وهي تسدل خصلاتها على كتفيها بابتسامه عريضه وعينان ملتويتين الى الاعلى من الغرور، لتضع فقط احمر شفاه قرمزيّ مثلما ارتدت تماما لتظهر امرأه قويه في عصرها وحاكمه لتستمع الى مدح فقط من يستطيع مدحها:
-         سيدتي، زادكِ الشعور بالحب اشراقه وحكمه عن ما رأيتك من قبل.
ثم اكملت بعد ان تقدمت من امامها بسعاده وخجل:
-         اتعلمين، منذ سنوات قليله قبل ان آتي الى هنا سمعت عن عائلتك وعنكِ وعن مقدوركم الاسطوري الذي يقولون عنه، وبعد ان عرفت من ساحرة قوية انكِ هنا لم اتردد بالمجئ ولكنّي شعرت بالخوف، علمت يوم مجيئي الى هنا أني لم اذق طعم الحب والعطف والاسره والدفء الى بجانبك وبجانب بقاايا اسرة .
ابتسمت (ميسم ) وهي تربت على كتفيها بحنان قائله:
-         وانا يا مادلين لم اعلم يوماً معنى لاسره من سنواتٍ طويله سوا معكِ، جئتي لي كمنقذ واتذكر ذلك اليوم الذي جئتي اليّ تتحدثين عن عائلتي، وعيونك البريئه الذي احاطتني وذكرتني بكلام قبيلتي وعائلتي.
ابتسمت ( مادلين) وهي تهمس بتردد:
-         لذلك سيدتي ميسم اريد لكِ الافضل وان تطيعيني في امورك الشخصيه.
اكملت بعد ان شعرت بضم حاجب سيدتها:
-         اتعلمين انه من سِمات الحب الكذب؟
ضحكت بسخريه وهي تجيبها:
-         ومن علمك ذلك يا سليطة اللسان؟
اردفت بهمس:
-         سمعتُ احدى القارئات يتحدثون في السوق.
-         اذاً لا تستمعي لهم مره اخرى.
تركتها  وذهبت نحو الباب لتتوقف بعد ان اردفت:
-         تعيشين الخيال امام المرآه ولا تريدين تحقيقه في الواقع بأي ثمن خاسر!
-         لن اخسر مملكتي وسرّي مادلين من اجل تحقيق احلامي، فالمملكه هي حلمي الاكبر وهي سر ما اعطاه لي امي وابي لأخلّد بها ويفخروا بي، لا استطيع كسر آمالهم وما فعلوه لاجلي، لن اسمح على سبيل المثال احدهم يخترق تعويذة الخلود الاخيره وينسبها لطمعهم في حكم بلادهم.
تذكرت اهم ذكرى، وفاة والدتها بسبب قيامهها لتعويذة الخلود لها ليتسم  باستخدامها مرتين المره الاولى كانت لميسم والثانيه ميسم تخبئها مع كتب السحر في مكان تخشاه مادلين حتى، تلك الاسطورة العظيمه الذي جاءت بمادلين الى رابيتينوس ولكن ليس طمعاً في استخدامها ولكن لترى عظمة السحر في ابهى العصور عن عائلة يقال انها من بقاياها، تعاويذ الخلود صعبه وغير ممكنه، ومع ذلك استطاعت والدة ميسم ان تفعل من استخدامها مرتان ولم تكتفي حتى بواحده، فاقت من شرودها بعد ان خرجت  ميسم من الغرفه بل من الجناح المظلم بأكمله.
$$$
زعم على ان يقضي صباحه ايضاً بالنظر الى الشمس من تلك الثغره ذات القضبان من فوقه ومع ذلك جعل احدهم خياله المفرط بالانقطاع قائلاً له بسخريه:
-         لا تنظر الى الاعلى كثيراً يا راسيل، ستنقطع رأسك ما دُمت تنظر لما هو اعلى منك.
ليضحك الجميع بسخريه تحت نظراته الثاقبه وقبل ان يتوجهه لذلك الساخر الذي يريد ان يُضرب فُتحت القضبان تعلن ان يتم استقبالهم في ساحة القصر وتريد السيده المتحكمه من بعد الحاكم رؤيتهم الان، تحت رعشة الجميع وذعرهم كان هو من بينهم يضحك على حالهم حينما دخل الساحه ورأها جالسه على كرسيّ مطرز ومزرقش بشكل صاخب يضوي العين مع دخول اشعة الشمس عليه تحرق من عيناه التي لم تغلق ببنت شفه منه، وهي تشير لهم الى الصناديق قائله بنبرة صاخبه يجتاحها الغرور المنصب على اعين راسيل:
-         لكم ثمن تلك الصناديق، ومركب ليعونكم الى بلادكم.
هلل الجمع ومنهم من ازفر بارتياح واظهروا على ملامحهم الفرح الا هو، وكأنها لم تتحدث شئٍ قط ليهمس له صديقه بفرحه عارمة:
-         سنأخذ مالنا كامل ونذهب منزلنا يا اسيل.
-         عداك انت.
نظر الجميع مع صمتهم على تلك الجمله عندما اشارت باصبعها على راسيل مبتلع بلوديرو غصه من حلقه على مسير صديقه الذي اعاد خطأه مره اخرى:
-         لماذا؟
-         لديك عمل هام في رابيتينوس.
ثم اكملت وهي تنهض مقتربه:
-         لقد رأيت صباح امس، مدى اخلاصك لصديقك بلوديرو، ولكن ان اخبرتك ان تقتله بيديك في ميدان القصر مقابل العمل هنا واعطاءك ما لم تحلم به من نقود ومنزل وحياة افضل، ستوافق؟

يتبع....
رغم مرور ايام المُرّ والهلاك الا ان بعض الاصدقاء قد يهوّنوا علينا بسلام ويجعلونا مطمئنين حتى خلف القضبان، ولحظات الخلاف الذي مرّت عليهم لن تذكر قط وقت الاحتياج.

_ مريم عبدالرحمن
يتبع....

مملكة رابيتينوس حيث تعيش القصص. اكتشف الآن