الفصل الثاني : ساعة الرحيل

1K 54 16
                                    

اجتمع أهل القبيلة عند كبيرهم الحاج رضوان ، هو شخص ميسور الحال ،يملك العديد من الضيعات المجاورة للقرية، يشتغل اغلب شباب القبيلة فيها ، في كل المواسم تحصد الغلات لكي تباع بالجملة في أسواق مدينة وجدة التي تبعد بسبعين كيلومترا عن القرية ، تم اختياره كبير القبيلة لكرمه و حكمته و قربه إلى الله ، فهو الشخص الذي يقيم مأدبات كل ثلاث أشهر ، حيث يوزع الاكل و المواد الغذائية للمحتاجين ، يملك عشرين حصانا عربيا عريقا يشارك بهم في مسابقات الوعدة التي تقام مرة في السنة ، حازت مجموعته على المرتبة الثالثة وطنيا لمدة عشر سنوات و منها المرتبة الأولى في إحدى المواسم التي أقيمت في الدار البيضاء ، رجل ذكي صاحب المهام الصعبة، علاقته بالشرطة و الدوائر الحكومية قوي جدا ،حيث يؤخد رأيه في كل شئ يتعلق بقبيلة السامرية.
كان محور الاجتماع الشيخ عبد القادر و الحالة التي وصل إليها ، حيث شخصت بالجنون بعد أن تم القبض عليه و إيداعه في مستشفى الامراض النفسية، في ذالك اليوم الذي ولدت فيه سكينة تغيرت أشياء كثيرة ، حيث أطلق عليها أهل القبيلة بالانثى المشؤومة ، بقي المسجد دون إمام ، بل و تسبب الامام بكارثة إنسانية في ذالك اليوم الذي خرج من منزله ، حيث ضرب فلاحا بساطور على رأسه و ارداه قتيلا ، و فر هاربا حاملا معه أداة الجريمة صارخا بأعلى صوته :
أنا الرسول أنا من سوف اغير العالم

تمكن عدد من أهل القبيلة بالقاء القبض عليه بعد أن اتصلو بالدرك الملكي ،و بعد وقت طويل من التمحيص و التنقيب على أسباب الجريمة اتضح أنه لم يكن في وعيه و قرر القاضي أن يتم نقله إلى مستشفى الامراض النفسية... 
كان حديثه مع الطبيب النفسي منحصرا في الولادة المشؤومة ، كان يردد أنه يسمع أصواتا تجزم أن القيامة قريبة ، و ان زوجته فاطمة سوف تفعل مثلما فعلت أمنا حواء بأبينا آدم ، سوف تكون سببا في إدخاله النار، و ان المولود الجديد سوف يكون نحسا يصيب البشرية... طلب من الدكتور أن يتم قتل المولود الجديد ، كي يتجنب كل ما سيقع من مكروه للعالم ، سأله الطبيب لما قتلت ذالك الرجل البريئ ، فأجاب أنه شيطان و قد اغتصب فتاة في القبيلة و تم العفو عنه و لكن ذالك الصوت الذي كان يتحدث إليه طلب منه أن يقتله كي لا يغتصب فتيات أخريات ، و أنه يجب أن يخرج كي يقتل أشخاصا اخرين سوف يتسببون في ادية البشرية ...
مختل نفسيا ، هذا ما ردده الطبيب على مسامع القاضي و أكده بوثائق وضعها فوق المنصة ، مؤكدا أنه لا يمكن أن يتم سجنه مع العقلاء لأنه و لا محالة سوف يقوم بكارثة لا يحمد عقباها...ابتسم القاضي بازدراء و كأنه يقول له أن العقلاء لا يدخلون السجن ، فكلهم سواسية مرضى و مختلين نفسيا .

عائلة المغدور لم تسكت و لم تجد للقاتل مبررا ، بل نعتته بالمجرم السفاح،لكن الغريب في الأمر أن الضحية اغتصب فعلا طفلة عمرها عشرة سنوات و تم طمس جريمته بتزويجها له ، كانت أحكاما عرفية تمشي عليها القبيلة ، و رغم ذالك لم يكن مبررا لما فعله ، بل كانت زوجته المغصوبة اول من انتفضت و طالبت بالقصاص ، العين بالعين ، طالبت بقتل إبنه البكر و أن يكون عبرة لكل من سولت له نفسه أن يقتل شخصا ما داخل القبيلة ، شاطرها الرأي كل أحباب الضحية و باتت القضية مسألة انتقام ... محمد الطفل دو الخامسة عشرة عاما تم تهريبه من رجال القبيلة المحايدين و كان الحاج رضوان أول من رفض الفكرة و قرر جمع أهل القبيلة كي يتم إيجاد حل للمشكلة التي سوف تسبب فرقة بين الأهالي و اعتبر قضية الانتقام حل غير مرغوب فيه ، خصوصا أن الجاني ثبت جنونه من جهات محايدة .
بعد حوار و مضاربات طويلة تم الخروج بقرار لا رجعة فيه و هو كالتالي :
طرد أسرة عبد القادر من القرية و تعويض مادي لاهل الضحية و التكفل باطفاله إلى غاية الوصول للسن الذي يخول لهم الاعتماد على أنفسهم.
كان القرار صعبا بالنسبة لفاطمة ، فهي لا تملك حيلا للعيش بعيدا عن القرية ، و لن تستطيع تحمل عبء أسرة تتكون من 13 عشرة طفلا ، خافت مما ينتظرها و فرحت مما سوف تهرب منه ، و هو الانتقام الذي كان سوف يكلفها حياة ابنائها .
تم منع الأسرة من أخذ أي غرض ثقيل  و ضلت الأيادي تحمل فقط بعض الاكياس بقلوب دامية ، تم منع الدموع أن تنسكب على رحيلهم و ضل المكان الذين سوف يتجهون إليه سريا كي لا تتبعهم أهالي القتيل ، كانت الشاحنة التي سوف تقلهم مخصصة لنقل الأحصنة ، تعمد الحاج رضوان أن يكون رحيلهم مخزيا كي لا يغضب أهل القرية و خصوصا أهل الضحية ، رغم أن قلبه تمزقت كل شرايينه من حزنه على هذه الأسرة التي لم ير منها إلا الخير ، أطفالها كانوا متخلقين و أمهم كانت طيبة تغذق من حنانها على كل أهل القرية ، تطعم حفظة القرآن في منزلها و تفتخر بزوجها الإمام الذي كان بدوره يتحلى بأخلاق الشهامة ، نسوا كل الجوانب الإيجابية فيهم و ركزوا على ما فعله شخص فقد عقله في لحظة ، كل ما قاموا به  من خير وضعوه في كيس مثقوب و خزنوا سيئة واحدة في كيس سليم .
ركب الاطفال الشاحنة بسرعة و هم خائفون من نظرات الناس لهم ، صغارهم كانوا يبكون و مخاط انوفهم امتزجت بدموعهم المالحة ، و محمد ، عصام ، فريد الأكبر سنا ضلوا ينتظرون خروج والدتهم من باب المنزل كي يساعدوها على ركوب الشاحنة ، استخسروا فيها الركوب في كرسي الشاحنة الأمامي ، و لم يرحموا تعبها من الولادة ، كانت فاطمة تحمل سكينة الصغيرة المشؤومة في ذراعيها و هي تغطيها بلحاف أزرق و تتجنب النظر إلى أهل القبيلة و كأنها من قتلت الضحية. و كأنها من تسببت في هذه الكارثة . كانت اصوات الحاضرين تتعالى و هم يرددون جملا مختلفة :
- اقتلي تلك الطفلة لأنها وجه نحس على القبيلة.
- جاءت لهذه الدنيا و احضرت معها المشاكل .
- اذهبوا إلى الجحيم .
- اتركونا كي نقتلهم.
و كان من بين الأصوات الحاقدة ،اصوات دافئة تردد بتحفظ و خوف :
- حرام أنها طفلة صغيرة .
- البرد قارس سوف تموت في الطريق.

فيتم إسكات هذه الأصوات بتعالي هتافات و سب فقذف في حق الام و الاطفال و الحاج عبد القادر . ركبت فاطمة الشاحنة و ألقت نظرة أخيرة من أعلاها و كأنها تشجعت قليلا لكي ترى أشخاصا ضنت أنهم احبوها فعلا ، لكن انصدمت من ردات فعل البعض و هم يبصقون على الأرض و اخرون على الشاحنة ، وجدت عايشة وسطهم فتعمدت هذه الأخيرة أن تدير وجهها كي تتغلب على دموعها ... كانوا قاسيين عليها و على أطفالها. حاولت أن تعذرهم و لكن لم تستطع ، فقد رأتهم مثل الشياطين ينظرون إليها كمجرمة قامت بفعل شنيع ، أدارت هي الأخرى وجهها و انكمش صغارها داخل حضنها يبحثون عن الأمان ، لكن حقيقة هي من كانت تبحث عن الأمان في أحضانهم كي تتقوى أكثر.
فاطمة ماتت والدتها عندما كان عمرها عشرين سنة والدها عندما كان عمرها ثلاثون سنة ،مر على رحيله سبع سنوات ، ليس لديها إخوة ذكور ، لكانت احتمت تحت ضلهم لا محالة ، اختها الكبرى متزوجة و تقطن في وجدة ، و اختها المتوسطة ماتت في عمر الخامسة عشرة سنة عندما سقطت في البئر و هي تحاول ملأ الدلو بالماء ، سقط الدلو و جرها معه ، كانت سببا في وضع عازل الأمان فوقه، أحيانا يكون سبب التغيير الإيجابي تضحية ، لم يتذكروا ذالك أيضا ، أن روح اخت فاطمة أنقذت أرواحا كثيرة ، فقط حفروا اخر ذكرى سيئة في مخيلتهم و التي لم تكن سببا فيها  قط، هكذا هم البشر ينسون بسرعة و يتذكرون ما يعجبهم ،ما يتماشى مع حالتهم .
تحركت الشاحنة و ضل دور الدرك الملكي في حراسة الأسرة مستمرا ، بدؤوا برشق الحجارة التي لم تصب أي واحد منهم ، فقد حاولت فاطمة أن تحمي أطفالها و سكينة قد تعالى صريخها طالبة لقطرات حليب ، لكن لم تأخذ ما يكفيها كرضيعة ، بل ضلت تطلب دون استجابة .
ابتعدت الشاحنة و ضلت فاطمة تطلب من أطفالها أن ينبطحوا  كي يتجنبوا أي ضربة من حجارتهم الحاقدة .

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant