الفصل الخامس عشر: تغيير مفاجئ

396 27 10
                                    

صابرين اصبحت تريد اكثر مما كانت تطلبه من سكينة ، لكن الصغيرة لم تعد تتحمل المزيد ، ارادت ان تعرف حقيقة الأمر رغم صغر سنها ، فهي صارت انضج من عمرها ، ما تقرأه من كتب كل ليلة جعلها تتمعن في حقيقة الوقائع و تدرسها بحذر ، رغم ان هذه الأسرة فيها جوانب إيجابية و لكن جانبها المظلم لم تستسغه سكينة، صارت تكره الليل و تلك الادراج التي توصلها الى تلك الغرفة المشؤومة ، فكرت ان تروي لسيد المنزل كل شئ ، لكنها خافت ان يتم تكذيبها، و تلك الخادمة الملعونة باتت تراقبها في كل خطواتها و كأن الامر مدبر بينها و بين صابرين ، لكنها قررت أن تنتفض و ترفض ما يُطلب منها و هذا ما فعلت ، صرخت في وجه صابرين و هددتها ان تحكي كل شئ لزوجها ، بل و ضربتها بعلبة المرطب على وجهها ، لكنها تفاجأت ان صابرين اعجبها تصرفها و طلبت منها ان تصفعها ، سكينة صارت تائهة فيما تراه و ما تريد فعله ، نزلت من الطابق و هي تبكي تاركة صابرين وراءها عارية و هي تناديها بصوت جدي كي تعود ، لكن سكينة أبت ان تمكث داخل تلك الغرفة و تشتم رائحة ذالك المرطب ، كرهت ان تكون أداة جنسية لامرأة مريضة نفسيا ، قررت أن تهرب في تلك الليلة و تترك كل شيء وراءها ، لكن اين ستذهب ؟ و هي التي تبلغ من العمر تسع سنوات فقط .
فتحت باب غرفتها و بدأت تبكي بكل قوة ، و بعد مرور دقائق معدودة جاءتها صابرين الى غرفتها ، كانت أول مرة تطأ قدماها في تلك الحجرة ، تفاجأت سكينة في بادئ الأمر و كانت تضن انها تريد بها شرا ، لكن صابرين اقتربت منها و قد جثت على ركبتيها و طلبت منها ان تسامحها و هي تبكي ، لم تفهم سكينة في بادئ الأمر ما يجري و لكنها شعرت بصدق كلامها ، عانقتها صابرين بلطف و بدأت تردد على مسامعها :

_ أعتذر منك ، انا فعلا انسانة سيئة ، و لكن الله زرع شيئا بداخلي هو أنت ، لا اعرف مالذي دفعني إلى ذالك ، لكن جمالك و شخصيتك و روحك افقدوني صوابي ، لن اكرر ما فعلت اعدك بذالك ، لكن فقط لا تغضبي مني .

سكتت سكينة لبرهة و بعدها عانقتها و قالت لها بصوت هادئ:

_سوف اسامحك لانك بعمر أمي ، لا تقسي علي من فضلك ، فأنا احبك و لا افهم ما الذي غيرك ؟

وقفت صابرين و بدأت تنظر الى سقف الغرفة و بعدها استدارت ناحية سكينة قائلة :

_ سوف تنتقلين داخل الفيلا ، سوف اجهز لك غرفتك و اشتري. لك مكتبة و املأها بالكتب ، سوف اعوضك على كل شئ.

سكينة و ببراءة طفلة صغيرة عانقتها و شكرتها على ما سوف تفعله ، قبلتها صابرين على رأسها و ذهبت و هي تسحب قدماها ببطء، سكينة لم تكن تريد ان تعرف سبب لطافتها و لكنها كانت تفرح بكل شيء سيغير حياتها للاحسن.
في يوم غذ وفت صابرين بوعدها، و اقترحت على زوجها انتقال سكينة للعيش داخل غرفة في الفيلا ، سيد المنزل العسيري  كان سعيدا جدا ، فهو يحب سكينة كثيرا و لكن كان مغلوبا على أمره ، فزوجته هي الناهية و الامرة داخل المنزل ، و لا يستطيع ان يتدخل في قراراتها.
تم توضيب غرفة لسكينة و كانت منعزلة في الطابق العلوي ، الخادمة لم يعجبها قرار صابرين و بدأت تتأفف و تسب و تلعن بصوت خافت و هي تساعد في نقل حاجيات سكينة ، متعمدة رميها على الأرض و رفسها بأقدامها الغليظة .
و اخيرا صار لسكينة باب ينغلق بمفاتيح حقيقية، و دولاب كبير تضع فيه ملابسها القليلة ، و خزانة صغيرة تحط فيها أقلامها و كراستها ، و في عشية اليوم جاءتها خزانة للكتب ، تم وضعها في الجانب الأيسر من الغرفة، دخلت صابرين و هي تبتسم  و بدأت تلعب في شعر سكينة و تقول لها بصوت هادئ:

_ لقد وعدتك و وفيت بوعدي ، سوف ادخلك المدرسة .

صرخت سكينة من الفرحة و عانقت صابرين بقوة و بدأت تقبل وجنتيها و هي تردد:

_شكرا لك سيدتي ، أنا حاليا اسعد إنسانة في العالم .

و في تلك الأثناء التحق بهم سيد المنزل و ابتسامته قد انفرجت اكثر مما كانت عليه ، اقترب من صابرين و وضع يده على كتفها و بدأ يلاعب اصابع يدها بكفه الأخرى  و هو يقول :

_ اجمل قرار اتخدته هو هذا .

أدارت رأسها ناحيته و قبل جبينها. و اكمل حديثه:

_ و لانك قمت بهذا القرار فأنا سوف اعطيك هدية رائعة .

نظرت إليه صابرين و هي متفاجئة و بعدها استفسرت عن الهدية ، و ادخل يده في جيبه و اخرج تذاكر حجز فندق و وضعها في يدها و قال :

_ لم نسافر منذ زمن بعيد ، و انا ادعوك و الاطفال الى رحلة جنوب المغرب ..إلى الصحراء ...هل تذكرين يوم قلت لي انك متلهفة لركوب الجمال ؟!

عانقته صابرين و بدأت تصرخ و تنط مثل طفل صغير ، و سألته عن تاريخ الرحلة ، فأجابها أنها سوف تكون غذا و أن عليها أن تتهيأ و الجميع .
لكن ملامح صابرين تغيرت و بعدها بدأت تلعب بخصلات شعرها ثم انتفضت قائلة:

_ لن اتحرك دون سكينة ...

تفاجأ سيد المنزل و بعدها نظر إلى سكينة و قال لها  بهدوء:

_هل انت مستعدة للسفر معنا ؟!

نظرت إليه سكينة بخجل ثم غيرت اتجاه بؤبؤها ناحية صابرين و كأنها تريد تأكيد موافقتها بلسان صابرين . فهم سيد المنزل خوفها و ترددها في الجواب و بعدها اقترب من سكينة و قال لها بصوت دافئ و هو يقترب من أذنها اليسرى ، و كأنه يردد سرا لا يريد أن تسمعه صابرين :

_وضبي حاجياتك ، سوف تذهبين معنا .

و بعدها رفع صوته و هو يضحك مكملا ما بدأه من حديث :

_ سوف نتدبر أمر نومك في الفندق ، و إن اقتضى الحال سوف تنامين معنا في الغرفة .

نظرت إليه صابرين و بعدها تنهدت و همت بالخروج من الغرفة و هي تنظر إلى سكينة بحب غريب ، و بعدها دققت الرؤيى في ملامح زوجها و تنهدت للمرة الثانية ، ثم توقفت و استدارت نحو زوجها و جرته بيده و طلبت منه أن يخرج من غرفة سكينة و يتركها ترتاح قليلا لأنها متعبة ، ثم رفعت صوتها و هي تنادي الخادمة التي كانت سلفا قرب الباب ، و كأنها كانت تتجسس على ما يقال منذ البداية ، و بعدها وجهت لها الحديث و نظراتها مثبتة على عيونها :

_سكينة من الآن فصاعدا ، هي فرد من أفراد الأسرة ، لا اريد ان أراها تحمل شيئا إلا كتبها التي تعشق .

و انصرفت هي و زوجها الذي كانت معالم الافتخار بادية على محياه و هو ينظر إلى سكينة تارة و إلى الخادمة تارة أخرى .

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant