الفصل الثاني عشر: سنة الحزن !!!!

426 39 9
                                    

وجد محمد عملا لفريد في مدينة المحمدية ، كان محمد يتحدث بفخر و ما قاله له زبون من زبائنه عن تاريخ المحمدية ، و انها كانت قبلا تسمى فْضالة و بعدها غيرو اسمها تكريما للملك محمد الخامس رحمه الله ، و كان يقول و هو يحمل في يده عقد العمل و يحركه يمنة و بسرة :

_ و اداريا هي تتبع للدار البيضاء ، فكل التوقيعات سوف تمر من هنا .

كان اخوته ينظرون اليه بدهشة و كيف أن اخاهم اصبح يعرف العديد من الأشياء ، فهو في نظرهم صار شخصية مرموقة ، لكنه في الحقيقة هو   يعمل نادلا في مقهى و أجره ضعيف و لكن بقشيش الزبناء من كان يرفع من قيمته، هو مقهى يجتمع فيه مدرسي و معلمي المدينة .

عبد الجليل كان عندما يتكلم يتلقى دائما الصفع من إخوته ليغلق فمه ، فصوته كان يشبه البنات و طريقة تحريك يداه كانت تستفز الأسرة بأكملها، كانوا ينادونه باسم حليمة و لم يكن يغضب بل يحس بالاطراء، لكن فاطمة كانت تنهرهم و تطلب منهم اختيار كلماتهم، كان غالبا ما يترك في الزاوية لكي يتعلم التصرف مثل الرجال ، و عندما يحاول يتعرض للضرب مرة أخرى .
عبد الجليل الان صار عمره خمسة عشر سنة، و باتت حلمات صدره تبرز أكثر فأكثر ، كان الجميع يسخر منه  و هو يتلذذ بانتقاداتهم، فكلما نعتوه بالشاذ جنسيا زاد افتخاره، كان يتعمد الخروج مرتديا ملابسا ضيقة كي يستفزهم اكثر فيشبعوا غروره الانثوي ، اخوته صاروا لا يتقبلون تصرفاته الغريبة ، لكنه كان يستمتع بنهرهم له و منعه من الخروج ، كان يحب مساعدة امه في أعمال المنزل ، التي كانت تنهره دائما و تلطمه كفوفا كي يعود الى وعيه . زاد الأمر عن حده الى ان تم حبسه داخل الغرفة ، و بات يتوسل الى اخوته كي يتركوه يخرج كما أقرانه ، لكن الامور خرجت عن السيطرة الى ان صار يتعرض للضرب الشديد من طرفهم فبات جسده الغليظ لا يتحمل أكثر... كسرت أسنانه الأمامية و تم حرقه بالنار و تعرض لابشع العذاب لعله يكف عن تصرفاته الأنثوية و صراخه الذي لوث اذانهم على حد قولهم .

فاطمة لم تكن تتدخل في أغلب الأحيان ، كانت تضن ان العنف هو ما سوف يعيده الى رشده ، و صارت تخجل من خروجه في الحي ، و كانت تردد على مسامعه ان والده لو كان حيا لقتله ، و غالبا ما كانت تتمنى موته ، عبد الجليل تعب كثيرا و قرر ان يجد حلا ، فبدأ يتدرب على الرجولة ، يحاول تغليض صوته ، و يطلب من امه ان تعطيه ملابس فريد كي يرتديها و بعدها يتوسل اليها انه سوف يتصرف كرجل مثل اخوته. كانت فاطمة تقتنع من كلامه و تعطيه الفرصة كي يظهر لها ما يقول ، و فعلا كان ينجح في الامتحان و لكن ليس طويلا ، فكان يعود الى طبعه و تعود اللكمات تزور وجهه و جسده.
فريد ذهب الى المحمدية و بدأ العمل هناك في فيلا تملكها أسرة غنية ، كان يبيت في غرفة خارج الفيلا ، يعمل حارسا داخلها ، يهتم بالحديقة و يلبي طلبات أفراد الأسرة ، كان سعيدا بعمله، لا احد كان يعرف انه قتل رجلا ، اصبحت له حياة جديدة و مريحة ، فاطمة كانت سعيدة من أجله.
عصام كان يتشاجر دائما مع عبد الصمد بسبب خديجة ، فغيرته باتت تكبر يوما بعد يوم ، و حب خديجة لعبد الصمد  صار عشقا ، لم تكتف بمراقبته من بعيد ، بل تطورت مشاعرها الى كتابة رسائل غرامية له و بعثها مع اطفال الحي ، كان عبد الصمد يستأنس لما تكتب ،رغم انه كان يعلم ان أخاه مغرما بها ، لكنها الوحيدة التي كانت جريئة وسط معجباته، بعد مدة بات هو الاخر يرد عليها و يكتب لها رسائل بكلمات بسيطة ، كانت خديجة تنتظر رده على أحر من الجمر و هو الاخر كان ينتظر ما تكتبه، عصام لم يدر بموضوع الرسائل الا بعد وقت طويل ، عندما اعترض طريق طفل صغير كان يريد توصيل رسالة خديجة لعبد الصمد ، قرأها و اشتعلت غيرته ، توجه إلى خديجة و واجهها بما كتبته فصرخت في وجهه قائلة:

_ انا احب عبد الصمد و انت تعرف ذالك ، انا متيمة به ، احبه و هو يحبني .

لم يصدقها عندما قالت انه يحبها ، كان يضن انه حبا من طرفها فقط ، لكنها رمت على وجهه رسائل عبد الصمد و كيف أنه يكتب لها كل يوم رسالة ، انفجر غضب عصام مثل البركان ، توجه الى الورشة التي يشتغل فيها عبد الصمد و هو يحمل سكينا في يده ، و باغته بضربة على قلبه الى ان ارداه قتيلا . تجمع الناس حوله بينما فر عصام من المكان و هو يصرخ ، تم القاء القبض عليه و تعالت صرخات النسوة و الاطفال في الحي و تهافت الجميع قرب باب منزل فاطمة التي خرجت منه غير مستوعبة سبب الصراخ ، و تلقت بعدها الفاجعة التي حلت بها ، بدأت تلطم وجهها و تولول في الحي و هي تجري دون وشاح ، رأت جثة ابنها ملقاة على الأرض و فقدت الوعي ، فتم نقلها الى منزلها و هي محاطة بالنسوة.
لم تقف الكارثة الى هذا الحد بل وجدت جثة عبد الجليل في غرفته بعد ان انتحر ، فاطمة فقدت ثلاثة من ابنائها في يوم واحد، ماتا اثنان منهما و حكم بالاعدام للثالث. و من حسن حظ عصام انه لم يطبق عليه الحكم لالغاء الإعدام في سنة 1993.

1993 كانت بداية الحزن للمرة الثانية في أسرة عبد القادر ، تغيرت فاطمة كليا و لم تعد المرأة العابدة و الزاهدة، بل صارت تحاور الله كل يوم و تستفسر عن سبب ايدائها لها و ابنائها، كانت تتذكر كلام عبد القادر عن سكينة و كيف انها سوف تكون دمارا للجميع ، باتت تعنفها دون سبب و تنهرها و تعايرها ناعتة إياها بالمشؤومة.
كان الحي يستفيق صباحا على صراخ سكينة و مساء على صراخ سكينة و ليلا على صراخ سكينة.الى ان قرر أهل الحي على التدخل لإنقاذ الطفلة التي باتت تعنف كل الوقت دون سبب ، قرر محمد ان يتكفل بأخته و لكن زوجته رفضت بعد ان اقتنعت ان سكينة جالبة للحظ السئ ، كانت المسكينة لا تفهم ما يجري حولها ، فبعد ليلة و ضحاها صارت حوار الجميع ، و امها التي كانت تحبها كثيرا باتت تعنفها دون سبب . كانت دموعها لا تتوقف إلا عندما تنام .
صارت فاطمة تتكلم مثل المجانين ، نزعت الحجاب الشرعي و استبدلته بوشاح يظهر شعرها ، إمتنعت عن الصلاة و بدأت تتحدث طول الوقت وحدها، كانت غالبا ما تحدث عبد القادر الذي صارت تراه في كل نواحي المنزل ، تروي له ما جرى لها بعد رحيله و تؤيده الرأي فيما قاله عن سكينة ، كانت تضرب بطنها و تكرر :

_ كان يجب علي ان اقتلها قبل الخروج .

حالتها بدأت تسوء يوما بعد يوم ، لكن سمارة لم تتركها و لو للحظة ،كانت تهتم بها و تطبخ لها و لاولادها، و تحممها و تغير ملابسها، الى ان قررت أن تجعلها تسكن معها في منزلها كي تهتم بها أكثر الى ان تعود الى رشدها و تنسى الكارثة التي حلت بها ، و فعلا ذالك ما حصل .
انتقل ايوب و احمد مع أمهما الى بيت سمارة ، عمر و وليد انتقلا الى المحمدية بعدما وجدا لهما محمد عملا في معمل خياطة، بينما بقي بلال و مصطفى مع اخيهما محمد.

اما سكينة فقد تكفلت بها أسرة غنية في الدار البيضاء ، و تركت منزلها و إخوتها و هي لا تفهم ما جرى ، كل ما كانت تعرفه أنه غير مرحب بها في اي مكان و انه يتوجب عليها الابتعاد كي لا تتأذى أكثر.

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant