الفصل الرابع عشر: 1994

1K 47 30
                                    

1994، عمر سكينة تسعة سنوات ، مرت سنتين تقريبا و هي تلعب دور الخادمة سرا و الطفلة المتبناة علنا ، تعودت على المعاملة السيئة من الجميع، لكنها ربطت علاقة جيدة مع وسام ابن صابرين الأوسط ، عمره بعمر سكينة رغم أنها تظهر أكبر منه، كان يستسيغ اللعب معها خلسة و يقدم لها قصة كل يوم كي تقرأها في غرفتها قبل النوم ، الان صارت تطلب أكثر ، لم تعد تستهويها قصص الاطفال ، بل أصبحت تسرق روايات صاحب البيت من مكتبته و تضعها في غرفتها ، عندما تكمل القراءه تعيدها الى مكانها دون أن يكشف أمرها ، في مدة سنتين قرأت ما يقارب مئة و خمسون كتابا ، ما بين ما كان يقدمه لها وسام و ماكانت تخطف من مكتبة سيد العائلة ، في الحقيقه هو ألطف شخص بعد وسام ، يعاملها معاملة حسنة و يجلب لها هديتها بين هدايا صغاره .
كانت صابرين تطلب من سكينة كل ليلة أن تدلك لها ظهرها قبل النوم ، أصبحت سكينة تتقن عملها الليلي و الذي كانت تأخذ عليه بعض الدريهمات التي كانت تدسها في غرفتها ، كانت تتفقد ذللك الإناء كل ليلة و تنظر إلى مالها القليل و هي تحلم أن تجمع منه الكثير كي تعطيه لأمها فاطمة .
فاطمة تحسنت حالتها قليلا و صارت تبحث عن أطفالها واحدا واحدا ،الا سكينة من لم تكن تذكرها ابدا ، و كأنها انمسحت من ذاكرتها ، و كان كلما تحدث عنها أحدهم تنهره و تقول له بصوت جنوني :

_ لا اريد ان اعرف عنها أي شئ.

كان محمد غالبا ما يخرج من المنزل مكتئبا من حال أمه ،  و كيف انها تنبذ اخته الصغيرة التي تحتاج الى حنانها ، لكن ما كان يطمئنه هو رؤيته لأخته مرة واحدة كل ثلاث اشهر كما شرطت عليه ذالك صابرين ، كان يراها في صحة جيدة ، استعادت حيويتها و جمالها و اصبحت طويلة جدا و مكتنزة ، و كأن عمرها خمسة عشر سنة ، كان ينظر إلى ملامحها المنفردة عنهم ، و شعرها الأسود الذي أصبح يصل الى اخر ظهرها، و ابتسامتها المميزة التي كانت تظهر أسنانها البيضاء المتراصة ، كانت تتكلم برقي و أدب و تحفظ اشعارا و مقولات و تحدثه في العلم و الدين ، لقد كان مفتخرا بأخته و كيف أنها صارت مختلفة عنهم . كان يعانقها و يعدها أن يلاقيها بامهم ، و أنها مريضة حاليا و لا تستطيع أن تتكفل بها ، كانت سكينة تقبله و تقول له ببراءة :

_ كل هذه القبل وزعها على اخوتي قبلة قبلة و لكن امي أعطها كل القبل و قل لها انني أحبها .

كانت تدمع عيون محمد و يعدها بذالك ، فيذهب بعدها عند فاطمة و يقبلها كثيرا و هو يردد:

_ كل هذه القبل أتيت بها من شفتي سكينة و هي تقول لك احبك.

كانت فاطمة تدمع عيناها و بعدها تمسح عبراتها و تنهره قائلة:

_ ابتعد عني ، أنا أحبها و لكن لا أريدها بيننا ، عودتها سوف تجلب الموت لاحدكم.

كانت سكينة تحلم باليوم الذي تعانق فيه امها و لكن صبرها كان كبيرا ، لأنها تعلم أن المستحيل غير موجود و الصبر نهايته جيدة .

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant