الفصل السابع عشر: بداية الدراسة .

393 32 13
                                    

انتهت الرحلة و عادت سكينة و بقية الأسرة إلى الفيلا ، كانت الخادمة غاضبة مما تراه عيناها ، الكل أصبح يعامل سكينة بحب ، أصبحت تجلس معهم على طاولة الطعام ، تتحاور بكل أريحية ، كانت صابرين تنظر إلى سكينة بعين المحبة العاشقة ، كانت نظرات الوله تخرج من عينيها بشكل ملفت للغاية ، لكن سرعان ما كانت تتدارك الأمر و تعود إلى صوابها كي لا تلفت انتباه زوجها و الخادمة التي أصبحت تركز في كل شيء ، كانت سكينة تقف قرب ابن صابرين و تردد بصوت طفولي أنها اطول منه ، كان يحاول أن يسقطها الأرض كي يظهر لها أنه اقوى منها و لكن كان يفشل في كل مرة ، الضحكات بدأت تزور المكان و صابرين تنظر إليهم كل مرة و هي تشاهد شعر سكينة الذي كان يتطاير على وجهها الجميل جدا ، غالبا ما كانت تناديها كي تسرح شعرها الرطب الاسود ، و بعدها تدير وجهها ناحيتها كي تتمعن في شفاهها المكتنزة الوردية اللون ، و أسنانها  المتراصة كصفوف المصلين بعبايات بيضاء، كانت دائما ما تجر أنفها و هي تمده بين أصابعها كي تتلمس جماله ، أنفها لم يكن يشبه اي انف رأته صابرين ، بروعة جماله كانت تتغنى به داخلها ، و هي تنظر إلى خياشمها الصغيرة، عيناها و ما ادراك ما عيناها، كانت تذوب في لونهما العسلي ، و تلك الرموش السوداء الكثيفة  التي كانت تغطيهما ..و حواجبها  التي كانت لا تحتاج نمش ولا قص و لا  صبغ، كانت مرتبة من عند خالقها، و عنقها الطويل الذي كان يزيد من علو قامتها ، و لون بشرتها المائل إلى الاسمرار، كانت تلمس يداها و تحس بتلك الأنوثة التي تقطر منهما ، أصابع طويلة و ملمسها رطب ، اما صوت سكينة فكان يزعزع كيان صابرين و كانت تود أن تسمعه كل ثانية ، كانت تعشق سماع بحة صوتها  و هي تناديها صابرين ، منعت عنها الرسميات كما كانت تدعي ، كانت تفضل أن تناديها صابرين حافية، دون عمة و لا خالة ولا سيدة ، و قد تعودت سكينة على ذالك .

اليوم الأول لسكينة داخل المدرسة ، لقد ارتدت  فستانا أزرقا  مزركشا بورود حمراء ، جمعت شعر رأسها إلى الأعلى و قد كانت السعادة تظهر على محياها الجميل ، كانت صابرين سعيدة جدا من أجلها ، ليس أنها سوف تتعلم ، بل أنها سوف لن تخرج من بيتها ابدا ، سوف تضل تراقبها و هي تكبر يوما بعد يوم ، صارت تعشق وجودها قربها بأي شكل ، كانت غالبا ما تجلس مع نفسها و تردد أن ما تحس به غير طبيعي ، كيف لها أن تعشق فتاة بعمر أطفالها ، و تقنع نفسها انها ليست مثل كل الاطفال ، بل يظهر عليها عمر الخامسة عشرة ، و تبدأ في إعطاء نفسها تبريرات كثيرة ، لدرجة أنها بدأت تقارن نفسها بالرجال و تحاول أن تستشهد بحكايتها ما وقع لعمها الحسين الذي تزوج ابنة عمه و عمرها عشر سنوات ، بل و تذكرت قصتها هي التي تزوجت بعمر الثلاثة عشر و زوجها الذي يكبرها بخمسة عشرة سنة ، شدت أصابع يدها و بدأت تحسب الفرق العمري بينها و بين سكينة ، و قد كان 15 سنة ، تشتت تفكيرها و ضلت تزيد من تبريراتها و هي تحلم أن تعيش معها ما تبقى لها من حياة ، كانت تحلم و تحلم و هي تعيد شريط حياتها المستقبلية مع سكينة ، و بعدها تصرخ وحدها في صمت و هي تمزق كل الصور التي صارت تضعها في مخيلتها ، كانت تتمزق بين أن تعشق فتاة و أن تكون أكبر منها بخمسة عشر سنة، صارت تريد أن تجعلها قربها فقط و تحتفظ بالسر إلى أن يقع شيئ قد يحقق كل أحلامها .
سكينة البريئة لم تكن تفهم شيئا ، كل ما تراه هو سيدة لطيفة جدا ، كانت تعاملها بشكل سيئ و لكنها تغيرت و اصبحت مثل الملاك ، نسيت تلك الممارسات الغريبة التي كانت تقع بينهما ، نسيت رائحة المرطب ، نسيت تلك اللمسات و الأنفاس المقززة ، نسيت كل شي و بدأت تتأقلم مع حياة جديدة .
مر شهرين على الدراسة و كانت سكينة تعود إلى الفيلا و هي تروي للجميع كل شيء ، معلميها كانوا سعداء بها و كانت اتصالاتهم بسيد البيت متواصلة و هم يشكرون تصرفاتها منبهرين بذكائها و سرعة بديهتها ، و تفوقها في كل الامتحانات ، كانت النموذج الأمثل للتلميذ النجيب .
لكن سكينة لم تكن تروي لهم تعرضها للتنمر من التلميذات و التلاميذ ، و كيف أنهم عرفوا كونها مجرد خادمة فقيرة، و أنها لا تملك أسرة حقيقية ، لم تكن تعرف سكينة من اين يأتوا بكل هذه الأخبار ، كانت تبكي كل يوم في غرفتها ، و لكنها لم تكن تقوى لتحكي ما يقع لها ، لأنها كانت خائفة أن يوقفها سيد البيت أو صابرين ، لكي يحموها من التنمر . لهذا كانت تلتزم الصمت لأنها كانت تحب الدراسة بشكل لا يوصف ، لكن ما كان يخيفها أكثر هو ما كان  يفعله معلمها معها كل مرة ، كان يناديها عندما يخرج الجميع و يضعها على فخده و هو يريها بعض الصور في كتاب التفتح التكنولوجي ، كانت لا تريد و لكنه كان يرغمها على الجلوس و هو يقنعها أنها مثل ابنته ، و بعدها يدفعها عندما يسمع صوتا ما من بعيد ، بل و هناك رجلا يتبع خطاها كلما خرجت من المدرسة ، كان يحمل في يديه اقلاما ملونة و يحاول أن يغريها ببعض الدريهمات كي تقترب منه أكثر ، لكنها كانت تتهرب منه و تسرع خطاها كي تصل إلى البيت بسرعة ، المسافة لا تتعدى خمس مئة متر مشيا ، لهذا كانت تترجل كل يوم لتقطعها، كانت ترافقها زميلة في القسم ، هي طفلة  تصغرها بسنتين ، سكينة دخلت متأخرة للمدرسة ، و هذا ايضا كان يعرضها للتنمر ، لأنها كانت تظهر بعمر الخامسة عشر  ، لكنها كانت تتحمل كل ذالك من أجل الدراسة ، سيد البيت تكلم مع مدير المدرسة كي يتم نقلها لمستويات أعلى ، خصوصا أنها ذكية جدا و يمكنها أن تواكب سرعة التدريس في أي مستوى ، كان يريدها أن تبدأ من قسم يحتوي تلاميذ من سنها على الأقل ، المدير طلب منه أن يصبر ريثما يتم الرد على طلبه من طرف وزارة التربية الوطنية ،و طال الانتظار و لكن الأمل باقيا بتطور مستوى سكينة الدراسي الذي أصبح يبهر كل موظفي تلك المدرسة .
كانت صابرين تنتظر عودة سكينة بأحر من الجمر و تهيئ لها كل الجو المناسب لراحتها ، ما جعل الخادمة تمتلئ حقدا و بغضا عليها ، فقررت أن تنتقم منها و تخلي سبيلها بطريقة ما ، فوجودها خلق تغييرات سلبية كثيرة في حياتها ، قلت العلاوات و صاحبة البيت لم تعد تهتم بها كما سابقا ، صارت سكينة تتوصل بهدايا كانت الأولى أن تتوصل بهم هي على حسب ضنها ، و اشياء كثيرة جعلت من سكينة العدو الأول لها ، جلست في المطبخ و هي تقشر البصل و تسمع أصواتهم و هم يضحكون ، و كيف سكينة قد تغيرت نبرتها مع الجميع ، فقد صارت أكثر قوة ، و بدأت تنسجم مع الأسرة ، و بالمقابل تهمشت علاقة الخادمة بهم و تقلصت قيمتها بينهم ، بل و صارت تحس انها خادمة لأول مرة في حياتها منذ أن بدأت العمل في الفيلا ... كانت تفكر و هي تقص البصل الى أن قصت اصبعها من كثرة التفكير و كيف يجب أن تجد خطة تعيد سكينة إلى وضعها الطبيعي ، و تعيدها الى غرفتها الفقيرة و تخرجها من المدرسة ... و تجعلها تساعدها في تنظيف الفيلا  و هي تنهي و تأمر فيها .

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant