الفصل الرابع : الدار البيضاء

662 34 11
                                    

المسافة كانت طويلة جدا جدا ، سبع ساعات لم تتوقف فيها الشاحنة و لو مرة واحدة ، فاطمة وزعت كل الخبز الذي كان يوجد داخل الكيس و لم يبق منه شيئا ، الملابس أخرجت من بعض الاكياس و تم الاستعانة بها لتغطية تلك الأجساد الصغيرة التي غطت في نوم عميق ، كانت رحمه الله عليهم في إغلاق جفونهم مثل أهل الكهف ، سكينة كانت هادئة في معظم الأحيان ، فقط بعض الصرخات التي كانت تسكتها حلمات ثدي فاطمة و هي ترضعها دون كلل، محمد كان يحتضن اخويه الصغيرين و يتبادلان دفء أجسادهم ، لن ينسوا ما مر بهم هذا اليوم من 13 يناير من سنة 1986 و قد كان الراديو حينها يتحدث عن احداث مجزرة اليمن .

أول مرة تبتعد فاطمة عن القبيلة كل هذه المسافة ، زارت اختها ثلاث مرات طوال عمر زواجها و المسافة لم تكن تتجاوز سبعين كيلومترا، بدأت تنظر الى السماء و كم هي مختلفة عن سماء قريتها، هناك مبان تظهر متفاوتة العلو ، تحجب الرؤيا الكاملة للسماء، تعرقل العيون على النظر تلك الاسلاك التي تربط المباني فيما بينها ، مازالت فاطمة داخل الشاحنة ، و مازالت الشاحنة تمشي ، و لكن هذه المرة سرعتها صارت اقل بكثير ، وقف محمد و هو يتمدد على باب الشاحنة ،مبحلقا في الناس و البنيان ،و ذالك الشارع الطويل الذي لا تظهر بدايته، الحمير التي كان يراها في قريته ليس كحمير المدينة ، فهنا يتم تزيينهم بأشكال مختلفة ، لكن حمار المدينة بنيته ضعيفة و الحزن باد داخل عينيه، روائح مختلفة زارت انف محمد ، في قريته كان يشتم رائحة براز الحيوانات ، او رائحة الخبز داخل الفرن و غالبا رائحة التراب عندما يبلله المطر ، لكن ما يشتمه حاليا هو مزيج بين ما يعرفه و ما لا يعرفه ، فريد و عصام تبعا محمد فيما يفعله و تمددتا قدماهما أكثر من قدما محمد ، فهو أطولهم و اقواهم ، يشبه والده عبد القادر في كل شئ ، صار الحديث بينهم هم الثلاثة معلقين على أي شئ ، بينما فاطمة كانت ترضع سكينة و تمسح على رأس عبد العزيز أصغر إخوته، فقد كان يبكي و يتمرغد على مبسط الشاحنة طالبا الأكل ، كانت فاطمة تخرج الخبز من كيس أسود و تقطع منه القليل كي تسكته، و تسكت إخوته أيضا كلما جاعوا و لكن لم يتبق منه شيئا، توقفت الشاحنة في تلك الأثناء ، دار حوار بين سائق الشاحنة و أحد المارة و يظهر أنه يعرفه، و كأنه سأله عن الشيخة سمارة ، هكذا نطقها لربما ، فقد كانت كلماته مبعثرة رغم أنه تكلم بصوت عال جدا ، و بعد مدة قصيرة خرج أحد الرجال من الشاحنة و فتح بابها دون أخذ الإذن ، و بعدها طلب من الجميع أن يخرج بطريقة غير مؤدبة و كأنه يكلم البهائم ، نظر إليه محمد و بعد أن كضم غيضه غلبه الغضب فتكلم معه بصوت قوي و هو يحاول تضخيمه كي يظهر أكثر رجولية :

- ألا تستأذن قبل فتح الباب ؟ لقد كنت و اخوتي ملتصقين بها ، و ايضا أمي لم تتهيأ بعد ...

قبل أن يكمل جملته جرته فاطمة و اعتذرت من الرجل و هي تغطي شعرها ، قرصت محمد على ذراعه. مشيرة إليه بالابتعاد ، و ذالك ما فعل . و بعدها شرع الرجل في الكلام غير مبال بما بذر من محمد ،و كأنه متعود على ذالك :

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant