الفصل العاشر : محمد ؟!

423 35 10
                                    

مرت ثلاث سنوات على زمن الحزن 1989.

استيقظت فاطمة و تأهبت لزيارة فريد في الاحداثية المتواجدة في الدار البيضاء ، لقد مضت سنة و نصف على سجنه ، عمره الان ستة  عشر سنة ، لم يتبق له إلا عام واحد كي يتم نقله إلى سجن الكبار ، فاطمة لا تنتظر ذالك  العام و لا تريد للزمن أن يتحرك ، فهي خائفة على فريد في ذالك المكان الذي سوف يتم نقله إليه ، سمعت أن هناك سوف يتعود على التدخين و سوف يجرب المخدرات و قد يتم الاعتداء عليه من السجناء الأكبر منه سنا ، لكن في نفس الوقت تريد أن يطير الزمن و تنقضي تلك الخمس سنوات و يعود فريد إلى حضنها كي يطمئن قلبها ، كان محمد معها و قد اصبح رجلا كاملا على حد قولها ، هو يشبه والده في كل شيء ، عيبه الوحيد أنه اصبح عاطفيا جدا ، و قد لاحظت أنه صار مغرما بابنة عبد الهادي خديجة  ، صارت ترى اهتمامه بهندامه، و بدأت تشم رائحة عطره القوية ، بات يحلق ما نبت من لحيته كل يوم و ينزل عيناه خجلا كلما زارت خديجة منزلهم، بل صارت خديجه تكثر من الزيارات و تتعطر هي الأخرى و تسرح شعرها يمنة و هي تضع بعضا من أحمر الشفاه الذي كان يظهر مبعثرا على جنبات فمها ، و كأنها كانت تضعه في اخر لحظة ، مازالت بعض آثاره على اصبعها ، لربما كانت تستعين باحساسها لصبغ تلك الشفاه الرقيقة و ليس المرآة.
عبد الهادي خرج من السجن و قد سامحته الياقوت على ما ارتكب ، ليس حبا فيه كما قالت لفاطمة، و لكن لأنها لا تقو على تربية أطفالها لوحدها، صار عبد الهادي قليل الكلام و الاكل و النوم ، و كأن الندم نال منه، كما رددت الياقوت أنه سيندم على ساعة ضعف العمر كله، و أكدت أن عبد الهادي لم يعرف يوما أن معاذ إبنه، و للإشارة فمعاذ أصبح يعيش مع اسرته الجديدة ، الياقوت تقبلته و قبلته و استساغت عيشه معهم ، فهي تذكر دائما حسناته و بره لوالده و احترامه لها و حبه لاخوته ، صار بها الحال أن قالت أن اجمل شئ وقع في تلك الحادثة هو معاذ، و كأنه ابنها الذي لم تلده. الياقوت انسانة طيبة كما كانت تراها فاطمة ، صبورة و حنونة جدا ، تملك بعضا من العيوب و لكنها لا تظهر من قوة حسناتها.
انتهت ساعة الزيارة و عادت فاطمة مع محمد و هو يسعل كلما اتيحت له الفرصة ، فاطمة تعلم أنه يريد قول شيء ما، لكنها تركته يتشجع ليتكلم وحده ، و بعد أن طال صبرها أعطته سكينة السمينة كي يحملها و كأنها عاقبته على خجله الزائد و ضعف شخصيته التي برزت هذه الفترة الأخيرة ، هي تريده أن يعود كما كان سابقا، ذالك الرجل القوي الذي يمشي و رأسه مرفوعا فوق كتفيه العريضتين، و رائحة عرقه التي كانت تذكرها بزوجها عبد القادر.
بعد مدة طويلة من المشي وضع محمد سكينة على الأرض و بدأ يساعدها على المشي، مشاغبة هي سكينة ، تعرف متى تجري و متى تمشي و متى تنكسح و تسقط أرضا و تطلق العنان لصراخها ، كانت تريد أن تبقى طول الوقت فوق كتفي محمد كي ترى العالم كله و تبحلق في المارة و تخرج لسانها الوردي لكل طفل ينظر إليها و هي تتدلل و تتمختر من ذالك العلو ، و كأنها تقول له أنا لا اكلم الاقزام.
حملها محمد مرة أخرى و بعدها وجه كلامه لأمه و هو يبتسم:

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant