الفصل السابع: عبد العزيز

471 32 6
                                    

لقد مرت اربع ساعات و لم يرجع عبد الهادي بعد ، استفسر بعده محمد فقيل له ان زوج الجارة حادة أقلهما على دراجته و ذهبوا الى مستوصف الحي الذي يبعد خمسة كيلومترات ، ضلت فاطمة تبكي و معها جاراتها ، كلهن جزمنا انها الحصبة، فقد اصابت العديد من الاطفال هذه السنة ، أكدت لهن فاطمة انه اخذ تلقيح الشهرين و لم تعده لاخذ الثانية في سنته الأولى ، فقد تحججت بمشكل  المواصلات ، و انه حينها قد وقعت مشاكل حالت دون ذلك، لم توافقها معضمهن على ما فعلت فنهرتهن الياقوت مؤكدة  ان الامور تجري في بعض الاحيان عكس ما نريد ،بدأت فاطمة  تحمد الله على كل شئ و تذكرت سكينة فمال قلبها لها و استعطفت الياقوت ان تأتيها بأبنتها كي ترضعها، نظرن النسوة لبعضهن و قد دخل الشك في قلوبهن، فهن قد حضرن لنساء ينبذن رضعهن في حالات خاصة ، هو حقيقة يسمى الاكتئاب بعد الولادة ، و قد يتعرض له العديد من النساء ، لا يعرفن هذا الاسم لأن أغلبهن لم يدرسن و لا يملكن ثقافة عامة ، و لكن المثل يقول "أسأل المجرب و لا تسأل الطبيب" و هذا حال النسوة غالبا ، فهن يعرفن أشياء كثيرة و لكن فقط لا يستطعن التحدث بمراجع أدبية أو إعطاء مصطلحات علمية .
سمعوا صوت دراجة نارية تقف قرب المنزل و جاء الاطفال يهلهلون و ينادون على أمهاتهم:

-عبد العزيز عاد ، عمي عبد الهادي جاء .

وقفت فاطمة و هي تبحث عن ابنها وسط الجميع ، تنتظر دخوله من بينهم و هو يبتسم كما كان يفعل دائما ، و يبحث عن أي شئ يزور  فمه ، فقد كان معروفا بشهيته الشرهة ، و ضحكته اللولبية التي كانت تزور وجهه السمح، نسيت موت عبد الله و تشبتت بحياة ابنها اخر عنقود ذكورها. دخل عبد الهادي و بين يديه عبد العزيز الذي كانت حالته سيئة جدا ، كان يتنفس بصعوبة ، وجهه اصبح مزركشا باللون الأحمر ، وضعه عبد الهادي على الأرض و طلب من الجميع الابتعاد عنه ، ضمت النسوة اطفالهن و اردن ابعادهم عن عبد العزيز خوفا من العدوة ، خرج البعض منهن و هن يأمرن اطفالهن بالالتحاق بهن ، بينما فاطمة احتضنت ابنها و بدأت تبكي في أحضانه و هي تردد بحرقة :

- مالذي يؤلمك يا ولدي ، امك معك يا قرة عيني .

اقترب منها عبد الهادي و بدأ بتفسير ما وقع و هو ينظر الى محمد الذي كان ملتصقا بأمه:

-انها الحصبة ، لقد تم اعطاؤه الدواء ، لقد تاخرنا لان عدد الاطفال المرضى بالحصبة كان مرتفعا ، لقد نصحني الدكتور بأن يتم عزله عن بقية أخوته ، و اعطاني دواء يجب ان يستعمله لكي تخف حرارته .

فرحت فاطمة و اخذت الدواء من يد عبد الهادي و هي تبتسم و قد امتزجت دموع عينيها بحزنها ،فصارت لا تعرف ذالك الشعور الذي زار قلبها ، و كأنه طعم السكر ممزوج بمر العلقم ، شكرته و دعت له دعوة خالصة كانت تظهر انها نابعة من قلب طاهر، كان عبد العزيز مازال غائبا عن الوعي و لا يدرك ما يدور حوله ، في 1986 لم تكن هناك رعاية دقيقة لمثل هذه الحالات ، لكان من الاجدر ان يُترك عبد العزيز في غرفة يتلقى علاجه الى ان يخرج معافا مشافا، لكن قدر له ان يولد قبل أن تتطور الامور في المغرب ، بل ولد في أسرة فقيرة لم تجد لتلك الغرفة حيلا .
خرج الجميع تقريبا و بقيت فقط الياقوت و عبد الهادي ، أنها الساعة الرابعة عصرا، بدأت الياقوت تنظر إلى جنبات المنزل و وعدت فاطمة أن تنظف معها و البنات المكان غذا صباحا ، و ان تملأ لها المطبخ بالأواني التي سوف تحضرها من جارات الحي ، و ايضا وعدتها أن تفرش له الغرفة الفارغة بما تملك من أثاث زائد عن حاجتها.
بدأت فاطمة بالبكاء و هي تشكرها و تحيي فيها الجانب الإنساني الذي كانت تضن قد مات في البشر ، حمدت الله في قرارة نفسها عن هذا الخير الذي بعثه لها ، فهو يظهر لها أن الحياة فيها الجانب المضيء كما المظلم ، و أنه يمتحن صبرها ، و ما بعد  العسر إلا اليسر ، تذكرت ابنتها و طلبت من الياقوت أن تحضرها لها و قد طمأنتها أنها حالة يأس قد انتابتها و لكن زالت بسرعة و لم يبق لها أثر ، فهي تحب ابنتها التي كانت تنتظر مجيئها منذ زمن بعيد ، صدقتها الياقوت و احست بما تمر به فاطمة و وعدتها أن تأتي بها ، غاذرت الياقوت المنزل مسرعة و تبعها عبد الهادي و هو يكلم فاطمة و محمد :

بأي ذنب عُذبت؟Où les histoires vivent. Découvrez maintenant