نبا يقين 3

598 48 1
                                    

وقفت العربية قدام البيت، المُسعف فتح الباب، محدش عرف ينزلها من الناس ال كانت متجمعة حوالين العربية، ولكنهم وسعوا عشان يعدوا بجسمانها ويدخلوه البيت، لما نزلوها أبوها كان وصل ودخل وسط الناس عشان يوصلها، بدون إرادة ووعي منه رفعلها النقاب وقالها: شفاء؟ بنتي؟ قومي قومي عشان خاطر بابا.
جات أمها تصرخ باسمها: يا بتي! يا ضنايا قومي، قومي اتوضي يالا المغرب قرب يأذن، هخليكِ تتوضي لوحدك والله، قومي بس، بعد كدا صرخت باسمها بصوت اهتز له قلبي!

الناس اتلمت ع أبوها وأمها ومسكوهم عشان يقدروا يدخلوها البيت.
دخلت البيت على ضهرها، كانت دايماً عاملة حساب اللحظة دي، قالتلي في مرة: عارفة يا حياء؟ في مرة كنت بلبس آخر كام قطعة من هدومي قدام ماما وأنا خارجة للجامعة، فشافتني لابسة بنطلون جينز، وجبت جيية جينز تقيلة وهلبسها فقالتلي: كل دا؟ متعقديش نفسك بقا، ماهو لابسة بنطلون تحت العباية، بلاش مُبالغة.
كنت بقولها: يا ماما، بلبس بنطلون عشان لو حصل ووقعت أو حصلتلي حاجة وهدومي اترفعت أكون مستورة، وبلبس جيبة جينز حتى لو الجو حر، عشان لو جم شوية هوا ميخلوش العباية تلصق فيا وتصفني.
وبعمل كدا يا ماما عشان مش ضامنة أنا خرجت، هرجع تاني على رجلي ولا لا، هقابل ربنا بهدوم تراضيه عني ولا لا، بعمل حساب اللحظة دي.

شفاء كانت دايماً قبل ما تخرج تتوضأ وتصلي، وبتقول: عشان لو حصل ومُت في الطريق أقابل ربنا على طاهرة لأنه بيحب المُتطهرين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
فحابة أقابل ربنا وأنا طاهرة، وأنا مؤمنة ويكون أخر عمل لي في الدنيا الصلاة.
كانت دايماً بتسبح وتذكر ربنا طول ما هي قاعدة لوحدها، وبتقول: حابة ألقى الله ولساني ذاكِر.

وضعوا شفاء على السرير، أبوها دموعه موقفتش، أمها بكاها ال يقطع القلب موقفش، حضنوها وأبوها قبَّل رأسِها وقال: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون، زي ما كُنتِ ثابتة في مرضك يا بنتي، وكنتِ بترددي الآية دي دايماً: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"

ولما أزعل عليكِ يا شفاء كنتِ بتقولي يا بابا دا ربنا بيقول بعدها "أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ"

حد يطول يا بابا ربنا يصلي عليه ويرحمه ويهديه؟ قول إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون مثلي يا بابا، ربنا وضعني في الأرض لغاية وحكمة منه، ولما وقتي يخلص هياخدني تاني، الأرض ماكنتش وطن ليا ولا هتكون، إحنا مكانّا الجنة يا بابا ولازم نحسن عملنا عشان نروحها.

شفاء كانت دايماً بتقول: كانت الدنيا ولم أكُن فيها وستكون ولن أكونُ فيها.

أبوها متمالكش نفسه وهو بيقول الكلمات دي، وبكا وكل الناس ال سمعته بيتكلم بكت، وقال: هقول زي ما علمتيني يا بنتي: إنا لله وإنا إليه راجعون، روحتِ عند ربك زي ما كنتِ بتتمني. ياااااارب صبرني، ياااااارب أنت عالم غلاوتها عندي ياااااارب، يااااااارب!

دخلت أختها عليها وكانوا اتصلوا بيها وجات جري من الشغل، دخلت الأوضة وكلها زهول وصدمة، متكلمتش كانت الصدمة هي سيدة الموقف، حضنتها وضمتها لصدرها وقبلتها على جبينها قُبلة طويلة جداً كأنها كانت بتشبع منها، مسكت إيدها وباستها، رجعت ضمتها تاني وبكت بكاء مكتوم صرخت في حضنها فكانت الصرخة بتخرج مكتومة، أمها كانت مش قادرة توقف، كل ما توقف توقع تاني، كانت لحظات مهيبة، لولا الثبات ال عاشت شفاء تعلمه ليا ولباقي البنات كنت انهرت تماماً!

وكالعادة، قرايب الميت قاموا بالواجب، ال جري يشتري الكفن وأدوات الغُسل، وال جري عشان ينده عليها في الجامع، وال جري عشان يجيب مُغسلة!

دخل واحد ومعاه المُغسِّلة وبيقول: خلاص يا عم أحمد قوم عشان يغسلوها إكرام الميت دفنه.
لكني وقفت في وشه وقُلت: محدش هيغسل شفاء غيري، دي وصيتها ووصيتها لازم تتنفذ، شفاء قالتلي على المكان ال مخبية فيه وصيتها، الوصية في أوضتها في المكتبة في كتاب السيرة النبوية للشيخ محمد متولي الشعراوي.

أختها خرجت تجري من الأوضة وراحت عشان تجيب الوصية وجابتها، ولما بصت فيها زاد بكائها وانهارت في الأرض، جريت عليها قومتها ودخلت وأنا قلبي مفطور من الحزن على رفيقة قلبي ودربي، سألتُ اللهَ الثبات وقرأتها على أهلها وكل ما أقرأ بند فيها يزيد بكاء أهلها وأحبابها.

كان من ضمن وصاياها، أن محدش يغسلها غير أختها لو مقدرتش يبقا تغسلها حياء، صحبتها ال كانت دايماً تعلمها طريقة الغُسل لأجل اللحظة دي.

اسكريبات ومقطتفات دينيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن