٢

16.6K 159 2
                                    

تذهب إلى البار مرة أخرى .. يسألها البارمان ان كانت تريد كوبا اخر من العصير .. هزت رأسها نفيا .. قالت انها تريد شيئا أقوى بكثير .. ابتسم لها ثم ذهب ليخلط أشياء عجيبة ببعضها .. هل ابتسامته كانت ابتسامة مشفقة؟ .. هل هي بائسة لهذه الدرجة؟ .. هل يلاحظ الكل ذلك؟ .. هل الجميع ينظر لها بحسرة الان من وراء ظهرها؟ .. هل يشيرون إليها خفية أنها تلك الفتاة التي تلهث وراء نظرة من (مروان)؟ ..

أدارت رأسها بحركة عصبية .. لم تجد أحد ينظر ناحيتها .. لا أحد يهتم بها من الاساس .. كان هذا اسوأ .. على الاقل كانت تظن انها جزء من محور اهتمامهم .. الان ادركت انها ليست مهمة حتى لدرجة كافية ان يتحدثون عنها من خلفها .. هي بالنسبة لهم غير موجودة .. يبدو انها كانت تتوهم ان البعض نظر ناحيتها حين دخلت المكان .. ربما كانوا ينظرون لمن خلفها ..

وضع البارمان ذلك الكوكتيل الكحولي العجيب امامها ثم ذهب لشخص اخر ينادي عليه .. كان يبتسم لذلك الاخر بنفس تلك الابتسامة .. اذا فلم تكن ابتسامة شفقة .. هي ابتسامة آلية بحكم عمله .. حسنا .. ولا حتى البارمان يهتم ..
جال في خاطرها ان النساء في الافلام عندما يكن في اسفل نقاطهم النفسية -مثلها الان- فإنهم يضاجعن البارمان في نهاية الحفل .. ولكن .. هل سيرضى ذلك البارمان بها أصلا؟ .. الكثيرات في الحفل أجمل وأفضل قواما منها ..

انتبهت للافكار .. حسنا .. قلنا ان هذا وقت الكحول .. لنشرب القليل ونحاول دفن تلك الافكار المؤلمة .. أخذت الكأس واتجهت لمقعدها السابق .. كان أحدهم يجلس عليه ..
قال لها عقلها ان في ظرف اخر كان هذا ليكون مدخل حديث جيد مع رجل .. تقول له هذا مقعدي، فيعتذر، فتخبره انها تمزح .. وهكذا يبدأ حوار لطيف .. يتحدثان .. يعرض ان يحضر لها شرابا اخر .. يخرجان للشرفة .. يتحدثان .. ومن يدري؟ ربما لا تعود للمنزل وحيدة وقتها ..
ولكن .. الجالس على مقعدها كان عجوزا .. يبدو في المائتين من عمره .. هذا السيناريو الحالم لن ينجح هذه المرة .. لم يبلغ بها اليأس ان تترك نفسها لجدها هذا ..

بحثت عن كرسي خالي .. الجميع يجلس في مجموعات .. او ثنائيات .. لا احد يجلس وحيدا .. فقط هي ستجلس وحيدة ..
وجدت مقعدا .. اتجهت إليه وجلست .. يا للحظ المريع .. كان الكرسي يجعل (مروان) في مواجهتها .. ربما بعيدا في الطرف الاخر من القاعة، ولكنه في مواجهتها .. وسحقا! .. الان كان منخرطا في الحديث مع أخرى .. لا يضيع وقته هذا المروان .. من يعرف؟ ربما هو من يحاول ايقاع تلك الفتيات البريئات في حبائله .. ربما هن يتعاملن معه بحسن نية وهو الثعلب الماكر الذي ينصب لهم فخه بكلامه المعسول ووسامته الزائدة عن المقبول ..

رشفت رشفة من الكوكتيل .. كان قويا بالفعل .. هذا البارمان يتقن عمله برغم كل شيء .. لو اتيحت لها فرصة لتضاجعه هذه الليلة ستجعله يصنع لها واحدا اخر .. على الاقل لتنسى مروان اللعوب هذا .. مروان التي ادركت الان انها كانت مخدوعة به .. هي واثقة الان انه ممن يوهم الفتاة بأنه الفارس الهمام او الملاك البراق -أيٌ ما يناسبها- ليصل إلى ما بداخل بنطالها .. او فستانها ..
احتقرته داخلها .. ارتشفت رشفة أخرى .. كوكتيل مر ولكنه هام لتدرك ما الذي كانت ستتورط به مع هذا الذئب ..

الموسيقى مرة أخرى .. بالطبع سيراقص تلك الفتاة الغرة .. سيكون السيد المهذب الذي بالكاد تلامس اصابعه منتصف ظهرها .. سيركز عينيه على عينيها حتى تطمئن انه ليس من هؤلاء الرجال الذين ينظرون لصدور النساء نصف العارية .. وهنا تخطو الفريسة داخل الفخ .. وببعض الابتسامات والكلام الواثق ينغلق الفم تماما .. وفي نهاية الليلة تتركه الفتاة يفعل بها ما يشاء .. يا لسذاجتها ..

رشفة أخيرة تنهي ما في الكأس .. تشعر بالدماء تندفع في عروق وجهها .. تأثير الكحول .. أسنان مروان البيضاء الناصعة وهو يبتسم لفريسته تصيبها بالاختناق .. تريد بعض الهواء .. ربما الشرفة هي الحل ..

تخرج .. هواء الشرفة عليل .. بارد قليلا ولكنه منعش .. شعرت بالامتنان لانها خرجت والموسيقى في لحظاتها الاخيرة .. لا تريد ان ترى نظرة الاعجاب التي تنظر بها تلك الفتاة الطيبة لذلك الشرير الذي يراقصها .. سيقتلها هي انها لا تستطيع مساعدتها .. ستصير تلك الفتاة ضحية .. ضحية بريئة وجاهلة ..

لحظة واحدة .. لماذا هي هنا حتى الان؟ .. لا تجلس مع أحد .. لا احد يلاحظ وجودها .. حتى مروان -الشيطان- لم يرها .. ما الذي يجبرها على البقاء؟ .. لتعود إلى منزلها .. لتدفن احزانها في (بيتزا) من الحجم الكبير مع فيلم كوميدي تافه وتنام ..

أخرجت هاتفها لتطلب سيارة (أوبر) .. لم تأت بسيارتها لأنها توقعت انها ستشرب بعض الكحول اليوم .. الحقيقة انها توقعت أشياء أخرى أيضا .. ولكن مروان هذا كان يغزل شباكه حول أخرى .. بل أخريات ..

قبل أن تضغط تأكيد الطلب، شعرت بأصابع تطرق كتفها من الخلف بخفة .. كان هذا مروان ...

المرة الأولى (+١٨)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن