العار المشترك مغسولاً بدم المرأة

23 10 1
                                    

بقلمــي: وجــدان العــامـري

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى

حتى يراق على جوانبه الدم..

هذا ( الشرف الرفيع ) في بيت المتنبي، الذي يعد أكثر شاعر عراقي وعربي حمل قيم الفحولة، وهو يبدو اليوم شديد الالتباس، لم يجر إسناده، لدى أغلب المتحدثين في مجالس العشائر في العراق وهم يتمثلون به بفخر، سوى إلى مدلوله النفعي متحصناً بالمرأة، ومتشبثاً بفكرة العفة الجسدية لفتيات العائلة والفخذ والقبيلة، فهي عنوان الشرف الأبرز، هكذا يجري تفسير القيم الدينية أيضاً، لكنه شرف يجري توجيه طقوسه الأضحوية باتجاه واحد، اتجاه جنساني يضع القرابين النوعية في بلداننا في معادلة قسرية وقسمة ضيزى.

وإذا ما كان المتنبي شاغل الناس بمستوى أشعاره التي تفيض حكمة غامضة، فإن المرأة شغلت الأمم بغموض من مستويات أخرى.

فبينما قامت واحدة من أكبر الحروب الأسطورية بسبب امرأة، أو هكذا أراد أعمى الإغريق أن يرى بإلياذته، فإن الشرف لم يلتصق بمفهوم العفة الجنسية لهيلين نفسها، فلم تكن هيلين إلا معادلاً للشرف الإسبارطي الجمعي المثلوم على يد احد صبيان طروادة الساحرين!

هبة مينلاوس وجموع الأسبارطيين والإغريق جاءت من أجل استعادة وجه هيلين المسروق ، ليس لإلحاق الأذى به، بل لتأكيد طهرانيته.

لكن هيلين نفسها، سبب الحرب الملحمية الطويلة، وحرق المدن ومقتل أبناء الآلهة،  كانت شاهداً على عودة الشرف وترميم الثلم، ورمزاً لهذا كله، فبقيت على قيد الحياة دون أن نعرف إنها قتلت.

وفي العراق، فإن أكثر من خمسة وثلاثين عاماً من القمع الذي طال الجميع، وثلاثة حروب كبرى خلال ربع قرن، وثلاثة عشر عاماً من الحصار الاقتصادي القاسي، كانت بمثابة الوباء الكامن في جسد المجتمع العراقي، وباء لن يظهر من خلاله وجه ملكة إسبارطة، إلا بوصفه تكثيفاً حياً لهذا الوباء الذي يجري اليوم اختزاله بازدياد جرائم الشرف في المجتمع العراقي الذي لم يركن إلى أسطورته ولا لنظم مدنيته المتعثرة، ولا لدياناته بل انكفأ إلى أكثر نقطة ظلامية في تاريخه.

وربما عند هذه النقطة المظلمة بالذات( جرائم الشرف في العراق )  يقف الإعلام الغربي باهتمام، ليشير إلى تفشي هذه الظاهرة، التي أفردت لها مجلة التايم ( 19 – 26 تموز 2004 ) مقالاً موسعاً، ليعبر عن  تظهير لوقائع موجودة أصلاً ومتوطنة في ثنايا النسيج الاجتماعي العام، وكأنها بنية قارة لثقافة لا يمكن زحزحتها بسهولة! وجزء مخيف من بناء المجتمع ونواميسه، لكنها النواميس التي لا تهتز رغم فظاعتها، ويجري عقلنتها بل وتشريعها، رغم أنها تقوم في أحيان كثيرة على مجرد الظن ليس إلا.!

بعين واحدة..

في الطفولة كنا نقطع بضعة كيلومترات سيراً على الأقدام، لنصل المدرسة، وفي تلك المسافة التي كانت تبدو لنا مترامية الأطرف ومهجورة، كان ثمة مدافن صغيرة لمجهولي الهوية، وللأطفال الصغار الذين يقضون دون الحاجة إلى نقلهم إلى مقابر النجف، أو لعدم القدرة على تحمل تكاليف الدفن الباهظة، في الطريق بين مدينة الثورة ( الصدر حالياً ) ومنطقة الشماعية حيث المدرسة ومستشفى المجانين المجاور وسجن الإصلاحية للقاصرين، صادفنا لثلاث مرات في سنة واحدة، أسراباً هائلة من  تحوم حول منخفض جرت تسميته لاحقاً بوادي الزانيات، حيث أصبح هذا المنخفض الترابي المكان النموذجي، لإلقاء جثث القتيلات الملفوفة ببطانيات رثة، وعلى بعد أمتار من ذلك المنخفض، ثمة فردة من حذاء نسائي، وكف مقطوعة، من الرسغ تماماً، وثمة لمعان من بين الدم المتجمد لخاتم، لا يزال يعطي الأصابع الناعمة سحراً وغموضاً لشخصية الفتاة التي قطع كفها دلالة على أنها ( ناهبة ) أي هاربة مع عشيق لها واصل الهرب بمفرده بعد ذلك!                                     

قصة قتل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن