أنا أيضاً ابنة جريمة شرف

18 10 0
                                    

بقلمــي: وجــدان العــامـري

حين احتفل اخوالي بقتل أمي
كنتُ حينها في الثالثة من عمري، جاء اثنان من أخوالي لزيارة أمي، فقررت عائلة والدي تركهم معاً، ولم يمر الكثير من الوقت قبل سماع دوي الرصاص… قتل الاثنان أمي بـ8 رصاصات، ليس لشيء سوى أنها تزوجت والدي دون رغبة أهلها.
“علقولها الرمانة ورموها حية في الترعة… أب وشقيقان وابن العم قاموا بإنهاء حياة (دلوعة العيلة) بسبب الشرف”.

كنت أنوي تمضية إجازتي الأسبوعية، من دون منغصات، حتي ظهر لي العنوان السابق، مع صورة ورابط لخبر صحافي يتناول جريمة قتل فتاة، اشترك فيها الأب واثنان من الأبناء، وابن عم الأب، ولم تكن الفتاة حينها قد تجاوزت العشرين.

الخبر نفسه لم يتطرق إلى تفاصيل كثيرة، اكتفى بالإشارة إلى العثور على جثة في ترعة في منشأة القناطر، وإلى أن التحريات أسفرت عن أن الجناة الأربعة قرروا قتل الفتاة لـ”سوء سلوكها”- وهو تعبير فضفاض، يراد به لوم الضحية.

الخبر بمحتواه أعادني إلى يوم عطلة آخر كان بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر 1990، أي قبل 30 عاماً، حين قتلت أمي على يد أخوتها في جريمة صنفها المجتمع أنها “جريمة شرف”.

كانت والدتي في شهور حملها الأخيرة بأخي الذي لم تره عيناي قط، بينما ترقد شقيقتي ذات الثمانية عشرة شهراً إلى جانبها، كنتُ حينها في الثالثة من عمري، جاء اثنان من أخوالي لزيارة أمي، فقررت عائلة والدي تركهم معاً، ولم يمر الكثير من الوقت قبل سماع دوي الرصاص… قتل الاثنان أمي بـ8 رصاصات، ليس لشيء سوى أنها تزوجت والدي دون رغبة أهلها “البدو” الذين يرفضون زواج فتياتهم من خارج أبناء القبيلة.

على مدار سنوات حظر أبي الحديث عن القصة أو عن عائلة أمي، حتى إنني لم أعرف اسم أمي بالكامل إلا في المرحلة الإعدادية، واكتفيت قبلها باسمها الأول “فضيلة”، إلى أن طلب مني جدي البحث عن شهادة ميلاده، فوجدت شهادة وفاتها بين الأوراق، ولكن لم يمنع ذلك من روايات متفرقة من أفراد العائلة الذين حضروا القصة من البداية لأعرف ماذا حدث.

كانت أمي تعيش مع أهلها، حين جاءت خدمة والدي العسكرية قريبة من مضاربهم، ثم اندلعت شرارة حب بين الاثنين، قرر والدي أن يخطبها، رفض أهلها، لكنها أحبته فقررت الرحيل معه، وتزوجا بعقد شرعي مسجل أمام مأذون، وعاشا معاً، قبل أن يقرر والدي السفر سعياً للرزق ويتركها تقيم مع أهله، ولكن قبل رحيله سعى للصلح بين الأب وابنته وهو ما تم فعلاً، ولكن دون رضا أبنائه، الذين اعتبروا ما قامت به أمي “تلويثاً لشرفهم، وعاراً”!

قبل مقتل أمي بشهور، مرضت جدتي فذهبت ابنتها لزيارتها، فنبّهتها الأم التي عاشت لسنوات تحت هيمنة الذكور، وطلبت منها ألا تطمئن لهذا الصلح، لأن أشقاءها لم ولن يغفروا لها ما فعلته، سمعت أمي كلامها لكن لم يكن أمامها شيء لتفعله، فهي كتبت شهادة وفاتها مذ أغرمت بأبي، ولا يمكن أن تعيد عجلة الزمن إلى الوراء مرة أخرى.

قصة قتل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن