البارت ١

632 13 3
                                    

هرولت مسرعة وهي تتنفس بصعوبة تركض هاربة من أحد يلحق بها، نظرت ورائها وقلبها يكاد يتوقف من شدة الخوف، اطمأنت أن الطريق فارغ وأن لا أحد يلحق بها، وقفت محاولة إلتقاط أنفاسها وهي تمسح حبات العرق التي تتناثر على جبينها بعشوائية.
لمحت أحد المقاعد الفارغة على الطريق فجرت رجليها ذاهبة إليه؛ لتستريح.
لم تستطع كبح دموعها أكثر من ذلك فالذي حدث معها لا يستطيع تحمله إنسان.
سالت دموعها من عيناها كشلال يعرف مجراه جيدًا.
وضعت رأسها بين يديها وأبتدأ يعلو صوت شهاقتها فلمتى ستتحمل كل تلك الأعباء التي تقع على عاتقها؟
رفعت رأسها بذعر وابتدأت دقات قلبها تتسارع عندما وصلت سيارة فارهه، سوداء، ونزل منها رجل يزين رأسه الشعر الأبيض الذي يشبه الثلج في بياضه، يبدو عليه الوقار.
قامت من مكانها وهي ترتجف من الخوف حين أشار الرجل إلى رجاله؛ ليأتوا له بتلك الفتاة ، حاولت الفرار لكن رجاله أحاطوا بها وكبلوها، ووضعوها بداخل السيارة.
تحركت السيارة مسرعة من ذلك المكان متجه إلى مكان ما.
نظر إليها ذلك الرجل بشفقة ثم أشار إلى أحد الرجال فسحب يده التي كانت على فمها؛ لمنع الصوت
نظرت إلى الرجل بترجي وهي تتحدث من بين شهاقتها المتتالية قائلة:
- ابوس إيدك يا بيه سيبني في حالي، أنا مش زي ما انت فاكر والله
قاطع حديثها وهو يبتسم بحبور قائلًا:
- ماهو عشان عارف إنك مش كدا مينفعش اسيبك وامشي، أنتِ زي بنتي، أنا هاخدك معيَّ البيت ونشوف قصتك، متقلقيش مراتي وبنتي معايا.
شعرت بالأمان لذلك الرجل فظنت أن السماء بعثت لها ذلك الرجل ليساعدها على ما هي فيه، فهزت رأسها شاكرة وهي تحاول أن تتطمأن قلبها أن كل شيء على ما يرام.
مر قليل من الوقت ووقفت السيارة أمام قصر كبير،لا تعلم لماذا ولكن بمجرد دلوف ذلك المكان شعرت إنها ستواجه الكثير من الصعاب هنا، فاقت من شرودها حين أمسك الرجل بيدها ودلفوا إلى الداخل وكانت دقات قلبها تتسارع كلما اقتربت من باب ذلك المنزل.
فُتح الباب و لفت إلى الداخل.
حولت بنظرها يمين ويسارًا وهي تضع يدها على شفتيها وتفتح مقلتاها بقوة من هول الصدمة، حاولت الهرب بعدما شاهدت العديد من الفتيات يرتدين ملابس فاضحة، تكشف أكثر مما تستر وحولهم العديد من الرجال يفعلون كل ما حرمه الله.
حاولت تحريك قدميها بهدوء لكن هيهات فلقد دخلت المكان الذي لا يخرج منه أحد.
شدد الرجل من قبضته على يديها وهو يبتسم بخبث مردفًا:
- على فين يا حلوة؟ أنتِ دخلتي المكان اللي مفيش منه خروج.
حاولت تخليص يديها من قبضته ولكن هيهات فكيف لفريسة أن تهرب من عرين الأسد؟!
حملها الرجل بين ذراعيه ودلف بها مسرعًا إلى إحدى الغرف.
ألقى بها على الفراش وهو ينظر لها بشهوانية قائلًا:
-كان نفسي أكون أول واحد يدوق من الشهد والله يا قمر، بس أرزاق بقا هنقول إيه.
دلفت في تلك اللحظة عدة فتيات أو لنقل عاهرات نظرن إلى تلك الفتاة بغيظ قائلين:
- بقا هي دي بقا اللي هتعجب ذياد بيه؟ دي مش استايله خالص.
نظر إليهم ذلك الرجل بغيظ قائلًا:
- ظبطوها عشان تعجبه وإلا انتوا عارفين غضبه كويس.
لم يستمع لرد أيًا منهما وخرج تاركًا تلك المسكينة تواجه المجهول.
أقتربن منها بينما هي كانت تحاول التراجع وهي تترجاهن أن يخرجوها من ذلك المكان.
أمسكت إحداهن قدمها وسحبتها تجاهها وشرعن في تمزيق ملابسها بوحشية.
كانت تصرخ بقوة ولكن لا أحد يسمع لها، مرت ساعة وكانت تلك المسكينة ترتدي فستانًا قصيرًا للغاية يبرز مفاتنها وجمال بشرتها البيضاء، وضعوا لها مكياچ صارخ غير مباللين برفضها ونحيبها.
خرجن جميعن بعد الانتهاء من عملهن وبقيت واحدة معها.
نظرت إليها بحزن مردفة:
- حاسة بيكِ اتعرضت لنفس الموقف من ٣ سنين، فاكرة كل تفاصيله كأنه امبارح لكن صدقيني لو فكرتي تخربي شكلك او تهربي هيخلوكي تتمنى الموت ومتشوفيهوش.
مسحت تلك الدمعة التي فرت هاربة منها، ركعت تلك المسكينة تحت قدميها وهي تترجاها قائلة:
- خرجيني من هنا وأنا والله مش هجيب سيرتك والله أنا مش كدا، أنا مش كدا
صرخت بتلك الكلمة عدة مرات وهي تلطم وجهها بقوة تتمنى أن تموت أفضل من أن تعيش عاهرة.
كادت تلك الفتاة أن تتحدث ولكن قاطعهم دلوف أحد إلى الغرفة.
نظرت تجاه الباب بعيناها المحمرتان من كثرة الدموع فوجدت ذلك الشيطان برفقة شاب في بداية العقد الثالث من عمره، طويل القامة، ينساب شعره الأسود الكثيف على عيناه اللتان تحملان من سواد الليل الكثير والكثير
صاح ذلك العجوز باحترام وخوف:
- اتفضل يا بيه أهيه البنية، شريفة زي ما طلبت.
امعن النظر إلى داخل عينايها ثم وجه نظراته إلى جسدها قائلًا:
-اخرج أنت يا أحمد لغايت ما اشوف هاخدها ولالا
ابتسم الرجل بخبث وهو يرمق تلك المسكينة بتوعد ثم خرج تاركًا فريسة بين قبضة ذئب جارح
فما الذي ينويه القدر لها؟
************************************
مر أكثر من شهرين وهما على ذلك الحال يتجاهلها تجاهل تام وكأنها قطعة أثاث لا قيمة لها، لكنها أقسمت اليوم أن تعيده إليها مهما تكلف الأمر، تعلم إنها أخطأت ولكن كان خطأ نابع عن خوف
ولكن ليس كل الأخطاء تغفر فهناك أخطاء تمزق القلب فكيف لقلب مجروح أن يغفر لجارحه؟
مر وقت طويل وهي تنتظر دلوفه إلى المنزل فهو بات في الأونه الأخيرة يتعمد الوصول للمنزل متأخرًا، ربما لأنه يهرب من مواجهتها وربما يكون خائفًا من سحر عيناها.
أخذت نفسًا عميقًا فهي لا تستطيع إخفاء ذعرها من المواجه، لا تعلم أكان هدوءه بعد كشف الحقيقة حب لها ام خوفًا من غضبه عليها.
لكنها استجمعت شجاعتها وانتهى الأمر فالمواجه لا مفر منها مهما تأخر وقت مجيئها.
اطلقت لشعرها الذي يشبه سلاسل الذهب العنان لطالما كان يشتم ذلك الشعر القصير بتلذذ وهو يتغذل بها، كم اشتاقت لصوته الذي كان ينطق حروف اسمها كنغمات تطرب من يستمع إليها، وضعت مكياج خفيف بعد ارتدائها لفستان قصير بدون أكمام أظهر انوستها الطاغية.
سمعت صوت سيارته معلنة عن وصوله وبدأ لوم وعتاب لا مفر منه .
اغمضت عيناها بقوة وكأنها تحاول السيطرة على الأفكار التي تتصارع في رأسها.
نظرت حولها بتمعن؛ لتطمأن أن كل شيء مجهز في الغرفة من ثم جلست على الاريكة وهي تفرك أصابعها بتوتر.
دلف إلى الغرفة ولم يعطي لها أي انتباه ولم يعلق ولو بكلمة واحدة على تزيين الغرفة،استلقى على الفراش مغمضًا عيناه وكانه يعطي لها رسالة أنه لا يريد رؤيتها.
سقطت دمعة على وجنتيها فهي تعلم إنها أخطأت وانه لن يغفر لها بسهولة لكنها مسحتها بسرعة واقتربت منه ببطأ تمعن النظر في ملامح وجه التي اشتاقت لها كثيرًاَ
وضعت اناملها على وجه وهي تحركها بحنية قائلة:
- مازن
امسك يديها وهو يبعدها عن وجهه بدون أن يفتح عيناه قائلًا:
اطلعي برة يا شهد
لم تستطع التماسك أكثر فسقطت دموعها، تلك الدموع التي تحرق قلبه بقوة.
قبض على كفيه بقوة فهو لا يتحمل رؤية دموعها
فتح عيناه البنية التي تشبه حبات القهوة وتذيب كل من ينظر إليها.
وجد وجنتاها ممتلأتان من الدموع فأغمض عيناه بقوة فأمسكت يداه وهي تقول بوهن:
- مازن متعملش فيَّ كدا ، أغضب ، كسر أو حتى أضرب بس متعملش فيَّ كدا
عارفة إني غلطانة والله بس كنت خايفة اخسرك
قاطع حديثها وهو يعتدل في جلسته ينظر إليها قائلًا: وأنا من أمتى مديت إيدي عليكِ يا شهد أو أمتى عليت صوتي عليكِ لكن غلطك المرادي ملوش مغفرة عندي يا شهد
تسارعت ضقات قلبها، فهي لم تتوقع قط أن يتلفظ بمثل تلك الكلمات،
إذدردت لعابها بتوتر وخرجت حروفها بتعلثم وخوف كبير مما هو قادم قائلة:
- يعني ايه
عاد إلى وضعه مرة أخرى وهو يجيبها بهدوء لا يدل أبدًا على ما يشعر به من براكين تفجر قلبه قائلًا:
- يعني أنتهى يا شهد.
رجعت خطوتين إلى الوراء وهي تهز رأسها بقوة رافضة تصديق ما تفوه به، انهمرت دموعها كشلال وهي تنظر إليه بصدمة كبيرة، كيف تمكن من التفوه بتلك الكلمة؟!
هل حقًا قرر إنهاء تلك العلاقة
اقتربت منه وهي تصرخ بهستيريا وتهزه بعنف قائلة:
-كل ده عشان خوفت اخسرك، ترميني زي اي عربية من عربياتك يا مازن بيه
أمسكت يديه ودموعها تسبق أحرف كلماتها، تشعر وان قلبها يتمزق من شدة الألم، نظرت إليه وهي تترجاه قائلة:
-أنا مستعدة لأي عقاب يا مازن، أي عقاب تشوفه مناسب بس متسبنسش.
امسك هاتفه والقاه بالمرأه لتتفتت إلى أشلاء صغيره صرخ بوجهها بطريقة جعلتها تنتفض من الصدمة:
-أسامحك ازاي يا شهد وانتي معيشاني في وهم بقالك ٣ سنين، عارفة إنك مبتخلفيش وجايبة العيب عليَّ أنا
اقتربت منه بخوف فهذة المرة الأولى التي يفقد بها أعصابه بتلك الطريقة
فتحت شفتيها بحرص وهي ترتعد من الخوف مردفًا:
-خوفت إنك تطلقني، خوفت تتجوز عليَّ وواحدة تانية تاخدك مني يا مازن، أنت نقطة ضعفي في الحياة دي يا مازن، ماستحملتش اخسرك.
مرت دقيقتان من الصمت وعلى غير سابق إنذار جذبها من معصها بقوة وقبل شفتيها قبله يبث بها مشاعر مختلطة حب، اشتياق، غضب
بادلته قبلته ودموعها تنهمر منها بقوة فلقد عاد إليها حبيبها.
ابتعد عنها بعد فترة وجدها تبتسم من بين دموعها، امسك وجهها بين كفيه، ومسح لها دموعها قائلًا:
- أنتِ طالق يا شهد
************************************

وللقدر رأي أخر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن