ضحكت عاليًا متلذذة بإنكساره الذي سببته لها من ثم أغلقت الهاتف في وجهه وهي تقترب من تلك الصورة المعلقة على الحائط مردفة:
- أنا تعبت بسببك كتير يا مازن في حياتي ،لكن ورحمة بنتي اللي ماتت بسببك لهدمرلك حياتك زي ما دمرتلي حياتي.
مسحت تلك الدمعة التي فرت هاربة من عينايها وهي تتذكر تلك الليلة القاسية التي وجدت بها ابنتها بعد فراق دام سبع سنوات.
كانت تتجول في الشوارع ؛باحثة عن عمل تكسب فيه قوت يومها ؛لتستطيع توفير حياة كريمة لابنتها من ثم تأخذها من تلك المدرسة ؛لتعيش معها .
لكن قد كان لقدرها رأي أخر ،ففي أثناء تجولها وجدت تجمع كبير من الناس فظنت إنهم يوزعون هناك اللحم أو ما شابه فاقتربت راجية القليل فأحشائها تتمزق من كثرة الجوع فالطعام لم يدخل جوفها منذ يومين.
ما إن وصلت إلى التجمع سمعت همهات أن طفلة صغيرة مُلقاه ويبدو إنها فارقت الحياة صباح اليوم،كادت تعود أدراجها بعد خيبة الأمل التي تملكتها لكنها لا تعلم لماذا شعرت إنها تريد رؤية تلك الفتاة.
اقتربت وتجاوزت الجموع وعند وصولها إليها شعرت وإنها على علاقة وثيقة بتلك الطفلة،جثت على ركبتيها وما إن لاحظت تلك القلادة التي تتوسط رقبتها حتى بدأت بالصراخ والعويل حتى ظن المارة إنها (مجنونة)،بدأت تلطم وجهها وتحتضن تلك الفتاة بقوة،تتطلب منها أن تفتح عيونها ،تقبل كل إنش في وجهها وهي تهزها بقوة طالبة منها ألا يتركها فهي أخر ما تبقى لها في هذة الحياة.
مسحت دموعها عند سماعها طرقات على بابها ،فترجلت تفتحه محاولة تهدأة تلك النيران التي تنهش في قلبها .
دلف للمنزل وتنهد بضيق بعدما رأي تلك الدموع تملأ مقلتيها فاحتضنها بقوة مردفة:
-أنا قولتلك كتير مبستحملش أشوف دموعك دي يا تقى،وحيانك عندي لهجبهولك راكع تحت رجليكي يتمنى بس الرحمة منك من العذاب اللي هيشوفه.
اذدادت في دموعها بينما هو اذداد في غضبه من ذلك الشخص الذي تسبب في تعاثه حبيبته طوال تلك السنوات.
جلس مازن على إحدى مقاعد المشفى وهو يحاول ألا ينهار فكيف لإنسان أن يتحمل كل هذا؟
خرج الطبيب والقلق يبدو على معالم وجهه فترجل إليه مازن مسرعًا متسائلًا عن حالة شهد
-الخبطة كانت جامدة فطبعًا خسرنا الجنين،وحالة المدام غير مستقرة أدعي ربنا يعدي ال ٢٤ ساعة الجايين على خير.
من ثم ذهب الطبيب تاركًا مازن يستوعب ما حدث ،هل سيخسر حبيبته للأبد ؟
هل هذا عقاب لذنب لم يكترفه أم أنه عقاب لما ارتكبه في الماضي؟
فاق من شروده على لمسات حنونة فضحك فرحًا مردفًا :
- شهد
ولكن ما إن استدار لمصدر تلك المسات ووجدها فرحة،تبدلت معالم وجهه للغضب والقسوى ،ولم يقل حرفًا واحدًا بل أكتفى بصفعة مدوية على وجنتيها جعلتها تتأرجح وكادت تسقط لكن المقعد أسعفها تلك المرة وقبل أن تنبت ببنت شفة كان هو أسرع منها مردفًا
- أنتِ طالق يا فرحة
************************************
كانت الصدمة تعتلي معالم وجهها ،هل حقًا ستتزوج حب عمرها الآن؟
ولكن كيف وافق أبيها بعدما أصبح زوج ابنته الأخرى ،فاقت من شرودها على صوت والدها مردفًا:
-بس طبعًا لازم تتلطقي الاول من جوزك
طبعًا هتطلق منه،هو أصلًا مكانش يلزمني في حاجة
أومال اتجوزتيه ليه؟
قالها أدم بصوته الرجولي الذي عشقته تلك الفتاة منذ سنوات،كان صوته بمثابة ألحان تجعلها ترقص من فرط السعادة .
كادت تجيبه بالحقيقة لكنها تداركت الموقف بسرعة ؛خشية من أن يكرهها أدم ويغير رأيه مرة أخرى
- كنت مطضرة من زنه،قولت أهو هيفيدني في شغلي .
اقتربت منه بدلال وهي تضع يديها على وجهه بحنية ،تستمتع بلمس لحيته التي طالما ما كانت تجذبها لذلك الوسيم،من ثم أردفت بصوت أنثوي ناعم يُثير كل من يسمع إليه
-بس محدش قدر يدخل قلبي أو يملى عيني غيرك يا أدم
كادت أن تُكمل حديثها لكنه أوقفها حين دفعها عنه بعيدًا
- لغايت ما تتطلقي من جوزك ،مش عايز أي كلام أو تجاوزات يا ،يا مدام فيروز .
ضغطت على اسنانها بغضب فهو لم يتغير البتة،عادت خطوة إلى الوراء من ثم نظرت له متسائلة:
- هتطلقها؟
- لا،هتجوزك عليها عرفي،أهلك بس اللي هيكونوا عارفين .
كانت والدتها تتابع الحديث في ذهول،تُحاول إستيعاب الأمر ؛لكن ما من عقل يقدر على فهم ذلك،فكيف لأب أن يوافق على تدمير ابنته؟
كادت تتحدث لكن سبقها محمد مستفهمًا عما يحدث،فلقد طفح الكيل من الصموت ؛لطاعة أوامر الأب.
-وأنا موافقة
قالتها فأثارت دهشة البعض و غضب البعض الأخر واشمئزاز شخص واحد كان يكرهها سابقًا وأصبح يتمنى قتلها الآن.
-طلاقي هيتم منه انهاردة ،وشهور عيدتي تخلص بعدين نتجوز
هز رأسه موافقًا ولم يقدر أحد على الجدال أو الأعتراض بعدما أشار لهم الأب جميعًا بالصمت.
خرج تاركًا خلفة ألاف الأسألة الذي لا يستطيع أحد الإجابة عنها سواه،بينما هي كانت تبتسم بفرحة ،تشعر وأن العالم بأثره أتفق أن يجمعها بحبيبها السابق الآن.
صفعة مدوية سقطت على وجنتيها جعلت توازنها يختل،نظرت لوالدتها بصدمة فرأت الدموع تملأ عيناها ولكن قبل أن تنطق ببنت شفة كانت والدتها بدأت بتوبيخها قائلة:
- من صغرك وأنا بعاني من قرفك وجحودك،واحدة أنانية،ميهمكيش أي حد غير نفسك،أنتِ قلبك ده مصنوع من إيه؟!
حجر ،حديد ؟
أزاي تقدري توافقي إنك تدمري واحدة كل ذنبها إن واحد اختارها هي وماختاركيش أنتِ.
صفعة أخرى أقوى من التي تسبقها سقطت عليها ،حاولت الأم صفعها للمرة الثالثة لكن كانت يدها أسرع لتفادي الضربة،امسكت يد والتها بقوة قائلة:
- أنا في حياتي محبتش حد فيكم،محبتش غير أدم وحتى ده الهانم خدته مني ،رغم إني عملت كل حاجة عشان جوازتها متمش،حتى أنتوا خليتكوا تقفوا ضدها ،لكن كان الحظ معاها لكن دلوقتي الحظ بقى معايا أنا،وزي ما خدت مني حبيبي زمان،أنا هاخد منها حياتها دلوقتي.
خرجت تاركة خلفها نيران اُضرمت في قلب الأم ،لأول مرة تشعر تلك المسكينة إنها تتمنى موت تلك الفتاة من قلبها،فبقائها يعني الشقاء للجميع .
************************************
احتضنها بقوة وبدأ يربط على كتفها إلا أن هدأت تمامًا من ثم بدأ حديثه مردفًا
: عايزة تتطلقي من مين يا زينة ،أنتِ متجوزة؟!
قالها وهو يمثل الصدمة فنظرت إليه تلك المسكينة من ثم بدأت تقص عليه كل شيء ،كانت تظنه إنه مصدر الأمان لها ،وإنه لن يكون مثل ذلك القاسي التي تعيش معه بينما هو كان يشعر وأن العالم بأكمله لا يسعه من فرط فرحته فهو قد علم كيف يُدمِر إياد العُمري بعد كل تلك السنوات الذي كان يخطط له.
أخرجها من أحضانه وهو يطمأنها قائلًا:
- متقلقيش يا حبيبتي،أنا هساعدك تتطلقي منه،وتبقي ليَّ أنا وبس.
نظرت إليه بصدمة ففهم ما يدور في رأسها فهتف قائلًا:
- أنا بحبك يا زينة،ومحبتش حد قدك ولا هحب،وأنا بوعدك،كل اللي أنتِ فيه هيخلص في أقرب وقت.
خرج من الغرفة بعدما طمأنها وتركها تتخيل حياتها القادمة مع ذلك الوسيم الذي أثر قلبها بكلامه المعسول وحنيته التي جعلتها تُحلِق في عالم من الاحلام.
أنسدل الليل بستاره المظلم فدب الذُعر في قلبها ،ماذا بشأن تلك الرسائل،هل تذهب وتستكشف ماذا يحدث؟أم لا تعطي أهتمامًا للموضوع تنهدت بحزن من ثم عزمت أمرها أن تذهب؛ حتى لا يُفضح أمرها.
أصبحت الساعة الثامنة مساءًا،دلف إياد للمنزل وكان يبدو عليه أنه شرب الكثير من الخمر ،كان يتأرجح ذهابًا وإيابًا وعند رؤيته لزينة ابتسم وهو يتمتمم بكلمات غير مفهومة،لكن هيأته المذرية جعلتها تهابه كثيرًا ،حاولت الهرب ولكن قوته تُضاعف قوتها،بدأ في تقبيلها عنوة عنها ولكن لحسن حظنها غاب عن الوعي قبل أن يستمر في فعلته ،ابعدته عنها من ثم اعتدلت من هندامها وقامت من الفراش داعية على ذلك الشيطان بالموت؛حتى تستريح منه إلى الأبد .
كادت تذهب للمرحاض لكن أوقفها إشعارات هاتفها معلنة عن وصول رسالة،فذهبت لفحصها فوجدت الأتي
(أنا ساعدتك إنك تهربي منه كدا وجبتهولك سكران ،هستناكي كمان ساعة في المكان ،مستنيكي)
دب الذُعر في قلبها فماذا ممكن أن يفعل بها ذلك الشخص؟
كانت تود أن تُخبِر زين لكنها ارتعدت من أن يتركها خوفًا من بطش زوجها فقررت أن تقابل ذلك الشخص وحدها.
ارتدت ملابسها وترجلت من المنزل متوجهه للمكان المتفق عليه،وصلت إليه وكان مكان أشبه بمقطوع،لا يوجد بها سوى أشخاص قليلون،شعرت بأحد يربط على كتفها فارتعدت خوفًا وكادت تصرخ لكنه كمم فمها محذرًا إياها إصدار أي صوت.
ابعد يده عنها قائلًا:
- أنا هدخل في الموضوع على طول من غير مقدمات،تحبي تكملي حياتك مع إياد ولا تخلصي منه وتكوني حرة؟
لم تأخذ وقت للتفكير وسرعان ما كان جوابها برغبتها في التخلص منه .
سمعت صوت تصفيق وما إن التفتت لمصدر الصوت،وجدتها امراه تشعر وكأنها رأتها من قبل ولكنها لا تتذكر أين.
-يبقا تسمعي كلامنا كله للأخر،وأحنا هنخليكي تخلصي منه وتورثيه كمان.
************************************
دلف للمنزل وجدها تجلس في غرفتها تُحيك شيء ما وعقلها شارد لدرجة لم تنتبه لوجوده.
اقترب منها ببطئ من ثم وضع يده على كتفها فارتعبت وكأنها رأت وحش مخيف.
تنهدت براحة بعدما تأكدت إنه هو من ثم ابتسمت له بحبور قائلة:
-ثواني والغدا يكون جاهز
كادت تذهب لكنه أمسكها من معصمها وقربها له متمعنًا النظر في عينها فاستشعر إنها تُخفي شيء ما عنها
-مخبية عني إيه يا نور عيني؟
اذدردت لعابها بتوتر من ثم حاولت أن تبدو طبيعية مردفة:
- هخبي إيه يعني يا أدم،أنا تمام
نظر لعيناها من ثم تركها تذهب وبدأ الشك يراوده فما الذي تخفيه ولا تريد أن يعرفه أحد؟
ترجلت للمطبخ سريعًا ومسحت تلك الدمعة التي فرت هاربة من عيناها وهي تتذكر ما حدث منذ ثلاث ساعات .
نور: مين حضرتك؟
الشخص: مش هتفرق معاكِ شخصيتي،اللي لازم تعرفيه،إن أختك هتوقع بينك وبين جوزك.
اذدردت لعابها من ثم فتحت فاها قائلة:
- عايزة توقع بينا أزاي
صمتت قليلًا من ثم أكملت حديثها ونيران الغيرة تنهش في قلبها قائلة:
- وإيه دليلك على الكلام ده
ابتسم بهدوء قائلًا :
- أنتِ عارفة كويس إن كلامي حقيقي،أما بقا أزاي فهي باعتاني اتعرض ليكِ وأصورك بعد ما أغيبك عن الوعي.
صدمة ألجمت لسانها عن الحديث فكيف لأخت أن تُفكر بإذاء شقيقتها بتلك الطريقة؟
حاولت الابتعاد أو الصريخ لكنها قبل أن تفعل شيء ،كمم فمها بيده قائلًا:
- يعني بالعقل لو أنا هعمل حاجة هاجي أقولك؟،أرتاحي يا مدام أنا معاكِ مش ضدك.
التمست الأمان في حديثه فأومأت له طالبة أن يبعد يده.
فابتعد قائلًا:
-هي مش هتسيب جوزك حتى لو اضطرت تقتلك مش هتتردد لثانية .
-هبلغ البوليس
- محدش هيصدقك وأنا مستحيل أعترف عليها
كان ذلك جوابه على اقتراحها الذي صرخت به من فور علمها بكل ذلك .
- كل اللي هتعمليه دلوقتي إنك تحسسيها إن علاقتك بأدم بتسوء،كلميها على أساس إنك محتاجاها وأنا هقولك تعملي ايه في وقتها .
************************************
نظر لمصدر الصوت فجحظت عيناه بشدة حين رأى طفله الذي فارقه منذ سبع سنوات ؛بسبب والدته التي أصرت على عدم رؤيته لابنه بعد طلاقهما.
لم يشعر سوى بذلك الطفل يرتمي بأحضانه بقوة وهو يصرخ قائلًا :
- I'm back dad, I'm back
(لقد عُدت أبي،لقد عُدت)
شعر وأنه بحلم جميل لا يريد الخروج منه،هل شاء القدر أن يجمعه بابنه بعد تلك السنوات ؟
حمله بين يديه بخوف ؛رهبة بأن يصطدم بالواقع ويتضح أنه يتخيل لا أكثر .
لكن تيقن مما رأه وأن صغيره بين يديه الآن،أصبح يدور به بأرجاء المكان بفرحه صارخًا بإسمه ،اختلطت ضحكاته بضحكات الصغير إلا أن وقفت امرأه في منتصف العقد الثالث من عمرها ،تغيرت ملامح وجهه فتنهدت هي بضيق من ثم فتحت فمها مردفة(تتحدث بالانجليزية):
-لا تظن إنني عُدت إليك وتركت كندا لأجلك،كل ما في الأمر لم أعد أتحمل ذلك الصبي،فلقد سأمت من الاهتمام به لذلك أتى دورك ،فلم أعد اريد ذلك الطفل بعد الآن)
- وأنا أيضًا لم أعد أريدك بعد الآن،لم تكوني لي أم مثالية،فلقد كرهتك كثيرًا،أذهبي فلم أعد أرغب بوجودك بعد الآن.
اكتفت بنظرات باردة له من ثم ذهبت بعدما كسرت قلب طفل ، الذنب الذي اقترفه في هذة الحياة أن والدته لا تمتلك قلب لتشعر به .
انسابت دموع ذلك الصغير بغزارة ،فكيف لشخص تحمل حقيقة أن والدته قد سأمت منه؟!
اقتربت منه مي بهدوء من ثم ابتسمت له وبدأت تداعبه تحت نظرات ذياد الذي كان قلبه يتمزق من شدة الألم ،بسبب ماضيه بزواجه من اجنبية وكان زواجه مخفق بكل المقاييس .
يا لك من طفل جميل،لقد أحببتك كثيرًا يا صغيري
ابتسم لها بحبور من ثم أجابها قائلًا:
- ستملين مني لا محالة،أمي كرهتني لأنني مرضت وسأترك العالم بعد قليل
نظر له ذياد مستعجبًا فاحتضنه الصغير بقوة مردفًا:
أنا مصاب بالسرطان ،سأموت قريبًا لا محالة أبي،أريد أن أقضي ما تبقى لي معك.
بقلمي انجي ميشيل
أنت تقرأ
وللقدر رأي أخر
Romanceكثيرًا ما يتحدد المصير فعليًا ونظن أن الحياة ستفتح لنا أحضانها ولكن هيهات فالسعادة في هذة الدنيا شيء صعب المنال.