الفصل الرابع

1K 112 7
                                    

لم يكن يعلم أن ذلك النوع من الحُب المُقدَس النقي موجود على ظهر دُنيانا .. يؤمن به أحدهم ولا يُصدق سواه ...
حُب من أجل العطاء لا الأخذ، حُب غير مُقيد بشروط ولا أي مصالح ..
تمامًا كذلك الذي تتحدث عنه الروايات الخيالية والذي لم يُصدقه هو يومًا ما ...
نعم لقد أحب ريم ووقع في حُبها حتى أُذنيه لكن حُبه لم يكن عُذريًا لتلك الدرجة، بل كان يتخلله مزيج من المشاعر المُتضاربة التي لم يقدر على مقاومتها، وفي النهاية كانت نفسه هي الأهم بالطبع، كان يُفكر فقط فيما يشعر هو به ولم يكترث سوى بغضبه وانفعالاته عند ظهور بعض العقبات أو حدوث القليل من المشكلات، وذلك كان من إحدى الأسباب الرئيسية لإنتهاء العلاقة بينهما ...

لكن غرام !!
فبداخل مذكراتها تلك قد عَلِم ماكانت تُكابده طوال تلك السنوات الفائتة دون أن تُصرح بشيء مما بداخلها، نعم لقد اعتقدت خاطئة لفترة ليست بالقصيرة أنه يُبادلها نفس المشاعر، لكنها وفي نفس الوقت لم تطلب منه شيئًا بل كانت تُعطى بلا مُقابل ...
فهُنا تحكي عن ألمها عِند علمها بإصابته بداء الحصبة من أمها، وكم ظلت تدعو لله في صلاتها وتبتهل بصدق حتى يعود إلى حالته الأولى سليمًا مُعافى، وهُنا تصف بدقة ماأصابها عند علمها بذلك الحادث البسيط الذى أدي إلى كسر ساقه، وكيف كانت تُحاول جاهدة إخفاء جذعها ذلك عندما رأته حتى لايشعر أحدهم بمدى اهتمامها ذلك ...
لكنها ومن وراء الجميع كانت تبكي بحُرقة وكأن ماأصابه قد أصابها هي الأخرى، وكأن أوجاعه تؤرقها وتمنعها من النوم ليلًا فلا تمتلك سوى الصلاة والدعاء ..

لقد ظل زياد طوال ليلته يقرأ تلك المذكرات بقلب يتذوق لأول مرة قساوة الأوجاع ومرارة الحُب الذي لا يشعر به إلا صاحبه، فظل مُبتئس إلى أن وصل إلى الصفحات الأخيرة، ليشعر بتلك الغصة تضرب قلبه بقوة تحديدًا عندما قرأ تلك الكلمات التي تصف غرام من خلالها ماشعرت به وألم بها عندما روى لها هو عن علاقته السابقة بريم ..
لقد كانت كمن تُمزق بداخلها إربًا إربًا، عن شعورها الدفين عندما أدركت للتو أن كُل تلك السنوات الفائنة من عُمرها ماكانت سوى وهم زرعته بداخلها هي فقط، مُجرد حُب من طرف واحد؛ طرفها هي فقط ...
تعلق نما وازداد تشُعبًا داخلها، بينما هو لم يلتفت يومًا إليها قط ..
لقد كان يذبحها بسكين بارد دون أن يدري، وكُل تلك الآلام بداخلها حاولت هي إخفائها برحيلها لكنه استدعاها إليه .. فلم يقدر قلبها على الرفض ورضخت لإرادته رغمًا عنها ..
لقد تحدثت بداخل مذكراتها عن ذلك الشعور الذى اختلجها ماإن احتفظ بيدها داخل راحته، وكأنه يرفعها إلى السماء .. ارتجافة قلب يُرفرف كطائر حصل على حُريته للتو، رفرفة قوية أوجعت قلبها كالمطرقة، فلم تكن تلك الارتجافة بيدها تُعبر سوى عن قليل مما يدور بداخلها ..
ابتسم زياد بحُزن ماإن وصل إلى ذلك المقطع، فوسط كُل تلك الأحاسيس التي راودتها من مجرد سلام، لم يشعر هو سوى بحاجته لتقبيل يدها وكأنه يعتذر عن إحزانها، لكنه توقف في اللحظة المُناسبة، وماكان ذلك سوى خير الصواب فيما فعله ذلك اليوم المشؤوم ..
كيف له أن يستطع تلويث تلك البراءة، فهي مُجرد طفلة تتطلع إلى العالم من وراء ثوب أُمها، كيف له أن يختطفها من ذلك الأمان ليقذف بها إلى طريق ملئ بالنتوءات لايعرف سوى القسوة والآلام ..

الإكسير الزائفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن