المقدمة .. خيانة زوجية

4.3K 173 32
                                    

حتى في أسوء أحلامي وأكثرها رُعبًا وابتئاسًا لم يمر على مخيلتي قط أو حتى يتخلل عقلي الباطن صورة ذلك المشهد المُقبِض، فأنا ككثير من الزوجات اللاتي يتسلل الشك إلى قلبوهن فجأة تجاه أزواجهن في بعض الأحيان، فتارة أبحث من ورائه مُتوهمة أنه يُحادث أُخرى وتارة أضبطه مُتلبسًا يختلس النظر إلى إحداهُن رُبما عن عمد أو بدون .. لكني في جميع الأحوال كنت بداخلي أتيقن أن كل تلك الأمور ماهي إلا نِتاج تشككي الدائم والغير مُبرر، فزوجي ليس بذلك الشخص الوضيع الخائن الذي ينجذب للنساء بسهولة، الجميع يشهد بذلك وأولاهم صديقتي المُقربة؛ مكمن أسراري ومصدر اطمئناني الوحيد حين تُثار غيرتي ...
لذا كان من المستحيل أن أُصدق مارأته عيني، هو في ذلك الوضع المُخزِ برفقتها .. هي تحديدًا !! زوجي وصديقتي المُقربة !!!

توقف عقلي عن التفكير لبرهة رافضًا الإستيعاب عندما أضاء ضوء هاتفي بتلك الرسالة القصيرة والتي مررت عدستاي على محتواها دون وعي مني، وكأني مُغيبة من عالم آخر أنظر من بعيد إلى ذلك الكوكب ومن عليه، تسائلت بداخلي بقهر والدمعات تتسلل من مقلتي ..
_ حقًا !! اليوم ؟؟ تحديدًا في ذلك الوقت الذي انتظرته لسنوات ؟
كانت لاتزال كلمات طبيبي المُبشرة تتردد داخل أذني :
_ مبروك .. هنقولك ياماما قريب ..

وأخيرًا بعد عناء ثمان سنوات كاملة قضيتها في التنقل مابين العيادات الخاصة وأروقة المستشفيات ومعامل التحليل، لم أكن أعلم أن ذلك اليوم والذي طالما انتظرته بلهفة وشوق هو نفس اليوم الذي سأكتشف فيه حقيقة زوجي وصديقتي ..
"جوزك معاها دلوقتى فى شقة الدقى"
فقط تلك الكلمات التي احتوتها الرسالة المجهولة ..
و(شقة الدقي) لم تكن سوى عُش الزوجية الأول الذي تُوج بداخه حُبنا الصادق وشهد على أجمل سنوات زواجنا الأولى ..

في تلك اللحظة لم أشعر سوى بساقي وهما يسبقان الريح في الطُرقات فبدوت كالمجذوبة التي فقدت عقلها تبحث عن وسيلة لنقلها إلى محل الخيانة، وعلى غير المتوقع حالفني الحظ وكأن القدر يدفعني للتوصل إلى الحقيقة، وماهي إلا نصف الساعة حتى كنت أقف أمام مدخل عمارة (شقة الدقي)، وبصورة تلقائية تخللت أصابعي إحدى جيوب حقيبتي الخلفية التقط محفظتي الصغيرة، ليُكمل القدر لعبته ويُهديني مفتاح الشقة الذي كُنت لاأزال أحتفظ به داخلها رغم مرور كل تلك السنوات ..

لوهلة رفضت أقدامي التزحزح من مكانها، فتلك الرائحة المُميزة لمدخل العمارة فاجئتني بتدفق الذكريات داخل مخيلتي، ودون وعي مني تذكرت أولى خطواتي بداخلها عندما تقدمنا لشراء تلك الشقة والتي لم يكن يملك هو المبلغ الكافي للحصول عليها؛ لكني شعرت برابط خفي يربطني بها فور رؤيتها لذا دفعت ماتبق من ثمنها عن طيب خاطر وقمت بتجديدها حتى نفذت معظم أموال ميراثي ..
مرت سنوات زواجنا الأولى بداخلها وتيسرت الأحوال فاستطعنا الحصول على شقة دوبلكس بمكان راق وسُرعان ماانتقلنا إليها نظرًا لقُربها من محل عمله، لكني رفضت بشكل قاطع بيع (شقة الدقى) لعدم احتياجنا للأموال في ذلك الوقت، وأراد هو تحويل أوراق ملكيتها لتُصبح ملكًا خالصًا لي لكني اعترضت بشدة قائلة :
_ مش محتاج تعمل ده ياحبيبي .. احنا واحد ..

ابتسمت باستخفاف على تلك الذكرى البلهاء قبل أن آخذ  نفسًا عميقًا مُقررة الصعود إلى الأعلى، لم أُحصِ تلك الدرجات التي اجتزتها، ولم أعلم كم طابق مررت عليه، لكن فور وصولي إلى ذلك الباب الخشبي حتى توقفت نبضات قلبي اللاهثة عن الخفقان ..   
توقفت لثوان قبل أن أمد أصابعي المُرتعشة في مُحاولة بائسة مني لفتح الباب، لكن لحسن حظي لم تخني قواي واستطعت الولوج دون أن أُحدِث أي ضجة تُذكر ..    تأملت المكان من حولي، فكل قطعة هي كما تركتها مُنذ سنوات، الأغطية البيضاء التي تعلوها الأتربة لازالت تُغطي أثاث المنزل ...
كل رُكن بالمنزل تعلوه الأتربة وكأن أحدًا لم يطأه مُنذُ سنوات، حتى الأرض بأكملها مُغطاه بالأتربة وخيوط العناكب منسوجة في أركانها ...
كدت أن أتنفس الصعداء وأشعر بالأرتياح لوهلة لولا أن توجهت بنظري نحو ذلك الممر الذي بنهايته تقع غرفة النوم، فهُناك آثار أقدام تبدأ من باب الشقة .. هُنا أسفل قدمي وتنتهي هُناك في آخر الممر ..

رغمًا عني وكأن هُناك قوى خفية تُحركني، لم أشعر سوى وأنا على بُعد قدم واحدة من تلك الغرفة، وقتئذ سكنت جميع حواسي فلم أحس بأي حياة داخلي وكأني تحولت إلى تمثال من الشمع، هُناك فقط ذلك الصوت بداخلي الذي يصرخ مُترجيًا :
_ أرجعي .. متفتحيش الباب ...
لكن في تلك اللحظة التقطت أُذني أصوات أُخرى أقوى وأشد وطئًا آلاف المرات من ذلك الصراخ الداخلي..
صوت زوجي وصديقتي ...
ضحكاته وضحكاتها ..
همساته وهمساتها ..
وكأنهما في نعيم لايُعكر صفوه شائبة ..
تتعالى الضحكات أكثر وأكثر فترتسم في مخيلتي صور لم أستطع أبدًا إنهائها ..
بداخلي دعوت لو أني بداخل حُلم، ابتهلت لأن يكون قد قد أصابني مس، وفي أهون الحالات فأنا الآن أغفو أمام التلفاز وتلك الأصوات صادرة منه، أنا لستُ هُنا ولم تصلني الرسالة ولم يُبشرني الط.ب.ي.ب !!
الطبيب !!
_ مبروك .. هنقولك ياماما قريب ..

وقتئذ فقط تذكرت وفتحت عيني أنظر إلى مايحمله رحمي، وضعت إحدى يدي أعلى بطني أربت عليها وكأني أطلب منها الأذن مُعتذرة عما أنا مُقدمة عليه؛ ثم تحركت يدي الأُخري إلى مقبض الباب تُديره بقوه .. وفي ثوان رأيتهم ...

في تلك اللحظة لم يدر بخُلدي سوى تلك الكلمات التي تكررت بداخلي طوال تلك السنوات آلاف المرات، ولم أشعر سوي بلسان حالي وهو يتسائل :
_ هو أنا اللى عملت في نفسي كده !

بداخلى كُنت أشعر أن تلك هي النهاية، وكُنت على يقين من وقوعها ذات يوم، من الصعب عليّ الاعتراف بأني كُنت انتظرها مُنذ سنوات، حتى قبل أن أتزوج به !!
لكنها بالنهاية وكما توقعت .. قد حدثت ..
تُرى .. هل أنا المُذنبة ؟؟

الإكسير الزائفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن